قاسم حسين
حين يأتي قومٌ بعد خمسين عاماً، ليؤرّخوا هذه الحقبة الصعبة التي تعيشها البحرين، سيتوقفون كثيراً عند مطالبة مجموعةٍ من النواب بإسقاط الجنسية عن جماعاتٍ من المواطنين.
فآخر ما تفتقت عنه العبقرية النيابية، تبني مجموعة من النواب (14 نائباً ونائبة)، توقيع بيانٍ مشتركٍ يطالبون فيه بإسقاط الجنسية عن مواطنين بحرينيين، اعتماداً على حملاتٍ إعلاميةٍ موجّهة منذ أسابيع، يشارك فيها مسئولون ونواب وشوريون وصحافيون ومذيعون ومذيعات… لاستهداف بعض الفئات والقطاعات المعارضة.
ما يؤمن به العالم اليوم، أن الجنسية تحملها الشعوب في دمائها انتماءً وولاءً لأرضها وأوطانها، وليست مادةً للمزايدات السياسية الرخيصة، والتسلّق على عذابات ومعاناة الآخرين، في ظل وضع أمني وسياسي مضطرب.
إن من يأتي بعدنا سيكتب بسخريةٍ واستهجانٍ، عن مواقف هؤلاء النواب، الذين يفتقرون إلى الكياسة الدبلوماسية، فيضعون أنفسهم في مواقف اصطفافٍ وتماهٍ تامٍ مع رغبات السلطة، والجلوس في أحضانها، دون أن يتركوا مسافة بينهم وبينها، ليثبتوا أنهم يمثلون الشعب وليس السلطة التنفيذية، لأنها ببساطة «سلطة»، وهم «سلطة» أخرى يفترض أن تكون مستقلة عنها.
سيكتب من يأتي بعدنا عن نواب كانوا يتصارعون على رئاسة لجنة، وعجزوا خلال ثلاثة أعوام، عن استجواب وزير، أو محاسبة مسئول، رغم ما بين أيديهم من تسعة تقارير موثّقة أصدرها ديوان الرقابة المالية والإدارية، وحفظت في أرشيف مجلس النواب.
هؤلاء النواب الذين عجزوا عن ردّ كرامتهم، حين تم التشكيك في رجولتهم، يخوضون اليوم حربهم الأخيرة ضد أشخاص مستهدَفين سياسياً، بحرب إعلامية غير منصفة، فيها كثير من التمويه والافتئات.
النواب الذين عجزوا عن إصدار قانون يحفظ المال العام، ويمنع ضياع ما تبقى من أراضٍ شحيحة، ويقرأ التقارير الاقتصادية عن بلوغ الدين العام 13 مليار دولار نهاية هذا العام (2013)، دون أن تهتز له شعرة… يخوض حرباً بالوكالة لإسقاط جنسية بعض المواطنين البحرينيين.
هل يدرك هؤلاء النواب أن مسعاهم هذا يناقض القانون والدستور البحريني؟ هل يدركون أن العالم الخارجي سيثير عليهم وعلى أدوارهم ألف علامة استفهام؟ هل يستوعب هؤلاء أن من أكثر الأمور حساسيةً في العالم الديمقراطي سحب جنسيات البشر وسحب هوياتهم لدوافع سياسية؟ وهل يفهم هؤلاء النواب أن نزع الجنسيات وطرد البشر من أوطانهم وتحويلهم إلى لاجئين يعتبره العالم المتقدم من أفظع الجرائم والانتهاكات لحقوق الانسان؟ ألا يفكّرون بما سيقوله عنهم الجيل القادم حين يقرأ مثل هذه المواقف والأخبار؟
إن المتابع للشأن السياسي، يدرك أن النواب الحاليين، وكثيرٌ منهم وصل عن طريق الصدفة والفراغ السياسي، دون أن يستندوا إلى تمثيل شعبي حقيقي. وهي حقيقةٌ تعزّزها الكثير من مواقفهم، خصوصاً الأخيرة الخاصة بسحب الجنسيات من المواطنين.
إن هؤلاء النواب لا يستطيعون اليوم الوقوف في محفلٍ عامٍ للحديث عن إنجازاتهم، أو الدفاع عن مواقفهم، بما فيها عجزهم عن تمرير زيادة في رواتب موظفي الحكومة لا تتجاوز 15 في المئة. وهي القضية التي ركبوا أكبر خيولهم فيها وهدّدوا بعدم تمرير الموازنة إن لم تستجب لهم الحكومة، التي أرغمتهم على النزول من أبراجهم للتوقيع على الموازنة وهم صاغرون.
إن نواباً أقرّوا على أنفسهم بالعجز والفشل، إنّما يلعبون اليوم في الوقت الضائع، ويستخدمون الأوراق المحترقة التي تحوّلت إلى رماد.