انتشر في الآونة الأخيرة تعبير MENA الذي ينوب اختصاراً عن North Africa & Middle East . ويقول برنارد لويس، ذو التوجهات المعروفة حيال العرب والمسلمين، إن تعبير “الشرق الأوسط” وضعه ضابط بحري بريطاني عام 1920م .
ومن الواضح أن التسميات المناطقية الثلاث: الشرق الأدنى، والشرق الأوسط، الشرق الأقصى، تسميات “أوروبية” . فالأدنى ما كان قريباً من أوروبا، والأوسط ما كان أبعد قليلاً والأقصى هو الأبعد عن أوروبا في شرقي آسيا .
كما أن تعبير North Africa شمالي إفريقيا هو تعبير جغرافي محض لتجنب تسمية المنطقة بالمغرب العربي، أو المغاربي، أو ما إلى ذلك من تحديد “الهوية” . . أية “هوية” .
وانتشار التسمية الجديدة “مينا” اختصاراً للشرق الأوسط وشمالي إفريقيا يبدو أنه يحل محل “العالم العربي” أو “الوطن العربي” الذي كان شائعاً قبل ذلك . ومن الطبيعي أن ينتشر مصطلح كهذا في أوساط غربية و”إسرائيلية” زمن تراجع العروبة وانحسارها، ولكن غير الطبيعي أن يتبنى المصطلح الجديد أفراد من العرب ويستخدموه بأريحية ورحابة صدر .
في فترة سابقة شهدها كاتب هذه السطور بلبنان كان إصرار “الشباب” على استخدام مصطلح “الوطن العربي”، وذات مرة استخدم سياسي “عروبي “ مصطلح “العالم العربي”، فقامت عليه القيامة .
واليوم يشيع مصطلح هجين لم يكن مألوفاً في تسمية المنطقة العربية، وهو مصطلح “مينا” اختصاراً للتسمية الجديدة القديمة: الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا .
هذه منطقة واحدة تجمع بينها العروبة والشعور العربي واللسان العربي .
وعندما قامت “الثورات” . . التي لا نعرف من يريدها عادوا فقالوا: “الربيع العربي”، وليس ربيع الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا!
هكذا، فالعروبة، في عُرفهم، لا تجمع إلا الثورات! . . . والثورات التي لا يعرف الباحث الموضوعي من أين جاءت، ومن هم “مشجعوها” الحقيقيون؟
“العروبة” ليست مجرد “ثورة”، وإنما هي واقع موضوعي وواقع تاريخي ورابطة شعورية ولسانية .
وإذا أردنا تحليلاً لها، فإن المعوّل على وحدة اللسان أن الناطقين بالعربية كلغة أم، هم العرب، فالعروبة لم تعد أصلاً . وإذا كان بعض عرب آسيا يستطيعون رد أصولهم إلى “قبائل” عربية: فجميع عرب إفريقيا وهم الأغلبية، يمثلون أصولاً مندمجة عديدة لا تجمعها إلا وحدة اللسان العربي . وفي “القبيلة” عادات وتقاليد حميدة، لكنها بالمطلق ضد مفهوم “الدولة”، التي لا بد من قيامها .
والنبي العربي الكريم، يُنسب إليه قوله: “ليست العربية بأم وأب لأحدكم . العربية اللسان”، وهذا القول النبوي الكريم يستشهد به فقهاء مسلمون لهم وزنهم في دراسة الشأن الإسلامي والحديث النبوي الشريف .
وإذ نحدد أن العروبة تعتمد على “وحدة اللسان” كلغة أم، فإن “الأقليات” في الوطن العربي التي لها لسان آخر كلغة أم، وبالتالي، ثقافة أخرى (فاللغة الواحدة مؤسسة للثقافة الواحدة)، لها مطلق الحرية في التمتع بلغتها وثقافتها – تعليماً وإعلاماً وسياسة – ومن كان منها في وضع جغرافي وعددي يسمح له بالانفصال كما في جنوب السودان كان بها، ومن هو مندمج في بلد عربي كأكراد سوريا بقي في نطاق ذلك البلد وتمتع بلغته وثقافته الخاصة به .
واعتقادنا أن أية “أقلية” لا تجمعها وحدة اللغة والثقافة والشعور مع العرب من حقها الانفصال . وليس من الحكمة شن حرب عليها، وتعريض الجانبين: العربي والآخر غير العربي لخسائر غير مبررة في الأرواح والممتلكات من أجل أن تبقى بالإكراه والقهر في نطاق ذلك البلد العربي لا لشيء إلا لأن “السياسة الأجنبية” التي كانت متحكمة في مصائر الجميع، رأت أن من مصلحتها وتوازناتها أن يبقى هؤلاء وأولئك في نطاق “وحدة سياسية” . فعلى سبيل المثال: ليست العربية بلغة أم للأفارقة جنوب السودان، وبالتالي لا تجمعهم “وحدة ثقافة” مع الشماليين، ثم إنهم غير مسلمين، وبالتالي فأية “حكمة” تقضي بإجبارهم على البقاء في “وحدة سياسية” مع الشماليين؟ إن قيام دولة “جنوب السودان” هو عين العقل . ومن الطبيعي أن ثمة مصالح عدة – نفطية – وغيرها تشابكت خلال تلك السنوات الطويلة . ولكن ماذا عن “المستقبل” . . المستقبل البعيد؟ . . فمن أجل المستقبل لا بد من التضحية، وتأسيس كل شيء – شمالاً وجنوباً – على ما هو صحيح . . وحيث “لن يصح إلا الصحيح” . . وعلى ذلك فقسْ . . .
هذا هو رأينا في موضوع الأقليات، ولا بد من تأسيس العروبة الجديدة على هذه الرؤية .
ولكن إذا كان من حق غير العرب التمتع حقوقهم الإنسانية كافة، فمن حق العرب أيضاً وهم الأغلبية في الإقليم أن يتمتعوا بحقوقهم المشروعة .
والحكام الطغاة الذين اضطهدوا الآخرين تحت حكمهم باسم العروبة – ومن ضمن المضطهدين العرب أنفسهم، لا يحملون “تخويلاً عروبياً” بفعل ذلك، فدعاة القومية العربية، كانوا يكررون القول: “إن قوميتنا إنسانية”، لكنهم لم يضعوا إصبعهم على الجرح ولم يعلّقوا الجرس، عندما أفرزت العروبة للأسف حكاماً طغاة غير إنسانيين . لايمكن مغالطة الحقائق الدامغة .
وعندما نتحدث عن حقوق “الأقليات”، فلا بد أن نتبّين ما هي حقوق العرب أنفسهم، فليس من العدل إنصاف الأقلية وظلم الأغلبية .
ولمنظرّي العروبة الجديدة الغوص إلى ما هو أعمق، ولكن في التحليل النهائي لا تبقى غير “وحدة اللسان” . فمن نطق العربية على أنها لغة أم وثقافة وشعور، فهو “عربي” . . ولابد للآخرين أن يعترفوا بذلك، كما نطالب العرب الاعتراف بحق الآخرين .
إن الوطن العربي، أو العالم العربي “سيبقى عربياً” ولن يغير الحقيقة مصطلح “مينا” الهجين، وعلى العرب أن يتمسكوا باسمهم الأصيل، قبل أن يتبنوا، برحابة صدر، المصطلح الهجين القادم أساساً من تل أبيب .
الخليج الإماراتية :20/10/2011م