عقيل ميرزا
من أهم محاسن الديمقراطية قدرتها على جعل القانون محترماً ونافذاً في المجتمع، لأن القانون يصدر عن سلطة تشريعية انتخبتها الغالبية المطلقة من الشعب، وبالتالي فإن القوانين والتشريعات الصادرة من تحت قبة هذه السلطة تكتسب احتراماً عفوياً من قبل الناس.
عندما تزور بلداً ديمقراطياً تستشعر هذا الاحترام الجماعي للقوانين والأنظمة، لأن أولئك الناس يعتبرون أنفسهم هم المصدر الحقيقي لها ويفطنون أن من جاء بها ممثلوهم في البرلمان.
إذا ألقينا نظرة خاطفة على نوعية وشكل بعض التشريعات التي تصدر عن النواب لدينا، فتجد أن بعض تلك المقترحات مادة دسمة للضحك والنكات والسخرية لدى الكثير من الناس، والتشريع الذي يكون سبباً في تبادل النكات والضحك تشريع من الصعوبة بمكان أن يكتسب احترام هذا المجتمع، وبالتالي فإن النواب ببعض مقترحاتهم يبنون جداراً عازلاً يفصل الناس عن القانون من حيث يشعرون أو لا يشعرون.
المقترح الأخير الذي يشترط تأميناً على المتقدمين بالإخطار عن مسيرة أو تجمع بمبلغ يتراوح ما بين الدينار والعشرين ألف دينار لايزال يبعث على الضحك في وسائل التواصل الاجتماعي والمجالس الخاصة والعامة، ولا أعرف كيف يمكن أن يولي هؤلاء الضاحكون من هذا المقترح احتراماً للقانون بعد إقراره؟!
المشكلة الأخرى في هذا المقترح أن بعض المتقدمين به نوابٌ وصلوا إلى قبة البرلمان بمئة أو مئتين صوت فقط، في دائرة يصل عدد الناخبين فيها إلى سبعة آلاف ناخب أي بنسبة مئوية لا تصل حتى إلى الخمسة في المئة، ولك أن تتصور المسافة التي تفصل المشرع عن المجتمع الذي يتوجب عليه مستقبلاً الالتزام بهذا التشريع.
وبغض النظر عن نسبة العمق المجتمعي لهذا المشرع (النائب) فإنك بإلقاء نظرة خاطفة إلى المجتمع الذي انتخب له نائباً، فستجد أن القطط والفئران تعرف طرق وأزقة هذا المجتمع أكثر منه، لأنه يسقط من المعادلة المجتمعية، فكثير من أهل دائرته لا يعرف حتى شكله، فضلاً عن إن التقاه ذات مرة في فرح أو ترح أو حتى ماراً على أحد طرق تلك الدائرة.
عندما يشعر المواطن أنه ممثل تمثيلاً حقيقياً في السلطة التشريعية فإن كل القوانين التي تصدر عن هذه السلطة تكون نافذة ومحترمة، بالفطرة، وبالعفوية، لأن الناخب يشعر أن بصماته مطبوعة على تلك القوانين، من خلال ممثله الذي وصل بالأغلبية الحقيقية.
لا أقول إن حرية التعبير لا تحتاج إلى تقنين، ولكن من غير المفيد أن يضيف ويحذف في قانون التجمعات نائب وصل إلى البرلمان بمئة صوت، بينما يشارك في المسيرات والتجمعات المراد تقنينها عشرات الآلاف؟! أليست هذه طريقة لبناء جدار برلين بين المجتمع والقانون، وهو أمر يتحمل مسئوليته النواب؟!