د. حسن العالي
مقدمة
يسعى هذا التقرير لدعم فرضية عجز نموذج التنمية الاقتصادية الراهن في دول مجلس التعاون الخليجي عن تحقيق التنمية بأبعادها الحديثة، وضرورة الانتقال إلى نموذج أكثر تطورًا، ولكن بصورة تدريجية.
إن هذه الفرضية سبق وأن تم تحليلها من قبل العديد من الباحثين والأكاديميين منذ مطلع العقد الماضي؛ حيث بات واضحًا مراوحة جهود تنويع مصادر الدخل، وتراجع الإنتاجية على مستوى الاقتصاد والفرد، وتفشي البطالة في صفوف المواطنين، وارتهان النمو الاقتصادي بالكامل لعاملي النفط والزيادة الكبيرة في أعداد القوى العاملة الأجنبية، وضعف التطور الاجتماعي والمؤسساتي نتيجة لغياب الرؤية الشاملة للتنمية.
إن المفاهيم الحديثة للتنمية الاقتصادية ترتكز في تعريفاتها على تحسين إنتاجية الفرد من خلال تمليكه القدرات الأساسية للإنتاج وتحقيق الذات. وبصورة عامة، فإن العمل هو عنصر أساسي من عناصر الإنتاج، وبالتالي التنمية الاقتصادية.
سنستعرض في هذا التقرير أهم البحوث والدراسات الأكاديمية التي تدعم الفرضية الأساسية التي تنطلق منها هذه الدراسة، ثم سنسلط الضوء على بعض المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الخليجية الراهنة التي تعزز هذه الفرضية، لنتوصل أخيراً إلى جملة من الاستنتاجات والتوصيات.
أولاً: خلفية عن البحوث السابقة
تركز النماذج النظرية لتحليل محركات النمو الاقتصادي على عاملين أساسيين، هما: التغيرات التكنولوجية والموارد البشرية، بينما تتجاهل التأثير المحتمل لوفرة الموارد الطبيعية باعتبار أن مثل هذه الموارد تعتبر عامل نمو مؤقتًا كما هو الحال مع ما اصطُلح على تسميته بالمرض الهولندي "Dutch Disease".
في مطلع العقد الماضي، ظهرت بعض الدراسات مثل دراسة مقدسي يمام الفتاح (2000) والهيركا وحمد (2001) والتي ركزت على ثلاثة محركات للنمو الاقتصادي في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي أولاً: تراكم رأس المال وزيادة الأيدي العاملة، وثانيًا: التطور التكنولوجي، وثالثًا: كفاءة استخدام الموارد. وقد توصلت هاتين الدراستان إلى أن مساهمة التكنولوجيا والكفاءة في الناتج القومي الإجمالي كان سالبًا، كما استنتجت أن النتيجة السلبية لعوامل الإنتاج الكلية في دول المنطقة تعكس ضعفًا حقيقيًا في الاستخدام الأمثل لعوامل الإنتاج، وأن نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلدان المصدرة للنفط تم أساسًا نتيجة تراكم رأس المال وزيادة عدد العاملين.
في دراسة له حول الموضوع توصل عبدالله الصادق (2004) إلى أن نمط النمو في دول مجلس التعاون الخليجي ارتبط بشكل أساسي بنمو العمل الذي اعتمد بدوره على تدفق العمالة الأجنبية -وأغلبها من العمالة غير الماهرة-؛ حيث شهد العقدان والنصف الماضيان زيادة في العمالة الأجنبية في أسواق العمل بدول الخليج بمعدلات مرتفعة، وترى الدراسة أن نسبة العمالة الأجنبية في سوق العمل الخليجي قد وصلت إلى حدها الأقصى، ولا يمكن الاستمرار في نمو هذه العمالة دون أن تتعرض الكيانات الاقتصادية والاجتماعية لمخاطر جسيمة.
وقد كرر سعيد بن محمد الصقري (2010) نفس المحاولة على الاقتصاد العماني للتعرف على مصادر النمو وعوامل الإنتاج الكلي. وبغرض احتساب عوامل الإنتاج الكلية تم احتساب رأس المال، مساهمة العمال، والتكنولوجيا باستخدام معادلة كوب دوغلاس (1928) للإنتاج. وتتطابق النتائج التي توصل إليها مع الدراستين السابقتين؛ حيث وجد أن مساهمة رأس المال (الموارد الطبيعية) في نمو الناتج المحلي الإجمالي في الفترة من 1970-2007 بلغت 143% ونسبة مساهم زيادة العمالة 24% في حين كانت مساهمة التكنولوجيا والكفاءة بالسالب 66%.
ثانيًا: المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية لنمط النمو الاقتصادي الراهن في دول مجلس التعاون الخليجي
نتناول في هذا القسم عددًا من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الرئيسية الناجمة عن نمط النمو الاقتصادي الراهن في دول مجلس التعاون الخليجي، والتي تعزّز، من وجهة نظرنا، فرضية عجز هذا النمط عن تحقيق التنمية المستدامة بمفاهيمها الحديثة. وقد استُمدت جميع هذه الجداول من كتاب الإحصاءات الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي الصادر عن مؤسسة الخليج للاستثمار، الطبعة 11، 2012، باستثناء الجدول الخاص بمعدلات البطالة الذي استُمد من النشرة الاقتصادية الشهرية لمؤسسة الخليج للاستثمار–سبتمبر 2012.
1- نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي
يُستخدم مؤشر نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي كمؤشر على ثروة الأمم وتحسن مستوى دخل الفرد. ورغم التحفظ على هذا المؤشر كونه يمثل متوسطًا حسابيًا لا غير، فإنه لا يزال معتمَدًا لدى المنظمات الدولية المعروفة مثل صندوق النقد الدولي وغيره.
الجدول (1) يبين نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة من 2003–2011. ويتضح من هذا الجدول التذبذب الواضح في ارتفاع وانخفاض نصيب الفرد الخليجي على مدار السنوات التسع الماضية، وبصورة خاصة منذ الأزمة العالمية عام 2008؛ حيث يُلاحَظ الانخفاض الحاد في العام 2009 بالمقارنة مع العام 2008 (باستثناء ما يخص دولة الإمارات). وبلغ متوسط الانخفاض 20% بسبب تراجع الناتج النفطي، وهو ما يفسر الهيمنة شبه المطلقة للنفط على هذا المؤشر. كما أن تراخي معدلات النمو السنوية تعكس أيضًا تضخم أعداد السكان بسبب زيادة العمالة الأجنبية الوافدة.
كما يلاحظ أيضًا التفاوت الكبير في تحسن هذا المؤشر لدى كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي؛ ففي حين حقق انخفاضًا فعليًا في البحرين (عام 2011 بالمقارنة مع عام الأزمة العالمية 2008)، فإنه شبه مراوح في مكانه في كل من الكويت والسعودية. ويُعد مؤشر قطر، التي تمتلك اليوم أعلى معدل نصيب فرد من الدخل القومي في العالم، مثلًا واضحًا آخر على هيمنة النفط والغاز في تضخم هذا المؤشر.
ويستنتج من هذه الأرقام أن نصيب الفرد من الثروة في دول مجلس التعاون الخليجي تراجع في بعض الدول. وفي الدول التي حققت تقدمًا، فقد عكس ذلك بصورة رئيسية ارتفاع نصيب قطاع النفط في الناتج المحلي الإجمالي.
ويقدر معهد التمويل الدولي الإيرادات النفطية الخليجية بنحو 800 مليار دولار عام 2012. إن إيرادات النفط تأخذ طريقها لتحسين حياة المواطنين عبر الميزانية العامة للدولة في شكل خلق الوظائف الجديدة وتحسين الرواتب والأجور وتقديم الخدمات الاجتماعية (التعليم، السكن، الصحة، الكهرباء والماء… إلخ) بأسعار مدعومة.
ولكن هذه المهمة بات يتولد عليها العديد من الضغوط التي سوف نتناولها بصورة موجزة هنا:
•تآكل الإيرادات النفطية بسبب انخفاض القيمة الحقيقية للدولار وارتفاع معدلات التضخم والاكتشافات التكنولوجية في مجال بدائل النفط، وتحكم الدول الصناعية في جانب الطلب على النفط.
•غياب الحكم الرشيد مما يفسح المجال للفساد والتسربات وسوء تخطيط الموارد المالية.
•تراكم الفوائض المالية في صناديق سيادية تغيب الشفافية والحوكمة في إدارتها، وتكبدت خسائر بنحو 450 مليار دولار أثناء الأزمة العالمية.
•تضخم القطاع العام وأجهزة الدولة الإدارية مع وجود امتيازات تفضيلية بالمقارنة مع القطاع الخاص مما ولد سوقي عمل منفصلين في كل دولة خليجية.
•في سنوات العسر النفطي، يتم تقليص الموارد الموجهة للإنفاق الاستثماري للمحافظة على الإنفاق الجاري نتيجة تضخم بنود الرواتب والخدمات الاجتماعية.
•الجزء الأعظم من الإنفاق على الخدمات الاجتماعية يذهب للعمالة الأجنبية مما يحمل الاقتصاد كلف باهظة (سيتم تناول هذه النقطة بشي من التفصيل لاحقًا).
•تهميش دور الأنشطة الاقتصادية خارج قطاع النفط؛ مما يولّد نسبًا عالية من البطالة في صفوف الشباب من المواطنين.
•تضخم الأجهزة الأمنية وهيمنة دور الدولة على الحياة الاقتصادية والاجتماعية مما يضعف تطور المجتمع المؤسساتي والديمقراطي.
2- مساهمة النفط في الناتج المحلي الإجمالي
يقيس هذا المؤشر المساحة التي يحتلها قطاع النفط في توليد الثروة القومية في دول مجلس التعاون الخليجي. والوجه الآخر له، يعكس أيضًا المسافة التي قطعتها دول مجلس التعاون الخليجي في تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط والغاز.
ويبين الجدول رقم (2) مساهمة قطاع النفط في الناتج المحلي الإجمالي في دول مجلس التعاون الخليجي خلال الأعوام 2003–2011. كما تبين الأرقام الواردة في الجدول بصورة جلية تعاظم دور النفط في توليد الثروة الخليجية؛ حيث ارتفعت مساهمة قطاع النفط والغاز في كافة دول المجلس دون استثناء خلال الفترة من 2003–2011. وتتصدر السعودية وقطر القائمة بنسبة تتراوح ما بين 57,7%-61,9%، ثم الإمارات والكويت بنسبة تتراوح ما بين 50,87%-52,99%، ثم البحرين وسلطنة عمان ما بين 29,24%-38,37%. والبلدان الأخيران يمتلكان ثروات نفطية محدودة بالمقارنة مع بقية دول المجلس مما ينعكس في نسب مساهمة هذا القطاع في توليد الثروة.
وعند الحديث عن الوجه الآخر لهذا المؤشر، أي مساحة القطاعات غير النفطية في توليد الثروة، من غير شك أن دول مجلس التعاون الخليجي تبذل جهودًا كبيرة على هذا الصعيد؛ حيث تنوعت تجارب تنويع مصادر الدخل بين دولة وأخرى، كالتوسع في الصناعات المحلية القائمة كصناعات البترول والغاز، والسياحة، والزراعة، والاتصالات والإنشاءات والعقارات وغيرها. إلا أن نموذج الاقتصاد الريعي المستند على الريع الخارجي وليس توسيع قاعدة الإنتاج الداخلية يفرض مرة أخرى هيمنته على نمط الأنشطة الاقتصادية المولّدة للثروة. ويرى أكاني (2007) أن الدراسات الراهنة للاقتصاديات النفطية في الشرق الأوسط وإفريقيا أظهرت أن معظم هذه الاقتصاديات تتسم بضعف المؤسسات السياسية التشريعية والرقابية؛ مما يولّد محفزات كبيرة للفساد والمضاربات تفرض من ثم السعي لخلق أنشطة مضاربية توفر غطاء لتحقيق ذلك. وفي دول مجلس التعاون الخليجي، أخذت المضاربات في الأراضي والمشاريع العقارية والعمرانية والبورصات المالية مديات كبيرة وحادة.
3- الخلل السكاني
يعتبر الخلل السكاني من أخطر العواقب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ولّدها نمط النمو الاقتصادي الخليجي الراهن. ويبين الجدول رقم (3) نسب غير المواطنين في إجمالي السكان في دول مجلس التعاون الخليجي؛ حيث تتصدر دولة الإمارات العربية المتحدة قائمة دول المجلس من حيث الخلل السكاني بنسبة 88,4% (على الرغم من عدم توفر البيانات لدولة قطر، فإن نسبتها وفقًا لعدد من المصادر تقارب نسبة الإمارات أيضًا) تليها الكويت بنسبة 67,95%، ثم البحرين بنسبة 55,16%، ثم السعودية وسلطنة عمان بنسبة متقاربة بحدود 30%.
وواضح أن استيراد الأيدي العاملة الأجنبية يعتبر المصدر الرئيسي للزيادات السكانية، ويفترض أن تكون عمالة مؤقتة تعتمد على حجم المشاريع المنفذة. لكن دراسة العوض (2010) توضح أن 54% من العمالة الأجنبية في دولة الإمارات العربية المتحدة مضى على بقائها أكثر من 4 سنوات منها 23% فترة بقائها أكثر من 10 سنوات.
ومن المعروف أنه يثار حاليًا جدل أممي واسع حول ما اصطُلح على تسميته الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للعمالة المهاجرة. وقد عرفت اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لسنة 1990 العامل المهاجر بأنه "الشخص الذي سيزاول أو ما برح يزاول نشاطا مقابل أجر في دولة ليس من رعاياها" بغضّ النظر عن المدة التي يمكث فيها في هذه الدولة. وتستغل الدول المصدرة للأيدي العاملة هذه التشريعات في هذه المرحلة من أجل تحسين شروط تشغيل عمالتها في دول المجلس، لكن ما ليس واضحًا هو الخطوة التالية بعد أن يتم تعميم مفهوم العمالة المهاجرة على العمالة الوافدة في دول المجلس.
وقد ناقشت بحوث كثيرة الأخطار السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية للخلل السكاني في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يقول الدكتور علي الكواري في هذا الصدد: "إن تفاقم الخلل السكاني في بعض دول الخليج العربي هو اعتداء صارخ على حقوق المواطن؛ فمن حق المواطنين في وطنهم أن يكون لهم دور، وأن يكونوا هم التيار الرئيس في المجتمع، وأن تكون هويتهم هي الهوية الجامعة ولغتهم هي اللغة السائدة، ومصالحهم المشروعة عبر الأجيال وحماية مصير مجتمعهم من التفكك والنكوص هي محط الخيارات والموجّه للقرارات العامة وعلى رأسها السياسة السكانية".
4- سوق العمل الخليجي
إن واقع سوق العمل الخليجي الراهن هو أحد الإفرازات الخطيرة لنمط النمو الاقتصادي الخليجي الراهن, والتي لا يمكن التعامل معها وعلاجها من خلال الإجراءات التصحيحية التي اتخذتها دول المجلس لغاية الآن للتأثير على جانب الطلب (رفع تكلفة العمالة الأجنبية، تحديد نسب التوطين في بعض القطاعات، تحرير سوق العمالة الأجنبية، دعم رواتب العمالة الوطنية، وهي جميعًا إجراءات خلقت المزيد من التشوهات في سوق العمل) وجانب العرض (تطوير برامج التعليم والتوسع في المدارس والمعاهد الفنية والتقنية)، بل من خلال تغيير نمط النمو الاقتصادي الراهن بصورة جذرية.
إن الاقتصاد الريعي الخليجي ولّد أجهزة إدارية حكومية متضخمة وصناعات متقدمة كبيرة تقوم على النفط والغاز، وقد لعبت دورًا كبيرًا على مدار سنين في استيعاب جزء كبير من الأيدي العاملة الوطنية. لكن مع تضخم ظاهرة البطالة المقنعة في الأجهزة الحكومية والتطور التقني الكبير للصناعات الكبيرة، باتت قدرة هذه القنوات على امتصاص المزيد من الأيدي العاملة الوطنية محدودة.
خارج هذه القطاعات، ونظرًا للعوامل التالية:
1.الطبيعة العائلية لاقتصاديات القطاع الخاص (تسيطر الشركات العائلية على 90% من الأنشطة الاقتصادية الخاصة)؛
2.ضعف الاستثمارات الموجهة للصناعات الكبيرة غير المعتمدة على الطاقة ذات القيمة المضافة العالية؛
3.تشجيع الأنشطة المضاربية التي تغطي عمليات الفساد والربح السريع في ظل غياب المؤسسات التشريعية والرقابية المستقلة؛
4.فتح أبواب الاستيراد للعمالة الأجنبية على مصراعيه (وبذلك تم تعطيل قانون العرض والطلب الذي يفترض أن محدودية المعروض من الأيدي العاملة الوطنية تؤدي إلى تحسين الأجور وذلك لكون جانب العرض بات لا يضم هذه العمالة فحسب بل وأعدادًا هائلة غير محدودة من الأيدي العاملة الأجنبية تُجلب وفقًا لشروط وقيود أقرب للسخرة).
فقد أدت جميع هذه العوامل مجتمعةً إلى خلق تشوهات كبيرة في سوق العمل الخليجي، أبرزها:
•أن القسم الأعظم من الوظائف المتولدة عن نمط النمو الاقتصادي الراهن تكون ضعيفة الرواتب وتتطلب مهارات محدودة؛ مما يخلق دينامية متنامية للطلب على الأيدي العاملة الأجنبية. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى نحو 7 ملايين وظيفة تم توفيرها في أسواق العمل الخليجية خلال العقد الماضي، إلا أن نحو مليوني وظيفة فقط من هذه الوظائف ذهبت للمواطنين من دول المجلس.
•وقد تولّد عن ذلك زيادات كبيرة في الأيدي العاملة الأجنبية، ويوضح الجدول رقم (4) تضخم الأيدي العاملة الأجنبية كعدد وكنسبة من مجموع الأيدي العاملة في كافة دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة 2003–2011. وتتصدر قطر القائمة بنسبة 93,44% تليها الكويت بنسبة 87,74% (على الرغم من عدم توفر البيانات الخاصة بدولة الإمارات، إلا أن النسبة لديها مشابهة أو تفوق النسبة في الكويت)، ثم السعودية بنسبة 80,34%، ثم البحرين بنسبة 77,22%، ثم سلطنة عمان بنسبة 75,9%، وغالبًا ما تكون هذه العمالة غير ماهرة وموجهة لقطاعات الإنشاءات والبناء والخدمات العامة.
•البطالة: يوضح الجدول رقم (5) نسب البطالة في دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة من 2003–2011؛ حيث يبلغ معدلها الوسطي 5,21% عام 2011. كما يبين الجدول مراوحة وزيادة هذه المعدلات على مدى عقد من الزمن، وهو ما يؤكد عجز نمط النمو الاقتصادي الراهن علاوة على الإجراءات التصحيحية في سوق العمل عن علاج هذه المشكلة. كما يتوجب التنويه هنا بأن هذه البيانات تستند إلى تقديرات متحفظة في الغالب. ووفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، يتوقع ارتفاع عدد المواطنين الخليجيين العاطلين عن العمل إلى نحو 2-3 ملايين مواطن خلال الفترة (2010–2015)، بينما تؤكد دراسة لمؤسسة الخليج للاستثمار أن معدلات البطالة في صفوف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 19و25 عامًا تبلغ حوالي 30% في حالة المملكة العربية السعودية، 28% في البحرين، 23% في عُمان، وحوالي 24% في الإمارات، و12% في الكويت.
•إنتاجية العمل: وتقاس إنتاجية العمل هنا من خلال قسمة الناتج المحلي الإجمالي على عدد العاملين لمعرفة إنتاجية العامل الواحد، ويظهر الجدول رقم (6) النمو السنوي في إنتاجية العمل في دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة 2003–2011. وعلى خلفية الزيادات السنوية الكبيرة في أعداد الأيدي العاملة الأجنبية المبينة في الجدول رقم (4)، يظهر الجدول رقم (6) التذبذب الواضح في معدلات نمو الإنتاجية خلال السنوات التسع الماضية، بل وانخفاضها في معظم السنوات؛ حيث انخفضت بنسبة 6,68% عام 2009، على الرغم من زيادة الأيدي العاملة الأجنبية في ذلك العام بنسبة 14,8% بالمقارنة مع العام 2008. وقد سجلت البحرين والإمارات نموًا سالبًا لإنتاجية العمل بنسبة 1,71% و0,1% عام 2011 على الرغم من زيادة الأيدي العاملة الأجنبية بنسبة 6,4% في البحرين. وتوصل العوض (2010) إلى أن إنتاجية العمل الحقيقية أخذت منحنى تنازليًا مع كل زيادة في أعداد القوى العاملة الأجنبية منذ العام 2006 في أغلب القطاعات الاقتصادية في الإمارات. وتبين بيانات مؤسسة الخليج للاستثمار أن دول المجلس حققت معدل نمو 5,1 % سنويًا خلال 2000–2008 لكن ذلك لا يعكس زيادة في الإنتاجية؛ إذ ارتفع معدل الإنتاج بالساعة (مع احتساب قطاع النفط والغاز) منذ العام 2000 بنسبة ضئيلة بلغت 1% سنويًا، وهذا أقل بكثير مما حققته الهند (4,9% ) والصين (10,5%)، وحتى الولايات المتحدة الأميركية (1,4 %)، وأوروبا (1,5%).
•الكلف الاقتصادية للعمالة الأجنبية: يقدر البنك الدولي التحويلات المالية للعمالة الأجنبية في دول مجلس التعاون الخليجي بنحو 70 مليار دولار، وهي تمثل نسبة 17% من مجموع التحويلات في العالم. إلا أن الكلف الحقيقية للعمالة الأجنبية تتجاوز هذا الموضوع. العوض (2010) يقسم هذه الكلف إلى ثلاثة أصناف رئيسية، هي: 1) كلفة مصاريف التوظيف التي تدفعها الشركات للجهات الحكومية. 2) الأجور والمرتبات والمزايا المدفوعة للعمالة الأجنبية. 3) الكلف الاجتماعية، وهي تمثل نصيب العمالة الأجنبية من الإنفاق على الأمن العام والطرق والبنية التحتية والكهرباء والوقود والتعليم والصحة. وقد قدرت الدراسة التحويلات المالية للعمالة الأجنبية بالإمارات بنحو 9,5 مليار دولار عام 2009. إلا أن التكلفة الاقتصادية لكل عامل أجنبي (حسب التقسيمات الثلاث) بلغت 14,714 دولار، منها 5% الكلف الإدارية و74% كلفة الأجور والمزايا و21% الكلف الاجتماعية. وعند احتساب إجمالي الأيدي العاملة الأجنبية في الإمارات عام 2009 (تم هنا احتساب عدد السكان الأجانب لعدم توفر أرقام الأيدي العاملة الأجنبية)، فإن التكلفة الاقتصادية لهذه العمالة سوف تبلغ 98 مليار دولار؛ وهي تعادل نحو عشرة أضعاف التحويلات المالية لهذه العمالة. وتبين هذه الأرقام بصورة جلية الكلف الاقتصادية الباهظة التي تتحملها الاقتصاديات الوطنية الخليجية جرّاء التضخم الكبير في الأيدي العاملة الأجنبية، وهذه الكلف آخذة بالتزايد؛ مما يستوجب تحليلها ودراستها بعناية مقابل المردودات الاقتصادية لهذه العمالة، وهو مؤشر على انخفاض كفاءة تشغيل الموارد الاقتصادية.
•تشوه سوق العمل: وفقًا للتقرير السنوي لمنظمة العمل الدولية؛ فقد أدى انخفاض رواتب ونوعية الوظائف المتوفرة في القطاع الخاص إلى تهافت الأيدي العاملة الوطنية للعمل في القطاع الحكومي؛ ففي قطر والكويت يوظف القطاع العام نحو 80% من الأيدي العاملة الوطنية و72% في السعودية و47% في سلطنة عمان. ونتيجة لضعف هيكل الأجور في القطاع الخاص برزت فجوة كبيرة بين سوق عمل القطاع الخاص وسوق عمل القطاع العام؛ حيث لوحظ في البحرين أن معدل الرواتب في القطاع العام يبلغ 712 دينار بينما يبلغ 278 دينار في القطاع الخاص، وهو ما يشكّل عامل إحباط كبيرًا لدى المواطنين الراغبين في العمل لدى القطاع الخاص. ويفسر ذلك جانبًا مهمًا من تفشي البطالة في صفوف الشباب الخليجي بالذات. كما تتسم سوق العمل الخليجي بتدني مشاركة الإناث لأسباب اجتماعية واقتصادية. وبينت دراسة سعد بن علي الشهراني (2012) حول التركيبة السكانية أن مشاركة المرأة من المواطنات في سوق العمل بلغت 2% في الإمارات و2,6% في قطر و6,5% في الكويت و7,1% في سلطنة عمان و12,3% في البحرين.
خاتمة
سعى هذا التقرير إلى تدعيم فرضية أن نمط النمو الاقتصادي الراهن في دول مجلس التعاون الخليجي لم يعد قادرًا على تحقيق التنمية بمفاهيمها الحديثة من حيث تحسين رفاهية المواطنين وتمليكهم قدرات الإنتاج، وتوسيع مشاركتهم الاجتماعية والسياسية وتحقيق الذات؛ حيث تمّ التدليل من خلال العديد من المؤشرات الخاصة بحصة الفرد في الناتج المحلي الإجمالي ونصيب النفط في الناتج المحلي الإجمالي والخلل السكاني وخصائص سوق العمل، على أن نمط النمو الاقتصادي الراهن قد ولّد الكثير من الاختلالات البنيوية السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحول دون تحقيق تقدم حقيقي في التنمية البشرية، كما أنّ هذه الاختلالات باتت تكلف المجتمعات الخليجية والأجيال الراهنة والمستقبلية كلفًا اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة، وتقود ها إلى مستقبل مجهول الهوية.
لقد بات من الضروري والمُلح قيام دول مجلس التعاون الخليجي بإعادة بناء أنماط التنمية لديها بما يؤسس أولاً لتحقيق تكامل اقتصادي خليجي منتج وحقيقي ومستدام ومنفتح بذات الوقت على التكامل الاقتصادي العربي، وثانيًا: التحول نحو اقتصاد المعرفة والصناعات ذات القيمة المضافة العالية.
ومن الواضح أن تحقيق ذلك يتطلب وجود استراتيجيات تنموية متدرجة وطويلة الأجل تأخذ بالاعتبار تجنب التكاليف الباهظة للانتقال من نمط النمو الراهن وتستند على إحداث تحولات بنيوية حقيقية وتدريجية في النظم السياسية والديمقراطية والمشاركة الشعبية والحكم الرشيد والتعليم والثقافة تتزامن مع الإصلاحات الاقتصادية.
_____________________________________
د. حسن العالي – باحث اقتصادي خليجي
المراجع
• علي خليفة الكواري، الخلل السكاني اعتداء على حقوق المواطن، جريدة العرب القطرية، 8إبريل/نيسان 2008.
• عبد الله الصادق، السياسة الاجتماعية بمنظور اقتصادي بحريني خليجي، 2004.
• سعيد بن محمد الصقري، مصدر النمو في الاقتصاد الخليجي وعوامل الإنتاج الكلي (النموذج العماني)، الجمعية الاقتصادية العمانية، 19 ديسمبر/كانون الأول 2010.
• سعد بن علي الشهراني، التركيبة السكانية وأثرها على الأمن بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، 2012.
• مؤسسة الخليج للاستثمار، تقرير الإحصاءات الاقتصادية الخليجية، دولة الكويت، الطبعة 11، 2012.
• مؤسسة الخليج للاستثمار، النشرة الاقتصادية الشهرية، دولة الكويت، سبتمبر/أيلول 2012.
• مصرف البحرين المركزي، النشرة الاقتصادية الفصلية، دولة البحرين، ديسمبر/كانون الأول 2011.
• Elhiraika, A. B. and A. H. Hamed. Explaining Growth In an Oil dependent Economy, the Case of United Arab Emirates. Rio deJaneiro, 2012.
• Samir Makdisi, Z. F. a. I. L. Determinants of Growth in the MENA Countries. Oxford, Centre for the Study of African Economies, Oxford University, 2000.
• Akani, P.O. Oil Wealth and Economic Growth in Oil Exporting African Countries, AERC Research Paper 170, African Ecomomc Research Consortium, Nairobi, September 2007.
• Al Awad, Mouawiya. The Cost of Foreign Labor in the United Arab Emirates, Working Paper No. 3, Institute for Social and Economic Research, Zayed University, UAE, 2010.
• International Labor Organization, World of Work Report 2012, Geneva, Switzerland.
• International Monetary Fund, Gulf Cooperation Council Countries (GCC): Enhancing Economic Outcomes in an Uncertain Global Economy, 2011.
• World Bank Group, Migration and Remittances Factbook 2011, Washington, USA.
جداول الدراسة
جداول الدراسة
نصيب الفرد من الدخل القومي – آلاف الدولارات
|
2003
|
2004
|
2005
|
2006
|
2007
|
2008
|
2009
|
2010
|
2011
|
مملكة البحرين
|
12,749
|
13,639
|
15,143
|
16,505
|
17,754
|
20,392
|
16,650
|
17,767
|
14,732
|
الكويت
|
18,799
|
21,591
|
27,014
|
31,904
|
33,730
|
43,285
|
30,777
|
34,866
|
44,318
|
عُمان
|
9,305
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia. |