تحيرت وأنا اكتب عن موضوع شغل بالي مرارا، يتعلق بتناقض الأخبار التي تنشر في صحافتنا المحلية هذه الأيام بوتيرة متصاعدة الى درجة أن القارئ بل حتى الصحفي ذاته الذي هو أقرب الى موقع الحدث وأكثر معرفة بالمصدر يقر بوجود هذا التناقض، مما يكشف عن شيوع ظاهرة غريبة (دخيلة) على الصحافة المحلية، وبالتالي يؤثر على مصداقيتها وحرفيتها.. وتساءلت مع نفسي نلوم من؟
وقد يتفق معي القارئ فيما ذهبت اليه في هذه المقدمة العجلى، وقد لا يتفق.. وعلى هذا الاساس، نستعرض ثلاث حالات من أخبار نشرت مؤخرا واصطبغت بالتناقضات، ودس في حيثياتها الغبار الذي أوقف تنفس القارئ، وأوصد باب همته في استطلاع الحقيقة.
الخبر الأول: عن أملاك الدولة والحراك النيابي بشأنه، وما ذكرته الصحف بان جلالة الملك أمر بإعادة الأراضي المأخوذة بعد عام 2002 فيما الحقيقة أن جلالة الملك أمر بتشكيل لجنة لتدارس التجاوزات في أملاك الدولة، وعشنا في جدل حول الاراضي وقيمتها والمساحة المأخوذة (المدفونة) إلى درجة أن نشرعنوان "ان تقرير أملاك الدولة باطل".. وان المشروع الإصلاحي امام منعطف تاريخي لمحاربة الفساد.. والنواب يؤكدون ان المساحة المأخوذة 65 كيلومترا مربعا ويصرون على إعادتها.
الخبر الثاني: هو ما نتج إثر زيارة وفد من جمعية الوفاق للسفير البريطاني.. وما رافقه من تصعيد وكان حربا ضروسا بين الرافضين وبين السفير والوفاقيين تدور رحاها على الأبواب الى درجة أن طالب 250 مجلسا بطرد السفير، فيما كانت هناك لقاءات متبادلة مع وزير الخارجية لتهدئة الوضع الناشب وتأكيد عدم التدخل في السياسة البحرينية.
وأكد السفير البريطاني أن ما قام به ليس عملا خاطئا، ورد على المعارضين له، بانه يعرف ما هي حدود واجباته ومهامه الدبلوماسية، وغضب السفير الألماني تضامنا مع السفير البريطاني الى أن صب الماء على النار فخمدت والحمد لله.
الخبر الثالث: المدينة الشمالية، ومتى يبدأ المشروع ومتى ينتهي وعدد الوحدات السكنية، فالأرقام مخيفة، وتختلف في كل مرة ينشر عنها، يرافق ذلك تحذير من تاخير البدء فيها ، و أن المخطط يشمل 17 جزيرة بينما العدد الفعلي 10 جزر، فأين ذهب الباقي؟ وظل السؤال النابع من أبسط الناس: متى أستطيع أن احصل على سكن؟.. وكأنه في حلم بان 15 سنة من الانتظار تقلصت في 5 سنوات، ويفاجأ المواطن المسكين (الذي ليس لديه بيت) بان سنين الانتظار الطويل تطل بوجهها الكالح من جديد.. والله هو المعين!
وقس على ذلك سيلا من الأخبار المتناقضة هنا وهناك منها على سبيل المثال لا الحصر، ما يتعلق بطيران الخليج ، وفصل مسئولين فيها ثم نفي ثم تأكيد وعن أرباحها ووضعها المتدهور ثم نشر اخبار بانها على ما يرام، وفي أحسن حال ، وتنوي شراء طائرات أكثروأكبر! والصفقات مستمرة.
وكذلك بالنسبة الى المستشفيات الخاصة ودورها في المجتمع وتوفير خدمات صحية يقابله تساؤل من طبيب متخصص ما الفائدة من هذه المستشفيات أو تلك المتعلقة بالبناء الذكي، فمرة تقره وزارة الإسكان ، ومرة توصي بدراسة جدوى، ومرة توافق ومرة يسافر وفد إلى الصين للاطلاع على النموذج.. تلاه بدء بناء النموذج .. وعمت الفرحة بين الغلابى.
وتمت دعوة المواطنين لمشاهدته بمدينة حمد، وفجأة رفض مشروع البناء الذكي، وبعد فترة وجيزة ينشر خبر مفاده أن لا الغاء كلي للمشروع! أليست هذه أخبار متناقضة؟!
أفيدونا.. نلوم من؟ جزاكم الله خيرا.. وفي رأيي لا نلوم الصحافة كليا.. وإنما نلوم مصادر هذه الأخبار.. فالصحافة تنشر الموجود .. أليس كذلك؟