منصور الجمري
أي بلد في العالم، ولكي يكون موحَّداً، فإنه يعتمد على مبدأ الاعتماد المتبادل بين المكونات المجتمعية والجغرافية. فمثلاً، الولايات المتحدة الأميركية تُعتبَر بلداً موحَّداً لأن ولاياته تعتمد على بعضها البعض، ولأن مكونات المجتمع تعتمد على بعضها البعض. وهذا الحال ليس خاصاً بأميركا فقط، وإنما أي بلد متماسك فإنه يتأسس على مبدأ «الاعتماد المتبادل»، بحيث ينتعش السلم الأهلي من خلال ترابط العلاقات المجتمعية بصورة مصيرية، ومن خلال سيادة القانون المطبق على الجميع على أساس المواطنة المتساوية والمتكاملة.
هذا المبدأ ليس فقط في السياسة الوطنية، وإنما أيضاً في السياسة الدولية؛ إذ إن تكثير الاعتماد المتبادل يؤسس للسلام بين الدول، وكذلك الحال بالنسبة للفرد. ففي حالة الفرد يكون الشخص معتمداً على غيره بالكامل في عمر الطفولة، وعندما يكبر يسعى إلى الاستقلال لتكوين ذاته، وبعد أن ينضج يكتشف أنّ نموه وتطوره في حياته يعتمد على «الاعتماد المتبادل» مع الآخرين.
وعلى أساس هذا المفهوم نرى أن الخطأ يكمن في السياسة المعتمدة حالياً في البحرين، إذ تتوجه كل الجهود لتثبت أن المشكلة السياسية الحالية سببها اختلاف فئتي المجتمع الرئيسيتين، وأن مصلحة فئة تمسك حالياً بمفاصل الدولة تعتمد على إبقاء الفئة الأخرى خارج مؤسسات الدولة، أو إضعافها وتهميشها إلى ما يقرب الصفر. وتأسيساً على هذه السياسة، فإنه وحتى الحوار الوطني أصبح مرهوناً بهذه النظرية، إذ إن الحوار ليس بين السلطة والمعارضة، وإنما بين مكونين متناقضين في المصالح.
إن هذه النظرية خاطئة ومضرة للتماسك الاجتماعي، وهي لا تأتي بأي نفع بعيد المدى لمن يطرحها اعتقاداً منه أنه يستفيد منها حالياً. النظرية خاطئة لأنها تعتبر مصلحة فئة ما، تساوي الإضرار بمصلحة فئة أخرى. هذه النظرية تتطلب عزل فئة عن أخرى في جميع المجالات، وإبعاد فئة معينة عن مؤسسات للدولة (كما يحدث حالياً بصورة مستمرة)، وتطبيق هذا العزل في مختلف المناطق التابعة للبلد الواحد، بحيث تمنع فئة من الاقتراب من مساحة محددة… والنتيجة تكون غير حسنة على جميع المستويات، لأن هذه السياسة لا تؤسس مجتمعاً متماسكاً، ولا تؤسس استقراراً مستداماً، بل ويصبح الحديث عن توافقات ووحدة وطنية مجرد عبارات نظرية من دون أي شواهد واقعية.