هاني الفردان
خطوة جريئة وقوية تسعى من ورائها الحكومة إلى تغيير نظم سائدة، لابد أن تبدأ ببالونة الاختبار التي تطلقها عبر شائعات هنا وهناك لتبقى هي صامتة ومتفرجة لردات الفعل التي ستعقب إطلاق هذه البالونة، ومن ثم تقيس مؤشرات موقفها لاتخاذ الموقف سلباً أو إيجاباً.
تغيير نظام التقاعد، ووقف مكافأة نهاية الخدمة، مازالت حتى اليوم بالونة اختبار أطلقتها الحكومة لمعرفة ردات فعل الشارع والمجتمع المدني الذي بقي صامتاً ينتظر الإعلان الرسمي ليتحرك كعادته في الوقت الضائع، الذي لا نفع منه بعد أن اتخذت الحكومة قرارها النهائي.
الحكومة أخرجت بالونة تغيير نظام التقاعد عن طريق أحد وزرائها في مجلس النواب، بتلميحات غير مباشرة، ومن ثم ستصدقها بعد أن وجدتها من دون أي اعتراض شعبي. والحكومة في مثل هذه المواقف تتعامل بذكاء شديد، بينما مجتمعنا المدني دائماً يكون نائماً وسارحاً في قضايا أخرى بعيدة عن الهمِّ الرئيسي.
بالونات كثيرة استخدمتها الحكومة من قبل، إلا أن البالونة الجديدة، تركت أثراً كبيراً، حتى قامت وزارة التربية والتعليم في إجراء غريب بالاتصال بجميع المعلمين من البحرينيين وغير البحرينيين والذين قدموا طلبات للتقاعد للحضور لمعهد الشيخ خليفة، إذ قال عدد منهم إنهم تلقوا اتصالات من وزارة التربية والتعليم للحضور للمعهد من دون علمهم بالأسباب، وأنه حضر العشرات منهم على مدى اليومين الماضيين وتفاجأوا بمحاولات الوزارة لتثنيهم عن التقاعد.
الوزارة شكلت لجاناً لكل من معلمي التعليم الابتدائي، الإعدادي والثانوي وكل لجنة تتكون من فردين، طرحا على المعلمين أسئلة بشأن أسباب رغبتهم في التقاعد، وهل لقرارهم علاقة بما أثير في مجلس النواب حديثاً بشأن توجه لرفع سن التقاعد إلى 65 عاماً، وإلغاء نظام شراء سنوات الخدمة؟
الوزارة تضررت من بالونة اختبار الحكومة، وعملت خلال الأيام الماضية على حث المدرسين على العدول عن قرارهم بشأن التقاعد، ومواصلة العمل لسنوات أخرى، سواء وصلوا للسن القانوني أو من المقدمين على تقاعد مبكر.
لماذا يتحرك الكثيرون حالياً لطلب التقاعد؟ السبب الأول هو الخوف من ضياع حقوقهم، والثاني شعورهم بأن الحكومة ستعمل بشكل جدي على تغيير نظام التقاعد، والسبب الثالث عدم وجود سلطة تشريعية حقيقية يمكنها الحفاظ على حقوق الناس ومحاسبة السلطة التنفيذية وعرقلة مشاريعها.
الخوف ولّده تلميح وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة، إلى إمكانية مراجعة نظام التقاعد في البحرين، وذلك لوجود تحديات مختلفة، في رده على كلام ذكره النائب عبدالرحمن بوعلي بشأن ما اعتبره «لغطاً» في المجتمع، وكلاماً عن أن الحكومة ستصدر قرارات لإلغاء مكافأة نهاية الخدمة، ورفع سن التقاعد إلى 65 عاماً، وإلغاء نظام شراء سنوات الخدمة، فيما أكد رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، أن مكافأة نهاية الخدمة لن تُمَسَّ أو تُطالَ وأنّ ما يُثار بشأن إلغائها غير صحيح البتة، ما دفع غالبية أعضاء مجلس النواب على الموافقة على سحب طلب طرح مناقشة عامة بشأن استيضاح الحكومة بشأن التقاعد.
الواضح أن بالونة اختبار الحكومة بشأن نظام التقاعد الجديد، أدخل وزارة التربية والتعليم في مأزق كبير بسبب كثرة عدد المتقدمين للتقاعد ما أجبرها على محاولة معرفة الأسباب وكأنها غائبة عنهم.
خوف الناس مشروع، وزحف الكثيرين حالياً لطلب التقاعد أمر منطقي فلن ينتظر الكثيرون أن «يقع الفأس في الرأس» ويخسرون بعد سنوات طويلة من العمل حقوقهم التقاعدية.
تخيل عزيزي القارئ أن الحكومة قبل 11 يوماً تقريباً (31 ديسمبر/ كانون الأول 2015) من قرار رفع أسعار البنزين (11 يناير/ كانون الثاني 2016) كانت تؤكد للنواب ألا توجد رؤية لديها بشأن رفع سعر البنزين، وحتى يوم صدور القرار أكد جُل النواب عدم علمهم بذلك؛ بل تفاجأوا وصدموا بالقرار، بينما المؤكد أن أعضاء في مجلس الشورى كانوا على علم واطلاع بالقرار قبل أيام من صدوره.
فتوقع عزيزي القارئ أن تُصبّح غداً، وقرار فرض نظام جديد للتقاعد أعلن عنه رسمياً، وأن النواب قد صادقوا عليه، وسيقولون إنهم لا يعلمون عنه شيئاً، أو أنهم خدعوا!
وتأكد أن نظام التقاعد الجديد وما يلحقه من تغييرات سيطبق قريباً، وأن الحكومة ستكون جادة في ذلك، ولن يوقفها أحد.