بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الممثل الرسمي للبعث في العراق: نؤمن بنظام وطني ديمقراطي تعددي يستند إلى صناديق الاقتراع، وما يقرره الشعب بعد رحيل المحتل هو ما يجب أن يسود
البعث ليس حزبا مجردا بل هو فكر قومي عربي يستند في أساس رسالته إلى مبادئ وقيم رسالة الأمة
البعث الآن متجسد في عقول كل العراقيين وأذهانهم، ومتجذر في أعماق المجتمع العراقي
أوضح الممثل الرسمي للبعث في العراق الدكتور خضير المرشدي بأن البعث متجسد في عقول كل العراقيين وأذهانهم، ومتجذر في أعماق المجتمع العراقي، وبأن المستقبل على أرض العراق بعد رحيل المحتل سيشهد نظاماً وطنياً ديمقراطياً تعددياً يستند إلى صناديق الاقتراع حسبما يقرره شعب العراق.
جاء ذلك في حوار للممثل الرسمي للبعث في العراق مع جريدة النهار اللبنانية تم نشره مؤخراً، تناول فيه المراجعة النقدية التي أجرتها قيادة البعث لمسيرتها السياسية قبل الاحتلال، والتي وضع على أساسها برنامج التحرير والاستقلال واستراتيجية البعث والمقاومة.
وفيما يأتي نص حوار جريدة النهار مع الممثل الرسمي للبعث في العراق :
عام 2003 أُخرج حزب البعث العراقي من الحكم، لكنه لم يخرج من نسيج العراق الاجتماعي… من بقي حياً من قادته هجر أرض الرافدين، لكنه لم يهجر السياسة ولا مقارعة المحتل. انتزعت السلطة ومقدرات البلاد بما فيها ومن عليها، من قبضة البعثيين، لكن من اعتنقوا فكر ميشيل عفلق لم يبارحوا السلاح، يوجهونه شطر المحتل الاميركي دون سواه، من أجل قضيتهم المقدسة في تحرير بلادهم من كل الغرباء عنها.
حزب البعث العراقي، عاد الى الضوء مجددا، بعدما خبا مدة طويلة تمكن خلالها من ان يعيد تجميع قواه، ويتوجه الى محازبيه وانصاره والى العالم من حوله، بخطاب عقلاني هادئ ورصين، بعيد من الانفعالات، التي دفع ثمنها سابقا أرض وطن بكامله.
ماذا يفعل "البعث" اليوم، على صعيد مقاومة المحتل؟ وأي خطاب إعلامي يعتمد؟ وأي سياسة تعبوية استقطابية يمارس؟ وأي ديبلوماسية يلعبها؟ وماذا علمته الاعوام السبعة خارج السلطة؟
للإضاءة على هذه النقاط وغيرها، التقت "النهار" الناطق الرسمي باسم حزب البعث العراقي الدكتور خضيّر المرشدي على هامش الاجتماع الدوري للأمانة العامة لـ"المؤتمر القومي العربي" الذي انعقد أخيرا في بيروت، وكان هذا الحوار:
• وُصِمت حقبة حكم البعث في العراق بالديكتاتورية، في حين ان احدى الركائز التي تقوم عليها العقيدة البعثية هي الحرية، لماذا حصل كل هذا الابتعاد عن فكر البعث وعقيدته في حينه؟
– اعتقد ان الديكتاتورية هي نظام حكم، ولا علاقة لها اطلاقا بمفهوم الحرية، بمعنى انها ليست نقيضا للحرية بالمفهوم السياسي. الحرية هي جزء من حياة الانسان، يعني ان الانسان خلق حرا ولا احد يستطيع ان يسلب منه هذه الحرية. اما الديموقراطية كنظام سياسي فيمكن ان تكون نقيضا للديكتاتورية.
• ولكن هناك اعدامات حصلت داخل مؤتمرات حزبية على مستوى القيادات العليا، وهي متلفزة؟
– هذا موضوع آخر، ومستعد للاجابة عنه اذا اردت ان تسألني عنه. لكنني اتكلم على الممارسات الديموقراطية التي كانت واضحة للجميع داخل الحزب، حيث هناك ممارسة للديموقراطية، وعلى مستوى المنظمات الشعبية ايضا كان هناك ممارسة للديموقراطية، وعلى مستوى المجلس الوطني (البرلمان) ايضا عبر الانتخابات التي حصلت مدى 20 سنة تقريبا بنحو 5 دورات منذ 1980 الى 2003. وبالتالي كان هناك هامش من الممارسة الديموقراطية، لكن طبيعة نظام الحكم، نعم هو نظام مركزي وقد يكون أحيانا صارما وهذا ما لا أريد ان أُبرره، لكنني اقول ان سبب ذلك كانت التحديات الكبيرة التي واجهت العراق. يعني عندما تتعرض اي دولة من دول العالم لحرب من المؤكد انها تفرض الاحكام العرفية والممارسة المركزية لادارة شؤون الحياة في ظل حرب. والعراق لم يخرج من الحرب منذ 1980 الى 2003.
• الآن وبعدما أخرجتم من الحكم الى صفوف المعارضة، هل أجريتم مراجعة نقدية لمسيرتكم السياسية عموما، وفي الحكم تحديدا؟
– من دون شك…
• وبماذا خرجتم؟
– قيادة الحزب عقدت بعد الاحتلال سلسلة من الاجتماعات، وتناولت نقد مسيرة الحزب على مستوى حياته الداخلية، وعلى مستوى علاقته بالشعب وعلاقة نظام الحكم بالشعب ومسيرته. في الحقيقة خرجنا بأوراق عمل مهمة جدا واساسية، وعلى اساسها وضع برنامجنا السياسي بعد الاحتلال، والذي يسمى "برنامج التحرير والاستقلال"، على أساس هذه المراجعة.
• ما هي اهم العناصر في أوراق العمل هذه؟
– لقد قلنا إن سياسة الحزب الواحد قد انتهت، وسياسة الحزب القائد قد انتهت. والحكم الفردي قد انتهى. ونحن الآن نؤمن بنظام وطني ديموقراطي تعددي يستند الى صناديق الاقتراع، وما يقرره الشعب بعد رحيل المحتل هو ما يجب ان يسود، وهو ما يجب ان يتمسك به الجميع، يعني الآن نحن نؤمن بمبدأ الشراكة مع الآخرين من القوى الوطنية الاخرى وخصوصا الرافضة للاحتلال.
• الا تعتقد ان هذه "الصحوة" أتت متأخرة؟
– هي ليست صحوة، بل موجودة في أدبيات الحزب.
• ما الذي شكل عائقا للعمل وفق هذه الادبيات الحزبية، إبان تسلمكم الحكم مدى نحو 35 عاما؟
– العائق هو التحديات الكبيرة التي واجهت العراق في حينه. ففي عام 1991 بعد العدوان الاميركي الثلاثيني على العراق، عقدت القيادة سلسلة من الجلسات لمناقشة التغيير الديموقراطي في العراق، واعداد قانون للاحزاب وقانون للانتخابات ودستور دائم للبلاد… (قاطعته)
• وبعد ذلك بقي الحكم في أيديكم 13 عاما، لماذا لم تطبقوها؟
– نعم… ولكن مباشرة اثناء هذه العملية حدثت محاولة كبيرة لقلب نظام الحكم، قادتها مجموعة من الجواسيس.
• وبعد اخمادها؟
– استمرت هذه المحاولات.
• استمرت 13 عاما؟
– نعم 13 عاما من الحصار والعدوان اليومي المستمر على العراق. أتعلمون أنه لم يمر يوم من عام 1991 وحتى 2003 إلا والطيران الاميركي في السماء العراقية يقصف المباني، والجيش والمؤسسات الامنية والاقتصادية ويحرق حتى المزارع، من خلال رميه المشاعل على المزروعات بهدف إحراقها؟
الدور المستقبلي
• ماذا تتوخون من نضالكم اليوم؟
– تحرير العراق.
• وبعد ذلك؟
– اقامة نظام وطني، ديموقراطي، تعددي، يساهم فيه جميع من اشترك في التحرير.
• في حال عودتكم الى العراق كفصيل سياسي من مكونات الحكم الذي تنشدونه، ما الذي يضمن انكم لن تعيدوا الكرّة وتلغون الجميع وتحكمون العراق بمفردكم؟
– قلت لك إن برنامجنا ومشروعنا الآن أصبحا واضحين. اننا نؤمن بالتعددية. وهذه باتت وثيقة مقرة ومعلنة امام العالم. وبالتالي ماذا للآخرين علينا غير الجانب الاخلاقي والتزامنا امامهم بموجب وثائق؟ كما ليس لدينا على الآخرين إلا أن يلتزموا أمامنا وبالتالي كلنا نلتزم امام العراق. نحن نعتقد ان البعث ليس حزبا مجردا بل فكر قومي عربي يستند في أساس رسالته الى مبادئ وقيم رسالة الامة، التي اهم عنصر فيها هو عنصر الاسلام وما أفرزه من قيم وأخلاقيات، وبالتالي من هنا يأتي مفهوم الرسالة الخالدة. ونعتقد أننا معين لا ينضب للعراقيين على أساس الفكر وعلى أساس السياسة، يعني ان البعث الآن متجسد في عقول كل العراقيين وأذهانهم، ومتجذر في أعماق المجتمع العراقي، وعلى هذا الاساس أقول ان أي نظام حكم يأتي، حتى وإن لم يكن بصفته الحزبية السياسية، لكنه بالتأكيد هو بمنبعه الفكري بعثي.
• انتم كجزء اساسي من المقاومة العراقية اليوم، كيف تقومون العمليات الانتحارية ضد السكان الابرياء، وما هو موقفكم منها؟
– نحن دائما ندين هذه العمليات في الواقع.
• الا تعتبرونها شكلا من اشكال المقاومة كما ينظر اليها آخرون؟
– ابدا. بل نعتبرها أعلى درجات الارهاب، وهي بمستوى الانتقام من البعث ومن العراقيين ومن المقاومة، لأن هذه العملية تتم برعاية الاحتلال وبتنفيذ من احزاب مرتبطة بالمحتل، ومن دول لها علاقة بالمحتل ولها مصلحة بوجود الاحتلال.
• اذا خرج الاحتلال الاميركي من العراق في آب المقبل، كما تقول الادارة الاميركية، كيف ستتعاملون مع مكونات الحكم العراقي، هل ستعتبرونهم العدو الجديد وتقاتلونهم؟
– عندما يخرج المحتل من العراق- وهو سيخرج بالتأكيد، ليس رغبة منه ولكن لانه قد تكبد خسائر بشرية ومادية واقتصادية كبيرة – فان استراتيجيتنا ترتكز على ان تطلق عملية توافق وطني كبيرة، ندعو فيها الى اطلاق عفو عام ومصالحة حقيقية بين كل مكونات الشعب وكل عناصره على اساس الاعتراف بحقوق الآخر.
• واذا لم يستجيبوا لدعوتكم هذه ما هي سبل نضالكم آنئذ، بالقوة أم بالنضال السياسي؟
– الرسالة واضحة. بعد خروج المحتل تطلق المصالحة القائمة على أساس الاعتراف بحقوق العراق كاملة كما هي مثبتة في برنامج التحرير والاستقلال. ومن يتمسك بذلك فأهلا وسهلا ليساهم في بناء العراق من خلال عملية سياسية بعد رحيل المحتل والتي تستند إلى صناديق الاقتراع، فان أرادوها بالسياسة والانتخابات فأهلا وسهلا نحن حاضرون.
• ماذا يريد حزب البعث من لبنان؟
– ان عناصر القوة في الأمة ورافعات المشروع القومي العربي الحضاري التقدمي، هي المقاومات في هذه الامة، المقاومة العراقية والمقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، وبالتالي اذا ما اردنا ان نتحدث عن بناء مشروع حضاري للأُمة، فعلينا ان نعمل على توحيد المواقف، او تنسيقها على الاقل، بين هذه المقاومات الثلاث التي هي ركائز هذا المشروع. يعني على صعيد التنسيق السياسي الاعلامي وتبادل المعلومات والامكانات والتخطيط الميداني في كيفية التصدي للعدو… الخ، كما علينا ان نفرز اعداء المقاومة في كل من هذه الساحات، بحيث اقول لفلان انت عدو للمقاومة ولفلان انت مقاوم. على هذا الاساس، نقول ان هناك أعداء للمقاومة من الاحزاب الطائفية الموجودة في العراق كـ"المجلس الاعلى" و"حزب الدعوة" والشلبي وعلاوي وغيرهم وانكم انتم عملاء المحتل، وأتيتم خلف الدبابات ودمرتم العراق. ونحن كمقاومين عراقيين نعتبر هؤلاء جزءا من المشروع.
واذا كان المطلوب منا ايضا ان نعزل اعداء المقاومة في لبنان وفي فلسطين، ونقول لهم انتم اعداء لمقاومة شعب لبنان، ومقاومة شعب فلسطين، ونحن كمقاومين عراقيين لا نتعاطف مع اعداء المقاومة في لبنان وفي فلسطين، فان المطلوب ان يتم ذلك بالتبادل بيننا جميعا، بحيث يجب على كل منا ان لا يعترف باعداء المقاومة في البلد الآخر. يعني عندما اكون لا اتوافق ولا اتعاطف وانا ضد كل من يقف ضد المقاومة في لبنان فعلى المقاومة في لبنان، ان تقف ضد من يقف ضد مشروع المقاومة في العراق.
• هل ترى ان قادة المقاومة في لبنان يشاطرونكم هذا الرأي، وهل ثمة تنسيق بينكم كمقاومة عراقية ومقاومة لبنانية او فلسطينية في هذا الاطار او غيره من أُطر التعاطي السياسي؟
– اعتقد لا يوجد تنسيق بمعنى التنسيق، انما هناك بعض اللقاءات الطارئة.
• ألا تسعون الى مثل هذه اللقاءات إذاً؟
– بل ندعو الى عقد لقاءات في ما بيننا، ونحن الآن مستعدون لحوارات مع اخواننا في المقاومة اللبنانية والفلسطينية، لكي نضع تصوراتنا، ذلك اننا لا ننظر الى "حزب الله" الا على انه حزب عربي قومي اسلامي، ولا ننظر الى "حماس"، او الى المقاومة الفلسطينية بشكل عام والى قوى المقاومة اللبنانية عموما الا على انها مقاومة عربية قومية اسلامية ايضا. ونحن نؤمن في العراق بأننا مقاومة وطنية قومية اسلامية. اما الدعم من هذا الطرف او ذاك لهذه المقاومة او تلك، فليس في ذلك اي مشكلة، خصوصا إذا كان مبنيا على أساس الصدق وعلى أساس إسقاط المشروع الصهيوني – الاميركي في العراق والمنطقة. اما اذا كان على اساس الكسب الرخيص لتحقيق موطئ قدم ونفوذ على حساب أقطار عربية شقيقة فهذا مرفوض من قبلنا.
• من الملاحظ أنكم تملكون مؤسسات إعلامية في لبنان، وربما مقرات للحزب. من يغطي وجودكم في لبنان على المستوى السياسي؟
– بصراحة، نحن لدينا شركة انتاج تلفزيوني في لبنان تنتج وتبيع انتاجها الى شركة أخرى لبنانية، ومن خلال هذه الشركة يتم تسويق الانتاج. اما البث الرئيسي لتلفزيوننا فهو من بناما وليس من لبنان.
• أليس لكم مقرات أخرى في لبنان غير شركة الانتاج هذه؟
– لا، ابدا.
• من يحمي وجودكم السياسي؟ بمعنى آخر مع من تنسقون؟
– بصراحة، لدينا شبكة علاقات واسعة مع الكثير من القوى الوطنية اللبنانية. ومعظمهم اخواننا ورفاقنا. على سبيل المثال تربطنا علاقات مع الكثير من رؤساء الاحزاب اللبنانية، مثل "حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي" و"الحزب الشيوعي" و"حركة الشعب"و"اللجان والروابط الشعبية اللبنانية". تربطنا ايضا بـ"حزب الله" مودة وعلاقات طيبة، ودائما نلتقي في المؤتمرات مع اعضاء من المكتب السياسي في الحزب، ولدينا بعض العلاقات التاريخية المعروفة مع الجنرال ميشال عون واطراف آخرين.
الخميس 12 رجب 1431 / 24 حزيران 2010