جميل المحاري
رغم جميع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بتدني مستوى معيشة المواطن البحريني يوماً بعد آخر، إلا أن التوجه الرسمي يسير بعكس الاتجاه المؤدّي لتنمية بشرية حقيقية تجعل من المواطن البحريني في صلب اهتمامها وغاياتها.
في الغالب فإن المؤشرات الاقتصادية هي ما توضح الصورة الحقيقية لمستوى المعيشة، فالأرقام لا تكذب ولا تتحيز لطرف ضد طرف آخر بناءً على توجّه سياسي أو معتقد مذهبي.
مؤخراً كشف الباحث الإقتصادي أكبر جعفري «أن أكثر من 51 في المئة من الشعب البحريني يعيش تحت مستوى خط الفقر»، وقال بالحرف الواحد إن «الوضع الاقتصادي في البحرين صعب، وأن 51 في المئة من البحرينيين رواتبهم بين 200 و400 دينار، نحن عملنا دراسة ووجدنا أن كل فرد بحريني يحتاج إلى 188 ديناراً شهرياً لتسيير أموره الحياتية، إذ يجب أن يحصل رب الأسرة في البحرين على راتب لا يقل عن 800 دينار إذا كانت لديه أسرة بسيطة، لكي يلبّي احتياجاته الرئيسية»، ويستخلص أكبري في النتيجة «إننا فشلنا في وضع المواطن في وضع أفضل».
من جانب آخر، كشفت إحصائيات سوق العمل في البحرين أن أغلب الوظائف التي تُخلق، تذهب للأجانب وخصوصاً الوظائف ذات القيمة المضافة أو ذات الرواتب العالية. وحسب إحصائيات الربع الأول من العام 2015 فإن القطاع الخاص أوجد 300 وظيفة يفوق راتبها الـ 1500 دينار، كان نصيب البحرينيين منها 4 وظائف فقط، في حين ذهبت 296 وظيفةً للأجانب.
ومع هذه المؤشرات التي تستدعي بالضرورة العمل على تصحيح الوضع المعكوس، تأتي وزارة العمل لتزيد الطين بلة، باستحداثها نظاماً يعفي أصحاب العمل من توظيف البحرينيين ضمن نسبةٍ محدّدةٍ في كل قطاع، أو كما كان يسمّى «نسبة البحرنة»، مقابل دفع رسوم في حدود الـ300 دينار عن كل عامل أجنبي، ما يعني أنه أصبح بإمكان القطاع الخاص في الوقت الراهن الاستغناء تماماً عن العمالة البحرينية مقابل دفع رسوم إضافية.
من الواضح أن هدف الوزارة من هذا القانون ليس زيادة التنافسية للقطاع الخاص البحريني، أو زيادة المرونة في التوظيف أو حتى القضاء على ظاهرة العمالة البحرينية الوهمية، وإنما فرض ضرائب إضافية على أصحاب الأعمال، لتساهم هذه الضرائب بصورة أو بأخرى في تقليص العجز في الميزانية، باعتبارها مورداً إضافياً، وذلك ما تحفّظت عليه غرفة تجارة وصناعة البحرين، وأصدرت بياناً قالت فيه إن هذا القرار ليس قانونياً لأنه لم يستشر أصحاب الشأن قبل إقراره.
وبالطبع فإن الخاسر الأكبر من هذا القرار هو المواطن البحريني الذي سُحبت منه هذه الحماية البسيطة المتمثلة في حقّه بنسبةٍ بسيطةٍ من مجمل الوظائف المعروضة في سوق العمل البحريني.
في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي نمرّ بها نتيجة انخفاض أسعار النفط، كان من المتوقع أن تتجه الجهات الرسمية نحو تعزيز دور المواطن في الدفع بعجلة الاقتصاد، والإعتماد على المواطن البحريني والعمل على رفع مستواه المعيشي لا أن تجعل منه الضحية أو كبش الفداء.