قاسم حسين
من الصعب أن تكتشف وجود تيار عنصري فاشستي، بات يتغلغل في بعض تلافيف الذاكرة المبتلاة بداء الكراهية القاتلة.
المشروع ليس جديداً ولم يكن رد فعل على حراك فبراير 2011، لكي نضع الأمور في سياقها التاريخي الصحيح. فهناك نزعة عنصرية قائمة على تشطير المجتمع وشرذمته، وإقصاء الجماعات غير المرضي عنها، وزرع الكراهية بوسائل إعلام رديئة في تربةٍ اجتماعية باتت تتقبلها خلال السنوات الماضية.
قبل شهرين، فوجئنا بحملة استعداء عنصرية ضد لاعب كرة قدم بحريني، تعاقد معه أحد الأندية، فتحركت بعض القوى الانعزالية للتهييج ضده لمنع التعاقد معه. وقد تصدّى رئيس النادي لهذا التيار الانعزالي بموقفٍ وطني مسئول، وضع النقاط على الحروف، وحسم القضية التزاماً بمبدأ عدم الخلط بين السياسة والرياضة.
هذا الأسبوع، فوجئنا مرةً أخرى، بتسويق دعوة أطلقها خطيب جمعة في المنطقة نفسها، لتوقيع عريضة، ولكن هذه المرّة من أجل المطالبة بطرد مواطنٍ بحريني من عمله بأحد المراكز الصحية، ليس لخطأ ارتكبه، أو ذنبٍ اقترفه، أو تقصيرٍ في عمله، وإنّما لمجرد انتمائه إلى طائفة أخرى!
عريضة غريبة، تقوم على أساس عقليةٍ مريضة، تعتبر أي شخص منتمٍ لطائفة أخرى مشبوهاً وخائناً، ومن الطبيعي أن تنتهي هذه النظرية العنصرية بتشويه صورة الآخر، واستباحة ماله ودمه وعرضه، وشتمه بصورة يوميةً في الصحف، وفي خطب الجمعة كل أسبوع!
حين يتم الترويج لمثل هذه العريضة الفاسدة، وتقديم الذرائع السخيفة لتمريرها بين العامة، من حسابات وهمية، فأنت تواجه أشباحاً. أما إذا تصدّى لترويجها مسئولٌ في معهد رسمي تابع للدولة، فتلك جريمةٌ مكتملة الأركان، لأنه يشارك في الجرم عن سابق وعي وتعمد. فالقول بطرد مواطن من وظيفته الحكومية لمجرد الشكّ بأنه «ممن لا يؤمن شره»، خروج عن نواميس الكون والأخلاق، وقوانين الأرض وشرائع السماء.
لا يمكن أن نفصل عما يكتبه أحدهم في حسابه على «تويتر» وعمّا يؤمن به أو يطبّقه في موقعه، إلا أن يكون قرداً مصاباً بانفصال في الشخصية. الكاتب البلغاري نيكولاي خايتوف كان يقول: «إن الدنيا أقصر من أن تسمح لنا بأن نكون قروداً». ومحاولة الفصل بين المنصب الرسمي وما تعبر عنه من مواقف شخصية، إنّما هي طريقةٌ جبانةٌ للهروب من المساءلة القانونية والاجتماعية. إنّها جبنٌ ونقصٌ في الشجاعة، هذه هي المسألة باختصار.
إن التهليل لهذه الدعوة العنصرية بطرد أبناء طائفة كاملة، على طريقة طغاة القرون الوسطى: «خذوهم بالظنة واقتلوهم بالتهمة»، إنّما هو عارٌ يلحق بصاحبه، ولن يغسله الحصول على ألف جائزةٍ للإعلام الاجتماعي، كما يتباهى في حسابه على «تويتر». فالدعوة لطرد المواطنين من أعمالهم لمجرد شهوة الثأر والانتقام، تدل على انعدام المسئولية الاجتماعية وحالةٍ من التصحر في المشاعر الوطنية والإنسانية معاً.
النزعة الانعزالية تبدأ بمنع لاعب فممرّض، وإن لم يرفضها المجتمع ستمتد، كالداء الوبيل، إلى الأطباء والمهندسين والموظفين والصحافيين وسائقي سيارات الأجرة وعمال الكهرباء… ولن تتوقف إلا مع تقويض كل دعائم الدولة، من مؤسسات وقوانين، لتسود شريعة الغاب والمجانين.
تعلّموا من تجارب الشعوب الأخرى، وما فعلته بهم العنصرية، من عصابات «كوكلوكس كلان» في الولايات المتحدة، إلى «البوير» في جنوب أفريقيا أيام الفصل العنصري «الأبارتهايد»، فالذكي من يستفيد من تجارب غيره قبل أن يضرب به المثل في العنصرية والحماقة والغباء.