نحو قطب جديد.. في عالم متعدد الأقطاب
بقلم :معن بشور
|
|
أخبار الخليج : العدد 11957 – السبت 18 ديسمبر 2010 الموافق 12 محرم 1432
بين السادس من نوفمبر والسادس من ديسمبر انعقدت في بيروت والخرطوم والجزائر اجتماعات عربية دولية ثلاثة بمبادرة من مركز محدود الإمكانات والوسائل (المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن) وبتجاوب كبير من شرفاء الأمة وأحرار العالم.
فاجتماع بيروت (6/11/2010) ضم أكثر من 100 قانوني عربي وأوروبي وأمريكي وكان مخصصاً للبحث في آليات ملاحقة مجرمي الحرب الأمريكية في العراق والمنطقة، ولاسيما في ضوء الوثائق السرية للبنتاجون التي كشف عنها موقع ويكيليكس الذائع الصيت، كما في التحضير لمؤتمر عالمي للغاية نفسها في الربيع القادم. واجتماع الخرطوم (27 و28/11/2010) شارك فيه أكثر من 500 من الخبراء والسياسيين والنقابيين والشباب العرب والأفارقة في مؤتمر التضامن العربي – الافريقي من اجل إطلاق آلية تواصل وتضامن بين العرب وعمقهم الاستراتيجي الجنوبي المتمثل في القارة السمراء كخطوة نحو مؤتمرات مماثلة بين العرب والأمم الأخرى أما اجتماع الجزائر (5-6/12/2010) فقد كان ملتقى عربيا عالميا لنصرة الأسرى في سجون الاحتلال وحضره أكثر من 1200 شخصية عربية وعالمية بينهم العشرات من أسرى الاحتلالين الصهيوني والأمريكي، وكان أول ملتقى من نوعه لدعم قضية الأسرى المهملة عربيا وعالميا، كما هي ممن يفترض بهم ان يجعلوها في رأس اهتماماتهم كما يفعل أركان النظام العنصري الصهيوني مع الجندي الأسير جلعاد شاليط أو الطيار المفقود رون أراد. وملتقى الجزائر، وهو السادس من ملتقيات مماثلة فتح الأبواب أمام ملتقى دولي وفي الذكرى العاشرة لملتقى دوربان الشهير الذي اغتالت نتائجه أحداث 11/9/2001 الشهيرة، لمناهضة العنصرية نأمل أن ينعقد في دوربان في جنوب افريقيا خلال الخريف القادم. فهل نجاح الاجتماعات الثلاثة هو مجرد تعبير عن علو همة المبادرين والمنظمين وسلامة رؤيتهم، أم أن الأمر أبعد من ذلك بكثير، باعتباره تعبيراً عن طاقات كبرى كامنة في الأمة وبين أحرار الأمة تبحث لها عن أقنية تتواصل من خلالها، وعن آليات تضامن تدافع بواسطتها عن القضايا العادلة، وعن مبادرات تجمع جهودها، وتعبئ قدراتها، وتقيم فيما بينها جسورا فيما تقيم متاريس وسدوداً في وجه هيمنة استعمارية طاغية، وعنصرية صهيونية يكتشف العالم كل يوم جانباً من جوانب حقيقتها النازية والاحتلالية والإرهابية معاً؟طبعاً هذه المبادرات، ليست الوحيدة من نوعها في عالم يضج بالمواقف والعرائض والمسيرات والقوافل والأساطيل المدججة بآيات التضامن والنصرة لقضايانا، وبالتأكيد هي ليست الأهم، ولكنها رسائل مهمة في اتجاه صحيح كما أنها استكمال المسيرة بدأت قبل ثلاث سنوات في اسطنبول حول القدس ووصلت إلى الجزائر مروراً بدمشق وبيروت، وهي تتميز بسمات بالغة الأهمية: أولى هذه السمات أنها تجتمع حول قضايا محددة بعينها، كالقدس وحق العودة والجولان ووحدة السودان ودعم المقاومة ونصرة الأسرى، من دون إغفال الترابط العميق، تاريخيا وأخلاقيا واستراتيجيا بين هذه القضايا كلها، وبينها وبين القضية الأم، ولكن من دون أن يعطي هذا الترابط خصوصية كل قضية ويحرمها من حقها في أن تجرى دراستها ومناقشتها من كل جوانبها، وفي تزويد المهتمين بها بمادة إعلامية وقانونية وثقافية وسياسية غنية يحملونها إلى كل المنابر والمحافل الدولية. فلا الجزء هنا يحرمنا من رؤية شاملة للكل، ولا الكل يحول دون التعمّق في تفاصيل الجزء. وثانية هذه السمات أنها اجتماعات جامعة لمشاركين من التيارات والحضارات والديانات والقارات كافة، مقترحة بذلك على حاضر الأمة والعالم، وعلى مستقبلهما معاً، مشروعاً للتواصل والحوار والتلاقي وتوحيد الجهود وتكامل المهام، وهو مشروع معاكس تماماً للمشروع المقترح علينا من قوى الهيمنة الذي هو وصفة دائمة للتناحر والتنابذ والفرقة والتشرذم والتفتيت والتقسيم. ثالثة هذه السمات ان مثل هذا المناخ الحواري والتواصلي التضامني الشامل يؤسس لثقافة التفاعل والتراحم والتكامل بين الشعوب والأمم والديانات والحضارات وهي ثقافة مناقضة لثقافة التصادم والإلغاء والإقصاء والاجتثاث، خصوصاً أنها ثقافة تولد في ميادين الحياة نفسها، وعبر التفاعل المباشر بين الناس، وليس فقط في الكتب والأبحاث والدراسات. كما أن مثل هذه الثقافة تطلق خطاباً مستنيراً جامعاً لا خطاباً مستفزاً مغالياً متزمتاً يعيد باستمرار إنتاج ثقافة الحروب الداخلية منها والخارجية. رابعة هذه السمات، وربما أهمها، ان مثل هذه الحركة الإقليمية العالمية تأتي في وقت يتحول فيه النظام الدولي من نظام احادي القطبية إلى نظام متعدد الأقطاب على الصعيدين الدولي والإقليمي، مما يتيح المجال لقيام قطب شعبي إقليمي وعالمي خارج الأنظمة الرسمية في المنطقة والعالم، قطب تحركه المبادئ العليا لا المصالح العابرة، ويحتكم إلى قيم العدالة والحرية والكرامة ولا تتحكم فيه اعتبارات تقاسم النفوذ وتوزيع المغانم بين الدول الكبرى. إن مهمة هذا القطب الشعبي الإقليمي والدولي وما ينشأ في جواره من رأي عام عربي ودولي هي مهمة مزدوجة، فهي من جهة تدعم روح الصمود والمقاومة والممانعة حيثما توجد في المواقع الشعبية والرسمية، العربية والإقليمية والدولية، وهي من جهة ثانية تواجه قوى الهيمنة والاستعمار والتخاذل المحلي بكل أشكالها، فلا يجد المقاوم أو الممانع نفسه وحيداً أمام الضغوط والإملاءات، ولا تجد قوى الهيمنة نفسها تتحرك وحدها في الساحتين الإقليمية والدولية من دون حسيب أو رقيب أو رادع .قد تكون الرحلة طويلة.. لكن كل الرحلات تبدأ بخطوات، وكما قال يوما فلاديمير لينين، وعشية الثورة البلشفية: "قد تمر عقود لا يقع فيها شيء، ولكن قد تأتي أسابيع تقع فيها عقود".
|