تقف البلاد أمام منعطف تاريخي، حيث تواجه تحديات، سياسية واقتصادية واجتماعية، والقلق يساور الأردنيين من مستقبل قاتم، إن لم يجر تدارك الموقف مبكرا، فالأزمة السياسية عميقة، عنوانها الرئيس التراجع عن مشروع الإصلاح الوطني، وإغلاق ملفات الفساد، وترحيل الأزمات من حكومة الى أخرى، بعد تداول اربع حكومات منذ بدء الحراك الشعبي، وفشل هذه الحكومات في مواجهة استحقاقات المرحلة، ومواجهة الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية، وتحميل أصحاب الدخول المتدنية والمتوسطة أعباء الأزمة، باتخاذ حزمة إجراءات تقشفية، بفرض ضريبة مبيعات على سلع ومواد غذائية معفاة، ورفع أسعار بعض المواد الأساسية وفي مقدمتها المحروقات والكهرباء، وأثر هذه الإجراءات على المواطنين بصورة عامة، وعلى القطاعات الصناعية والخدمية بصورة خاصة.
حيث تعاني البلاد من أزمة مالية واقتصادية حادة، تتجلى مظاهرها بتراجع معدلات النمو الاقتصادي، وللعام الرابع على التوالي، فمن المتوقع ان لا يتجاوز معدل النمو الاقتصادي في هذا العام 2.3%، اي بنسبة متساوية مع معدلات النمو السكاني، الامر الذي يفقد هذا النمو، وعلى تواضعه اي مردود تنموي اجتماعي، خاصة في ظل اتساع الفجوة بين الفئات الاجتماعية، نتيجة التوزيع غير العادل للثروة، وارتفاع معدلات التضخم التي تقدر بحوالي 6%. أما العجز المتنامي في ميزان المدفوعات، وتراجع تحويلات المغتربين، أدى إلى زيادة العجز في الحساب الجاري الذي وصل الى حوالي 2 مليار دينار في نهاية عام 2011، وأسهم بتراجع احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية. مما يهدد استقرار سعر صرف الدينار ان لم يوقف نزيف احتياطيات البلاد. واما الإجراءات الاحترازية التي اقدم عليها البنك المركزي برفع سعر الفائدة لتحسين مكانة الدينار لا تجدي نفعا، فالأمر يتطلب حزمة متكاملة من الاجراءات في السياسات المالية والنقدية والاقتصادية.
كما تشهد البلاد عجزا غير مسبوق بالموازنة العامة للدولة. ومديونية متفاقمة قدرت بحوالي 14,4 مليار دينار، تجاوزت قانون الدين العام وصلت نسبتها اكثر من 70% من الناتج المحلي الإجمالي، وللمديونية كلفة سياسية ومادية باهظة، فالمديونية الداخلية نافست القطاع الخاص وامتصت السيولة من السوق المحلي، واسهمت بارتفاع الفائدة، مما شكل عائقا امام الخروج من حالة الركود الاقتصادي، عدا عن كلفتها المادية المرتفعة على الخزينة، اما المديونية الخارجية فهي تشكل مساسا بالسيادة الوطنية، حيث فتحت المجال امام تدخلات صندوق النقد الدولي بفرض املاءاته، التي لخصها بالمطالبة بتخفيض النفقات، وإلغاء الدعم على الكهرباء والمشتقات النفطية، بالإضافة إلى تخفيض النفقات العسكرية، وذلك من خلال بعثته التي زارت البلاد خلال الشهر الماضي. كما أصبحت خدمات المديونية تشكل عبئا ثقيلا على الموازنة العامة للدولة، وبدلا من ان تكون احدى وسائل الخروج من الازمة اصبحت من اهم اسبابها.
لا شك إن تداعيات الازمة المالية والاقتصادية تركت اثارها على الاقتصاد الوطني، وان هناك مجموعة من العوامل والظروف أسهمت بتعميق الازمة، منها ارتفاع اسعار المشتقات النفطية، وارتفاع تكلفة الطاقة نتيجة انقطاع الغاز المسال أكثر من مرة خلال المرحلة الماضية، إلا أن سوء إدارة موارد الدولة، وهدر المال العام، وتفشي ظاهرة الفساد، واستغلال الفاسدين لمواقعهم الحكومية لنهب واستنزاف أموال الدولة، إضافة إلى التنازل غير المبرر اقتصاديا عن مؤسسات الدولة لصالح رأس المال الأجنبي" التخاصية ". كل ذلك شكل اساسا موضوعيا لتردي الاوضاع الاقتصادية بشكل خطير. ان الازمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد في هذه المرحلة ما هي الا ثمرة السياسات التي نفذتها الحكومات المتعاقبة وخاصة خلال العقد الأخير، في ظل غياب الشفافية والديمقراطية الحقيقية، حيث راكمت فئات اجتماعية ثروات هائلة لم تتعرض للمساءلة او المحاسبة.
إن الأزمة الاقتصادية وصلت الى حالة لا يمكن تجاهلها، تقتضي اجراء معالجة جذرية غير مجتزأة لموضوع العجز المالي، تنطلق اساسا من تحقيق إصلاحات سياسية، وسد منابع الفساد، ومعاقبة الفاسدين واسترداد أموال الشعب، وضمان تحقيق الحماية الاجتماعية للمواطنين. وتضييق الفجوة الاجتماعية. وإخضاع كافة نفقات الدولة للرقابة والمحاسبة، وتحقيق الشفافية لكافة القرارات الإدارية والمالية، فهذه المواضيع مترابطة. واي حل مجتزأ لموضوع الدعم بدون البحث المتوازي للقضايا المشار اليها يعتبر اجراء متحيزا ضد الفئات الشعبية. خاصة وان الفئات المتضررة من الاجراءات الحكومية لا ذنب لها بجذور واسباب الازمة، وتقع المسؤولية الاولى على الحكومات المتعاقبة، بسبب سوء ادارتها لموارد الدولة اولا، ومسؤليتها في استفحال جرائم الفساد ثانيا.
لذا فأننا نحذر الحكومة من اتخاذ إجراءات انكماشية تسهم بتوسيع دائرة الفقر وزيادة معدلات البطالة، كما تسهم باستمرار حالة الركود الاقتصادي، بسبب تآكل الاجور الفعلية وتراجع قيمتها الشرائية. وما اتساع ظاهرة العنف المجتمعي إلا تأكيدا على عمق الأزمة. وفشل السياسات الرسمية في احتوائها وتغول الأجهزة الأمنية في الحياة السياسية، والاختفاء وراء العشائرية والجهوية لإجهاض الحراك الشعبي، والتي تؤدي الى تفتيت البنيان الاجتماعي.
وبناء عليه فأننا نتقدم بالمقترحات التالية لمواجهة الظروف الاستثنائية:
1- إعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة وصياغتها على أسس جديدة بما يحقق زيادة نصيب قطاعات الصحة والتعليم والعمل، وخفض النفقات العسكرية، ووضع معايير ثابتة للإنفاق لمختلف قطاعات الدولة استنادا للأعراف والمعايير الدولية.
2- ضبط وترشيد نفقات الدولة وربط معدلات نمو النفقات الجارية بمعدل نمو الإيرادات المحلية. علما ان معدل نمو الإيرادات المحلية لعام 2011 إعادة تقدير بلغت حوالي 3% ، أما النفقات العامة فقد نمت بنسبة 20%، وعلى ان تغطي الإيرادات المحلية النفقات الجارية.
3- توجيه معظم النفقات الرأسمالية نحو المشاريع التنموية في القطاعات الأساسية كالصناعة والزراعة والسياحة، والمياه والطاقة والمواصلات، بوضع خطة استثمارية يتم تطبيقها بمشاركة القطاع الخاص، بإقامة مشاريع إستراتيجية مولدة للدخل، والاستفادة من الثروات الوطنية لاستثمار الخامات المتنوعة والمتعددة في البلاد، والإسراع في تنفيذ مشاريع – الصخر الزيتي والطاقة المتجددة- وإيجاد حلول جذرية لتوريد الغاز المسال، والاستفادة من قرار دول مجلس التعاون الخليجي بتخصيص 2.5 مليار دولار خلال خمس سنوات للاستثمار في البلاد.
4- تشجيع القطاع الزراعي بفرعيه النباتي والحيواني، بإقامة السدود وتطوير عمل هذا القطاع الحيوي لتوفير الأمن الغذائي، وتحسين أوضاع المزارعين.
5 – توجيه السياسة النقدية لتحفيز الاستثمار وتحقيق النمو الاقتصادي، بتخفيض الهامش بين الفائدة المدينة والدائنة، حيث اتسع في السنوات الأخيرة وخاصة في ظل التحرير المطلق لأسواق المال، فقد وصل هامش الفائدة لمستويات عالية جدا قدرت بحوالي 5.5% ، مما شكل عبئا ثقيلا على الاقتصاد الوطني والنمو الاقتصادي، ومن المفيد تحرير جزء من الاحتياطي النقدي لتمويل مشاريع متوسطة وصغيرة الحجم في المحافظات، بمعدلات فائدة مدروسة ومحفزة للاستثمار.
6- إلغاء القانون المؤقت لضريبة الدخل رقم (29) لسنة 2009 الذي أدى الى تخفيض مساهمات القطاع المصرفي وكبار التجار، وإصدار قانون جديد يضمن تحقيق إصلاح ضريبي يعتمد مبدأ الضريبة التصاعدية، ويكفل زيادة إيرادات الخزينة، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
7- زيادة إيرادات الخزينة من عائدات التعدين، والتي تقدر حاليا ب 61 مليون دينار، بفرض رسم مناسب على التعدين وبنسبة مئوية.
8- دمج الوحدات الحكومية بالوزارات وإلغاء الامتيازات غير المبررة الممنوحة لكبار الموظفين، ووقف التعيينات بعقود " للمستشارين والخبراء" برواتب خيالية. ووضع ضوابط ونظم لهذه المؤسسات الحكومية، وإخضاع التعيينات فيها لقانون الخدمة المدنية.
9- – فرض ضريبة على أرباح المتعاملين في البورصة، أسوة بالمستثمرين في القطاعات الأخرى في البلاد، حيث يمكن توفيرآلية مناسبة لتحديد صافي الربح والخسارة للمتعاملين من خلال المؤسسات المعنية بما في ذلك هيئة الاوراق المالية في نهاية كل عام. خاصة وان هذه الارباح تتحقق من خلال المضاربات.
10- تعزيز وتطوير أجهزة الرقابة لسد منابع الفساد المالي والإداري، ووقف استملاك الأراضي وإنشاء الأبنية غير الضرورية وشراء الأثاث والسيارات الفارهة.
11- إصدار التشريعات اللازمة لإقامة مراكز تدريب في المصانع التي يزيد عدد عمالها عن( 200 ) عامل لاعداد وتأهيل العمالة الاردنية، بهدف تطبيق سياسة احلالية للعمالة المحلية مكان العمالة الوافدة، بالتعاون مع بيوت الخبرة من الجمعية العلمية الملكية والجامعات المختصة.
12- توفير آلية مناسبة لضبط الأسعار في السوق، والحد من جشع التجار، بايجاد مؤسسة متخصصة لضبط الأسعار وتوفير السلع الإستراتيجية لمنع الاحتكار في السوق المحلي، واتخاذ الإجراءات الفعلية لتطوير الأسواق الموازية ورفع كافة أشكال الضرائب والرسوم الجمركية عن هذه الأسواق لتوفير احتياجات المواطنين بأسعار مناسبة.