منصور الجمري
معنى رصانة أي مجتمع تبرز في الأزمات والملمَّات، وكذلك حكمة السلطة في هذا المجتمع أو ذاك تبرز في الأزمات والمخاضات. وعند مراجعة تاريخ الأمم ستجد أن النجاح والفشل تحددهما الخيارات التي يتم انتهاجها للخروج من الأزمات والنزاعات التي لابد أن تصاحب مسيرة الحياة.
ولو راجعنا الخيار المتبع حالياً لمعالجة أزمة البحرين السياسية فإنه يتمثل على أرض الواقع في القمع والتشطير والترقيع، وهذه الاستراتيجية الثلاثية تغلبت على المساعي الحكيمة الأخرى. فمن جانب عوَّلت جهات رسمية على إمكانية إخماد الأوضاع عبر «القمع» بشتى صنوفه، وهذا القمع شمل ممارسات سجلت جانباً منها لجنة تقصي الحقائق، وهي لجنة أنشئت بقرار حكيم، ولم تشكل نتيجة لمؤامرة على البحرين، كما يود البعض ترديده للهروب من المسئولية. ولكن هذا القمع نتيجته منهكة لمن يقوم به قبل أن ينهك ضحاياه، وكلفته عالية جداً على السمعة والاقتصاد، وفي نهاية الأمر فإنه لا يحقق أمناً أو استقراراً كما يروِّج لذلك دعاة القبضة الأمنية الحديد.
الجزء الثاني من الاستراتيجية الحالية هو «التشطير»، ويأتي مصاحباً للقمع، وذلك من خلال تقسيم المجتمع طائفياً والسعي الحثيث لتغيير الديمغرافية السكانية، واعتماد سياسات تمزق النسيج المجتمعي. والهدف المرجو من تشطير المجتمع هو تركيع فئة في مقابل كسب فئة أخرى من خلال توزيع منافع ومغانم. هذه السياسة كلفتها عالية جداً، وما يتم صرفه أكثر بكثير مما لو كانت العدالة هي سيدة الموقف. وفي النتيجة فإن المجتمع المشطر لا يوفر أمناً لأي جهة كانت، بل إنه وحتى من يستفيد مؤقتاً من بعض المزايا سرعان ما سيجد أن المعادلات تنقلب ضده، لأن الحياة لا يمكن تسييرها بحسب اعوجاج غير إنساني.
الجزء الثالث من الاستراتيجية هو «الترقيع»، وهذا يأتي كمحاولة لسد الثغرات الناتجة عن فشل القمع والتشطير في تحقيق الأهداف المرجوة، ويتمثل الترقيع في اعتماد إجراءات هنا وهناك للإيحاء بأن شيئاً ما يتم تنفيذه لتصحيح بعض الأمور، ويصاحب ذلك حملة علاقات عامة مكلفة جداً، ولكن هذا الترقيع ينتهي أثره بسرعة، لأن واقع الحال يتطلب شيئاً مختلفاً عن الترقيع.
إن المخرج مما نمر فيه لن يكون عبر ثلاثية القمع والتشطير والترقيع، وإنما عبر اتخاذ إجراءات تصحيحية في الجانب الحقوقي بحسب توصيات لجنة تقصي الحقائق وتوصيات جنيف، وأن يصاحب ذلك إصلاح سياسي يعتمد المعايير الدولية لمفاهيم الإصلاح والديمقراطية، وأن يكلل الحل بمصالحة وطنية شاملة. بمعنى آخر، فإن هناك ثلاثية أخرى تخرجنا من الأزمة وهي تتمثل بتصحيح الوضع الحقوقي، وتنفيذ إصلاحات سياسية، وتحقيق مصالحة وطنية.