منصور الجمري
الأحداث المتوالية تعكس عمق المشاكل التي نمرُّ بها، وتأتي التصريحات من الداخل والخارج لتزيد التعقيدات. وفي الوقت الذي نرفض التصريحات الإيرانية التي تمس السيادة البحرينية، فإننا بحاجة إلى رؤية جامعة لكل الوطن، تخرجنا من الأزمة التي بدأت تطول وتتعرَّج في مسارات لا تؤدّي بنا إلى نتيجة حسنة.
إننا بحاجة إلى رؤية تجمع الناس ولا تفرقهم، وبحاجة إلى طرح يفهم الواقع كما هو، وليس كما يروّج له البعض، وبحاجة إلى نهج يحتضن كل فئات الوطن، ويعتبرهم مواطنين متساوين أمام القانون، ويفتح الفرصة أمام المعتدلين للأخذ بزمام الأمور نحو رأب الصدع وإعادة المياه إلى مجاريها.
قبل نحو ستة أشهر كانت لدينا خريطة طريق تتمثل بداياتها بتنفيذ توصيات لجنة تقصّي الحقائق، ولكن تلك الفرصة لم تُغتنَم بالشكل الصحيح، ونرى الآن توسيعاً لمجالات الخلاف، جنباً إلى جنب مع زيادة في جرعات التأزيم، وهروب إلى الأمام، والاستمرار في حالة إنكار لواقع الحال.
في الفترة الأخيرة نرى أن الجهات التي خرجت إلى الصدارة في الشأن العام تنظر إلى ما نحن فيه من زاوية حادة وضيقة؛ ما يعني أن التحدي يزداد، والخروج ممّا نحن فيه لم يعد سهلاً. بعد صدور تقرير بسيوني في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، كان الكثيرون يتوقعون بأنّ الجهود ستتوجّه نحو كسب قلوب وعقول المواطنين كجزء من استراتيجية حكيمة تنتج عنها مصالحة وطنية وحوار ذي مغزى وعدالة انتقالية.
نرى حاليّاً أن هناك عدة عقبات تواجه الدولة والمجتمع، وهذه العقبات ازدادت لتتحوَّل إلى إشكاليات تدور حول معنى الوطنية والمواطنة والهويّة البحرينية، ونرى أن حتى التصريحات الرسمية وغير الرسمية أصبحت الآن تستبطن تحرشات مستمرة مع فئات وجماعات وشخصيات، ولا يبدو أحياناً أننا نتحدث عن بلد واحد ومجتمع واحد، ويبدو أن هناك من يسعى إلى إثارة حالة من الاغتراب بين فئة مجتمعية ومؤسسات الدولة.
إن تعميق شعور فئة مجتمعية كبيرة جدّاً بالاغتراب في وطنها يُعمِّق الأزمة، ومهما نفّذت قوّات الأمن من إجراءات، وطوّرت من إمكانات، فإنّ المشكلة ليست إجرائية، وإنما ترتبط أساساً بإرادة سياسية تعيد النظر في طريقة تشخيص الأمور، وتطوير إمكانات الاستماع إلى الرأي الآخر، وتنفيذ توصيات مباشرة تكررت كثيراً، ليس فقط في تقرير بسيوني وإنما على لسان كل من يحب أن يرى البحرين في حال أفضل من هذه الحال.