عندما تحدث الشيخ عبدالله بن زايد وزير خارجية الإمارات أمس الأول أمام المجلس الوطني الاتحادي عن جزر الامارات الثلاث المحتلة، لم يقل شيئا غريبا، ولم يفعل سوى التعبير عن موقف اماراتي وعربي ثابت.
الشيخ عبدالله بن زايد قال ان "احتلال أي أرض عربية هو احتلال وليس سوء فهم، ولا فرق بين احتلال للجولان أو لجنوب لبنان او للضفة الغربية او غزة. فالاحتلال هو الاحتلال، ولا توجد أرض عربية اغلى من أرض عربية أخرى". وقال أيضا انه "لا يقارن بين اسرائيل وإيران، الا ان الاحتلال هو الاحتلال، فهو غير قانوني في العرف العربي والاسلامي والدولي".
كما نرى، ما قاله وزير خارجية الإمارات ليس إلا توصيفا دقيقا من الناحية القانونية والسياسية والأخلاقية للوضع القائم. فجزر الامارات تحتلها ايران، وهذا الاحتلال لا شرعية قانونية له بالطبع، مثله في هذا مثل الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية واي احتلال آخر.
لكن المسئولين الايرانيين كالعادة لم يعجبهم هذا الكلام، وخرج رامين مهمانبرس، المتحدث باسم الخارجية الايرانية بتصريحات يعلق فيها على ما قاله الشيخ عبدالله بن زايد. والموقف الذي عبر عنه المتحدث الايراني في تصريحاته لوكالة "مهر" الايرانية للأنباء، أقل ما يوصف به انه موقف مرفوض ومستفز.
المتحدث الايراني وصف تصريحات وزير خارجية الامارات بأنها "غير صحيحة وغير متزنة". وقال ان "الجمهورية الاسلامية سعت دوما إلى تعزيز نهج التضامن والمشاركة في العالم الإسلامي لمواجهة الخطر الاسرائيلي في المنطقة المتمثل في الكيان الصهيوني". ودعا الى "الابتعاد عن التصريحات التي تضمن مصالح الكيان الصهيوني". وأضاف ان "سوء الفهم بين الاصدقاء يمكن مناقشته في اطار الحوار الثنائي".
وحقيقة الأمر انه ان كان هناك موقف غير متزن حقا، فهو بالذات هذا الموقف الذي عبر عنه المتحدث الايراني.
بداية، يعلم المسئولون الايرانيون ان موقف الامارات من قضية الجزر المحتلة، هو موقف كل الدول العربية بلا استثناء، كما عبرت عنه القمة العربية الاخيرة في ليبيا وكل القمم العربية السابقة. والموقف العربي العام هنا هو موقف منطقي وبديهي وفقا لكل الاعتبارات القانونية والسياسية. وهو موقف يتلخص في دعوة ايران اما الى انهاء احتلالها للجزر، وإما القبول باحالة القضية الى التحكيم الدولي.
ورفض ايران للأمرين معا لا يمكن ان يكون مقبولا من أي عربي. ولا يمكن قبول اعتبار احتلال الجزر مجرد "سوء تفاهم" لا اكثر ولا أقل، ومطالبة الدول العربية بنسيان المسألة.
بعبارة أخرى، فان المتحدث الايراني حين يتحدث على هذا النحو، فانه يعبر عن استهانة واستهتار مرفوض بمواقف كل الدول العربية وليس الامارات وحدها.
وحقيقة الأمر اننا في الوطن العربي سئمنا الى أقصى حد من مسألة التذرع الايراني بترديد مقولة العدو الصهيوني، التي يتخذها المسئولون الايرانيون مبررا لتبرير كل مواقفهم المرفوضة تجاه الدول العربية.
ففي كل مرة، تتخذ فيها ايران مواقف مرفوضة عربيا وتنطوي على تدخل في شئون داخلية عربية أو تنطوي على استهانة بحقوق عربية مثل مسألة الجزر أو تعبر عن اطماع ايرانية مرفوضة، يخرج المسئولون الايرانيون ليطالبوا العرب بالتوقف نهائيا عن توجيه أي نقد بحجة ان هذا يتناقض مع ضرورات المواجهة مع العدو الاسرائيلي.
هذا الخطاب الايراني أصبح مملا. كأن الحديث عن العدو الصهيوني اصبح بالنسبة الى ايران مجرد ذريعة وحجة لتبرير أي موقف أو سياسة ايرانية يرفضها العرب. وكأنه مطلوب من العرب ان ينسوا أي تعديات ايرانية على مصالح وحقوق عربية لا لشيء الا لأن ايران تتحدث عن العدو الاسرائيلي.
فكما قلنا مرارا، في نهاية المطاف لن تكون ايران احرص منا نحن العرب على حقوقنا العربية في فلسطين. وكون اننا مطالبون بمواجهة العدو الاسرائيلي لا يمكن ان يعني ان نغض الطرف تماما عن أي حق عربي آخر، وننسى مسألة مثل احتلال الجزر العربية.
حقيقة الأمر ان ايران تتحدث كثيرا جدا عن حرصها على العلاقات مع الدول العربية، وعن الصداقة مع الدول العربية، ولكنها لا تقدم ما يثبت حقا حرصها على هذه العلاقات ولا على هذه الصداقة.