عيسى سيار
لقد سلطنا الضوء في مقالات سابقة على انتشار ظاهرة الفساد بكل مظاهره وأشكاله في بلدنا، وذلك استناداً على تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية التسعة العتيدة، والتي وجّهت سهام اتهاماتها المباشرة إلى مسئولين حكوميين يشغلون مناصب حكومية رفيعة. وقد وجدنا أن وزارات ومحافظات وهيئات حكومية، بعضها تأسّس بعد المشروع الإصلاحي، وردت عليها ملاحظات بشأن تجاوزات إدارية ومالية ترقى إلى مستوى شبهة فساد! دون أن نجد حتى تاريخه أي تحرك يذكر من أيٍّ من السلطات الثلاث لمتابعة تلك المخالفات القانونية والتجاوزات الإدارية والمالية ومرتكبيها، وبالتالي وهنا نستشهد بالقول المأثور «من أمِنَ العقوبة أساء الأدب»… بل استمرأ الإساءة… أليس كذلك؟
إن هذا التقديم يسلط الضوء على الكيفية التي يتم فيها تعيين المسئولين في هذا البلد والمواصفات التي يجب أن تتوافر في هذا الشخص حتى يتم اختياره مسئولاً حكومياً بالطبع مع احترامي لمهنية العديد منهم فهم كفاءات محترمة ومقدرة، ولكن عليها أن تتكيّف وتدجّن نفسها مع ثقافة العمل في القطاع الحكومي وطريقة التعامل مع الرؤساء والتي تعتمد على الطاعة العمياء، أو تجد تلك الكفاءات نفسها في لحظة واحدة جالسةً في البيت! فتعيين الوكلاء والوكلاء المساعدين والمدراء العامّين والمدراء لا يخضع بالضرورة لمعايير ديوان الخدمة المدنية، فالذي نعرفه أن منصب الوزير هو منصب سياسي حيث يتم من خلال الدستور وما دون ذلك فإن تعيين المسئولين يجب أن يخضع لمعايير الخدمة المدنية والمنافسة بين الكفاءات، إلا أن هذا لا يحصل في بلدنا! إذن ما هي مواصفات المسئول الحكومي المطلوب؟ وكيف يتم اختياره في بلدنا؟
أولاً: أن يكون من النوع الذي لا يختلف مع رؤسائه وينفذ الأوامر دون نقاش أو اعترض، مطبقاً القاعدة السحرية (الشور شورك يايبه والقول قولك يايبه)، حتى لا يكتوي بنار غضبهم ويكون نصيبه الإقصاء أو التهميش أو إرساله إلى البيت، فهناك العديد من المسئولين تم إعفاؤهم من مناصبهم بسبب اختلافهم مع رؤسائهم حول قضية ما، وربما بسبب رفضهم المشاركة في مخالفات قانونية أو تجاوزات إدارية ومالية، فيجب أن يكون المسئول الحكومي من النوع الذي يقول نعم، ويمدح بل يطنب في المدح لرؤسائه وكل ما يقولونه صحيح وهم لا يخطئون لأنهم معصومون من الخطأ حتى لو كلفت مخالفاتهم أو تجاوزاتهم أو أخطاؤهم البلد هدراً في الأموال والجهود واستيلاءً غير مشروع عليها. وأن يصل تعامله مع رؤسائه إلى حد القداسة، أي ألا يرفع عينه في عيونهم فالذي يرونه هو لا يراه! وبالتالي ستنهال عليه المناصب والعطايا ويصبح سوبرمان زمانه فتجده مسئولاً حكومياً وفي الوقت نفسه رئيس مجلس إدارة شركة حكومية، ورئيس تنفيذي لهيئة حكومية، وعضو مجلس إدارة في مجلس حكومي، مع وجود صارخ لتضارب المصالح وكأن البحرين ما فيها إلا هذا الولد… ولا داعي لذكر الأسماء فالشمس «تطز العين»، فهل هذا هو الإصلاح والتطوير الذي ننشده؟
ثانياً: أن يكون المسئول ولاؤه لرئيسه وليس لمصلحة وطنه حتى يتم تعيينه أو ترقيته أو يستمر في عمله حتى وإن كان ولاؤه لرئيسه يتعارض مع مصلحة وطنه، فيجب عليه أن يقبل بذلك وكلنا نتذكر الطريقه المبهمة التي تم بموجبها إعفاء وزير الأشغال السابق من منصبه على خلفية فضيحة الفساد في مستشفى الملك حمد الجامعي، هذه الفضيحة التي هزّت البحرين ولكنها تبخرت كغيرها! وللعلم فإن هذا الوزير حصل على الكثير من الإشادة من المسئولين على جدّيته ونزاهته! عندما أشرف على بناء مدينة زايد، كما حصل على الكثير من التقدير من النواب نتيجة لتعامله الشفاف معهم واحترامه لدورهم.
ثالثاً: أن يكون المسئول قادراً على تطويع القوانين واللوائح لمصلحة الرئيس أو قلب الحقائق رأساً على عقب، وهذا ما حدث عندما تم تزوير إرادة الأطباء في انتخاباتهم الأخيرة حيث تم تعديل الأنظمة بحيث تمكن الأطباء الأجانب من التصويت، وبالتالي إبعاد العديد من الأطباء الوطنيين من ذوي الخبرة من غير المرحّب بهم من الفوز بعضوية مجلس الإدارة، وكذلك عندما قامت وزارة التنمية بحل مجلس إدارة جمعية المحامين المنتخب تحت حجج واهية.
رابعاً: أن يكون المسئول ضعيف الشخصية حتى تسهل قيادته، وألا يتصف بالجرأة والمهنية العالية في اتخاذ القرارات، بحيث يرجع في كل صغيرة وكبيرة إلى الرئيس، أي (ما يقدر يشك خيط في إبرة إلا بأمره) حتى وإن تعطّلت مصالح البلاد والعباد، فالمهم رضا الرئيس وتفادي غضبه. وأن يكون مقرّباً بالنسب أو العلاقات، فالعديد من المسئولين وفي مناصب رفيعة لا يملكون الشخصية القيادية ولا المؤهلات المناسبة ولا الإمكانيات ولا المهارات الإدارية المطلوبة لشغل المنصب، ولكن لأنه «ولدنه ومن عيالنه ومحسوب علينه» يجب توظيفه حتى لو أدى توظيفه إلى ضعف أو تردي أداء الجهاز الذي سيرأسه أو «خراب بصره» كما يقال!
لقد حاولنا توصيف وتشخيص مواصفات المسئول الحكومي المطلوب وذلك اعتماداً على رصد الواقع واستحضار وقائع حصلت على أرض الواقع. وهنا نتساءل وبمشروعية إذا كانت هذه الطريقة التي تتبع في تعيين المسئولين، فكيف ستكون مخرجات أدائهم ومدى حرصهم على مصالح البلاد والعباد؟ إننا هنا نوجّه كلامنا إلى من يعنيه الأمر، ونقول إن بلادنا تمر بمرحلة عصيبة ودقيقة، وأزمة سياسية غير مسبوقة في تاريخ البحرين الحديث، تتطلب الحرص والدقة والموضوعية والأمانة في تعيين المسئولين، وأن يخضع التعيين لمعايير مهنية صارمة، وأن يكون ولاؤهم للوطن وليس للشخوص، هذا إن كنا نريد العدالة والاستقرار والأمان لبلدنا، وأن نكون بحق دولة القانون والمؤسسات… فمن يرفع الشراع؟