هاني الفردان
أزمة حقيقية تعيشها الجهات الرسمية، مع مناقشة أبجديات طرح الموازنة العامة، في ظل أزمة تراجع أسعار النفط، وبلوغها مستويات تشكل تهديداً حقيقياً للوضع المالي في البحرين، حتى ذهبت الحكومة إلى التأكيد على حتمية وضرورة الاستمرار في سياسة الاقتراض وزيادة الدين العام لإنقاذ الموازنة من العجز.
نعلم جيداً أن إقرار الموازنة بـ 50 دولاراً لسعر برميل النفط سيشكل تهديداً حقيقياً لرواتب موظفي القطاع العام، فضلاً عن المشاريع الحكومية. ونعلم جيداً أن إقرار 60 دولاراً كسعر لبرميل النفط، سيجعل من الحكومة تتجاوز أزمة تسديد أجور رواتب الموظفين بـ«قليل»، إلا أن ذلك سيؤدي إلى توقف مشاريع كثيرة، وهو ما أكّد عليه وزير المالية شخصياً.
المشكلة ليست فقط متعلقةً بأزمة انخفاض أسعار النفط وتداعيات ذلك على الوضع المالي للبلاد، بل أيضاً بمنهجية الخطاب الحكومي المتناقض، والذي ظلّ لفترة طويلة «صامتاً» و«رافضاً» للحديث عن تلك الأزمة رغم حديث العالم عنها، وفي فترة أخرى لجأ الخطاب الحكومي لرفض الإقرار بأية تداعيات لهبوط أسعار النفط، بل تحدّث عن البحرين «لم» و«لن» تتأثر بتقلبات أسعار النفط، وذلك بفضل السياسات المتبعة من قبل الدولة!
وزير الطاقة عبدالحسين ميرزا أكّد أن «أسعار النفط بصفة دورية ترتفع وتتراجع على مر العصور، والبحرين بفضل قيادتها استطاعت أن تتعامل مع كل الفترات سواء في الصعود أو الهبوط، وليس هناك ما يدعو لأن تتأخر البحرين أو تتأثر بمجال النفط والغاز».
وأضاف ميرزا في مقابلة مع «معلومات مباشر» على هامش ملتقى الإعلام البترولي بالرياض: «إن كل الدول في حالة الهبوط في أسعار النفط تأخذ بعض الإجراءات بالنسبة للمصروفات المتكرّرة، وإعادة النظر في العديد من الأمور التي كانت موجودةً من قبل، وتعديلها للوضع الحالي، حيث من المتوقع أن تعود الأسعار للارتفاع مرة أخرى». وهي نظرة متفائلة تناقض حديث وزير المالية في مجلس النواب (10 مارس/ آذار 2015).
وكالات التصنيف العالمية وبيوت الخبرة الدولية تتحدث عن أن البحرين بحاجةٍ إلى أن يصل سعر برميل النفط إلى 120 دولاراً لإحداث توازن بين المصروفات والإيرادات في الموازنة العامة، إلا أن وزير المالية مؤخراً عقّد الأمور أكثر وزاد على ذلك 20 دولاراً إضافية ليصل الأمر إلى 140 دولاراً، وهو أمر أصبح من الصعب الوصول إليه خلال السنوات المقبلة، ما يعني أن الاقتراض هو الحل الحكومي الوحيد، وأن تسارع وتيرة ارتفاع الدين العام ليصل إلى 6 مليارات دولار في العام 2015، حسب توقعات «ستاندرد أند بورز»، سيكون حقيقة مرة ولا مفر منها، وتداعيات كل ذلك ستكون على ظهر المواطن العادي.
نائب برلماني، أبدى استعداده لطرح موازنة جديدة أطلق عليها اسمه «موازنة أحمد قراطة»، مؤكّداً أن موازنته ستكون من غير عجز! ما حدا بوزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة في جلسة النواب (10 مارس/ آذار 2015) لقبول التحدي مع النائب، واستعداده لرؤية موازنة أحمد قراطة، مؤكّداً أن الحكومة «ليس لديها حكر على الحلول والحكمة».
رغم كل الحديث عن عدم المساس بالمكتسبات التي حصل عليها المواطن، خلال السنوات العشر المقبلة، إلا أن الواقع يؤكّد أننا مقبلون على سنوات عجاف، سيكون فيها الجفاف سمةً رئيسيةً أساسها التقشّف في كل شيء له علاقة بالمواطنين.
الواضح وكما أكّد الوزير، أن الحكومة تدعو النواب لمساعدتها في تمرير مشروعها بإعادة هيكلة شاملة لعملية إدارة المالية العامة، والتي تأخذ في الاعتبار تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية من ناحية، وتتخذ عدداً من الإجراءات الكفيلة بتحجيم آثار هذا التراجع وتقليص العجز من ناحية أخرى، ومن أمثلة هذه الإجراءات التي تم طرحها بالفعل إعادة هيكلة الدعم الحكومي للسلع والخدمات الأساسية بما يكفل توجيهه إلى مستحقيه، وتحديد معايير الاستحقاق بالتوافق مع السلطة التشريعية، وتقديم الخدمات الحكومية بتكلفتها الحقيقية.
النائب قراطة في مجلس النواب، وصف الموازنة التي ستقدّمها الحكومة لهم على أنها ستكون «مفصخة»، وأن النواب «سيلبسونها»، إلا أن الواقع يؤكّد حقيقة واحدة، وهي أن النواب سيساعدون الحكومة وسيقفون معها كالعادة على تلبيس الموازنة الجديدة «المفصخة» من كل شيء للشعب، وحمل تداعيات أخطاء وسوء إدارة فترة الطفرة النفطية والابتعاد عن سياسة التوزيع العادل للثروات.
الموازنة المقبلة ستكون «مفصخة» كما قال قراطة، ولن تكون واضحة، وستظهر السلطة التشريعية مع السلطة التنفيذية بمظهر «المختلفين» إعلامياً، ولكنهما سيكونان متفقين على تمريرها تحت عنوان «المصلحة»، ليتم تلبيسها الشعب، الذي سيُحرم من خيرات بلاده لعامين مقبلين، وذلك نتيجة سياسة سابقة لم تكن تراعي المرحلة المقبلة.