لم أكن أعتزم التعليق علي ما حدث في مؤتمر الدفاع عن حقوق الإنسان في البحرين ولكن تفاعل الحدث ومحاولة استغلاله وتوظيفه من قبل البعض دفعني للكتابة في الموضوع لتوضيح الأمور ووضعها في نصابها الصحيح.
ذهبت لحضور المؤتمر الذي كانت الدعوة له عامة كما جاء بنشرات تليفزيونية وبناء علي دعوة من أحد المتحدثين في المؤتمر. ولكوني أعمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان منذ أكثر من ثلاث عقود (في جمعية أنصار حقوق الإنسان بالإسكندرية وهي جمعية ترفض التمويل الأجنبي بشدة بل تدينه) فقد رأيت أنه من واجبي وأنا ببيروت في زيارة خاصة أن أشارك في هذا الهدف النبيل، خصوصا وأننا في الجمعية نعتقد أنه من النفاق تأييد حقوق الإنسان للبعض وعدم التأييد للبعض الآخر. الدفاع عن حقوق الإنسان ومنها حقوق الإنسان العربي لا بد وأن يكون منزها تماما عن أي اعتبار مذهبي أو اثني أو عنصري ناهيك عن وقوفنا بشدة وحسم ضد كافة هذه التمييزات المقيتة.
ذهبت للمؤتمر دون أن أعرف برنامجه أو المتحدثين فيه ولم يتطرق إلي ذهني أوخيالي مطلقا أن الداعين للمؤتمر سيستضيفون د. أحمد الجلبي ولهذا فوجئت عند حضوري أن يكون أمامي مباشرة. لقد رحب بي المنظمون وأجلسوني في هذا الموقع. بالطبع وجدت نفسي في تناقض شديد، لماذا؟
استرجعت في ذهني ما أعرفه عن الجلبي فازددت غضبا. تذكرت دوره كرئيس للمجلس "الوطني" العراقي وعلاقاته مع المحافظين الجدد الذين أعدوا العدة لاحتلال العراق والذين ساهموا في قتل مئات الألوف من أطفال العراق وعلاقاته بمسئولين صهاينة وتساءلت كيف يدعي مثل هذا الرجل!! تذكرت مشاهد مؤلمة رأيتها بعيني لأطفال يموتون بين أيادي أمهاتهم لغياب الغذاء والدواء بسبب الحصار المجرم عندما كنت أعمل في العراق مع هيئة الأمم المتحدة مسئولا عن ملاحظة توزيع الغذاء قبل الاحتلال. وتضاعفت دهشتي عندما رأيت أصدقاء فيي القاعة، كيف ذلك؟
كانت اللحظة التي أدت للمواجهة عندما صعد الجلبي علي المنصة وتبين أنه متحدث رئيسي في المؤتمر, بدء حديثه عن "المعرفة" ثم انتقل لإدانة التدخل الأجنبي في شئون البحرين (المقصود إدانة دخول قوات درع الجزيرة السعودية لقمع المتظاهرين في البحرين) وهو ما أدينه بشدة ولكن أن تأتي هذه الإدانة من مهندس التدخل الأجنبي والاحتلال في العراق فهو غير معقول بالمرة. قررت الخروج من المؤتمر ووجدت من واجبي أن أتصدي لهذا النفاق الذي يفوق العقل ويمتهن ذكاء الآخرين. اتهمني بالجهل والعمالة والانتماء لحزب البعث. أما تهمة الجهل فلا يستحق الرد و بالنسبة للعمالة فهذا اتهام طريف و مصدره يجعله أكثر طرافة ويبدو أن البعض يعتقد أن المجتمع أصبح خلوا من غير العملاء أو أن مصطلح العمالة يحتاج لإعادة تعريف. أما الانتماء لحزب البعث فهو ليس تهمة أصلا. ولكن الحقيقة أنني لا أنتمي لأي حزب كما أنني أتمسك باستقلالي السياسي الذي يمنحني درجة أعلي من الموضوعية. إن انتمائي الأساسي علي مدار ستون عاما هو مناهضة الظلم بأنواعه البغيضة وعلي رأس ذلك الاستعمار والصهيونية والاستبداد والاستغلال لقد تصديت للإهانة وشعرت أنني أقوم بذلك باسم كل عراقي وعربي وشرفاء العالم الذين أدانوا الاحتلال. بعد ذلك تعرض لي حراس شلبي داخل القاعة وخارجها بالشتيمة ومحاولة الاعتداء الجسدي ولكن بعض السائقين المحترمين حالوا دون ذلك. أما الترحيب الذي غمرت به في البداية فقد تبخر تماما!!
فوجئت بعرض الحادث علي التليفزيون والانترنت واليو تيوب. كان من الواضح أن البعض يحاول استغلال الحادث بشكل مسيء من وجهة نظري والبعض الآخر الذي يلومني ويتهمني بالإساءة للمؤتمر وهدفه النبيل بدلا من أن يعتذر أو علي الأقل أن يفسر هذه الدعوة المشينة للجلبي. لهذا أردت تأكيد بعض النقاط التي تدور حول واجبات المثقف الوطني الملتزم.
أولا- لا بد أن يكون واضحا تماما أن تأييد المثقف الملتزم هو تأييد مبدأ لا يخضع لخلافات أو أخطاء فرعية فالتأييد للمقاومة في لبنان وفلسطين والعراق هو موقف حاسم لا يتأثر بالتحية والترحيب أو بالخلاف الجانبي
ثانيا- أن الاعتراف بالحق فضيلة والاعتراف بالخطأ واجب. فالجهة التي دعت شلبي ارتكبت خطأ فادحا وجب الاعتذار عنه. إن دعوة الجلبي الضليع في انتهاك حقوق الإنسان و إعطاؤه مكانا بارزا في المؤتمر قد أضر بهدف المؤتمر النبيل. أما إلقاء اللوم علي من تصدي لهذا الخطأ فهو عبث وهروب من المسؤولية.
ثالثا- ليس هناك شخصا أو قيادة أو مجموعة أو حزبا مقدساً لا يخطئ وأن أحد مقاييس العظمة هو الاعتراف بالخطأ.
رابعا- أن التأييد لا يعني الممالأة أو السكوت عن الخطأ فهو يصبح بذلك تأييدا أعمي وصاحبه غير جدير بالثقة. فالمثقف الوطني الملتزم ليس تابعاً أو أبله كما أنه لا يأبه بتعاملات سياسية غير مبدئية كما أن خلافه لا بد أن يحترم حتى وإن لم يؤخذ برأيه. أما إذا أسيء له فوجب الاعتذار الصريح
خامسا- المثقف الملتزم يستنكف الإطراء المبالغ والتكريم المفتعل كما يستنكف إلقاء اللوم عليه في حين أن اللوم كله في هذه الحالة يقع علي أصحاب الدعوة المرفوضة والتي أساءت لي و لقيادات لبنانية وطنية هامة انسحبت من اللقاء كما أضرت بهدف المؤتمر بتنصيب الجلبي مدافعا عن الشعب البحراني.
سادسا – من البديهي أن مواقف المثقف الملتزم الذي يدافع عن حقوق الإنسان في كل مكان، لا علاقة لها البتة بالمذهبية والطائفية والعنصرية. نضطر لقول ذلك في المناخ المتواجد حالياً