خلال الايام القليلة الماضية، وفي الوقت الذي يتدفق فيه مئات الآلاف من المصريين في كل انحاء مصر الى الشوارع ثائرين يطالبون برحيل النظام، شهدت مصر اعمال حرق ونهب وتخريب مرعبة وواسعة النطاق، وعمليات ترويع للمصريين، في كل محافظات مصر.
في اليومين الماضيين، تبث قنوات التليفزيون المصرية والعربية نداءات استغاثة لا تتوقف من مواطنين مصريين في كل انحاء مصر، كلها تطلب الحماية من قطعان البلطجية المسلحين، ومن جرائم الحرق والنهب.
في البداية، بدا هذا الذي يحدث غريبا وغير مفهوم تماما، لكن الامر الذي كان واضحا منذ البداية هو ان كل هذه الجرائم الواسعة النطاق تندرج في اطار مخطط منظم وراءه جهة ما، ولا يمكن ان تكون مجرد جرائم عفوية ترتكبها مجموعات من البلطجية او المجرمين.
لكن بقي السؤال : من وراء هذه الجرائم التي تحدث في وقت متزامن واحد في كل انحاء مصر؟
وسرعان ما اتضحت الصورة بالتطورات والجوانب التالية:
1 – كان امرا غريبا ومذهلا انه منذ ان نزل الجيش المصري الى الشوارع، اختفى نهائيا كل رجال الامن والبوليس من كل انحاء مصر، وبالطبع بناء على اوامر صدرت لهم.
وبالطبع، الذين اصدروا هذه الاوامر، ارادوا مبدئيا ان يترك الشعب وممتلكاته ومنشآته العامة والخاصة، بلا أي حماية امنية من أي نوع.
وبالطبع، كان هؤلاء يعلمون ان الجيش لا يستطيع ان يدفع بقوات عسكرية الى كل حي وكل شارع في كل انحاء مصر.
2 – كل روايات المصريين الذين ظلت محطات التليفزيون، بما فيها المحطات المصرية، تبثها طوال اليومين الماضيين، تؤكد ان مراكز البوليس التي تم احراقها في جميع انحاء مصر وفي وقت متزامن تقريبا، لا علاقة لأي محتجين بها، بل تشير اصابع الاتهام صراحة الى ضباط البوليس في هذه المراكز، الذين تعمدوا اطلاق المجرمين المحتجزين فيها، واعطاءهم السلاح في احيان كثيرة، ثم حرقت هذه المراكز بعد ذلك.
3 – اغلب الروايات ايضا تشير الى ان السجون الكثيرة التي تعرضت للحرق، وخرج منها الوف السجناء، تمت بنفس الطريقة. أي عن عمد تم اطلاق هؤلاء السجناء وتمكينهم ايضا من الحصول على السلاح.
4 – عمليات حرق المحلات والمنشآت العامة أيضا تشير اصابع الاتهام فيها صراحة بحسب عدد لا يحصى من الشهادات، الى رجال امن وبوليس متورطين فيها. وفي احيان كثيرة، كان هؤلاء هم الذين يتولون تكسير واجهات المنشآت والمحلات او احراقها، ثم اطلاق الالوف من البلطجية ليعيثوا فيها نهبا وتخريبا.
5- حتى في المناطق السكنية في محافظات مصر، يروي المواطنون المحتجزون داخل بيوتهم خوفا ورعبا روايات مفزعة، عن البلطجية والمجرمين المسلحين الذين يأتون باعداد كبيرة، واحيانا في سيارات للبوليس ويستبيحون المناطق السكنية ويهددون المواطنين، ومن بينهم ايضا بحسب كثير من الروايات رجال بوليس او امن.
على ضوء كل هذا، تصبح الصورة واضحة.
النظام، او قوى داخل النظام، هي التي تقف اساسا وراء كل جرائم الحرق والنهب والترويع الرهيبة هذه للشعب المصري في كل محافظاته.. هي التي ترعى وتطلق الوف البلطجية والمجرمين والمخربين.
والذي يؤكد هذا اقدام الجيش المصري بالأمس على الاستيلاء على مقر وزارة الداخلية.
لماذا يفعلون هذا؟.. لماذا لا يترددون في حرق البلاد وترويع العباد وارتكاب هذه الجرائم الرهيبة؟
ربما يكون احد اسباب ذلك ان القائمين في وزارة الداخلية على قوات الامن والبوليس، والذين اصدروا لهم الاوامر بالاختفاء نهائيا، لم يعجبهم ان يتولى الجيش المصري زمام الامور، واعتبروا هذا اهانة لهم وتشكيكا في كفاءتهم، وارادوا الانتقام بهذا الشكل.
قد يكون هذا سببا. لكن يبقى السبب الاهم والاخطر.
هذه الجرائم المروعة هي آخر ورقة يلعبها النظام في مواجهة الثورة الشعبية العارمة التي تجتاح مصر.. هي آخر المحاولات الاجرامية للبقاء.
قوى النظام الفاسدة الاجرامية التي تخشى ساعة الحساب والمحاكمة التي تلوح في الافق، تلعب ورقتها الاخيرة لذبح الثورة، وتظن انها بهذه الجرائم التي ترتكبها سوف ترهب المصريين، وسوف تدفعهم إلى الاعتقاد بأن الثورة لن تجلب الا الخراب، وان البديل للوضع القائم، هو حرق البلد وتدميرها.
هذه الجرائم الرهيبة تكفي وحدها سببا لأن يرحل هذا النظام فورا بكل رموزه الفاسدة المستبدة المجرمة.
النظام الذي لا يتورع عن قتل ابناء الشعب، ويتخلى عن توفير أي حماية للمواطنين الخائفين في بيوتهم، ولا يتورع عن الحرق والتدمير الهمجي المنظم لممتلكات الوطن.. النظام الذي لم يترك لأبناء الوطن من خيار الا تشكيل لجان شعبية من الشباب للدفاع عن بيوتهم واعراضهم واحيائهم من المجرمين والبلطجية الذين اطلقهم، هو نظام لا يستحق البقاء.. لا بد ان يرحل.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.