رضي الموسوي
ما أن أعلنت وزارة العدل عزمها على إطلاق حوار جديد، أسمته "استكمالا لحوار التوافق الوطني"، حتى سارعت وزيرة الدولة لشئون الإعلام والناطقة الرسمية باسم الحكومة السيدة سميرة رجب، بالإعلان أن الحكومة لن تكون طرفا في الحوار المزمع إقلاعه في الأيام المقبلة بل ستقوم بدور المنسق.
ثم سارعت واعتبرت أن تنظيم الجمعيات السياسية المعارضة الخمس لمسيرة في المنامة يوم الجمعة (25 يناير 2013)، يعتبر محاولة لتخريب الحوار!!
تصريحات وزيرة الدولة لشئون الإعلام تعتبر عبثا ومحاولة لإجهاض الحوار الجدي ذي المغزى الذي تطالب به العواصم الكبرى، فضلا عن الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والأحزاب الديمقراطية العالمية، وقبل ذلك ما كانت تطالب به المعارضة السياسية في البحرين والتي تعتبر أن المخرج ليس التسويف وتقطيع الوقت، بل الاقتناع بان الحوار وليس المعالجة الأمنية، هو المخرج من الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عشر سنوات وتفجرت مع موجة الربيع العربي في العام 2011.
الوزيرة تقول أن الحكومة ستنسق بين المتحاورين.. فمنهم المتحاورون؟
تفترض الوزيرة أنهم ممثلو الجمعيات السياسية كافة وهي "لن تستثني منهم أحدا"، بينما قيادات سياسية حكم عليهم حكما سياسيا يقبعون في السجن لأنهم عبروا عن رأيهم بكل سلمية، بما فيهم أمين عام جمعية وعد إبراهيم شريف الذي نظر للملكية الدستورية على غرار الديمقراطيات العريقة في دوار مجلس التعاون "اللؤلؤة". الوزيرة، مؤكدا، لن تأتي بهم من محبسهم، وهذا معلوم. فهي لاتمتلك هذه السلطة، وهي أيضا لاتمتلك سلطة استضافة منظمة حقوقية عالمية رغم ادعائها بذلك مرارا في محطات الإذاعة والتلفزيون العالمية، فهي ليست صاحبة قرار بل موظفة كبيرة في الحكومة وعليها تنفيذ سياستها فحسب دون إضافة أو نقصان.
سعادة الوزيرة تقول لصحيفة "الشرق الأوسط" الصادرة في 24 يناير 2013 "إن الحكومة ستتولى تنفيذ التوصيات"، وان هذه التوصيات "التي سيتم التوافق عليها سترفع للملك لإقرارها مباشرة كما حدث مع توصيات حوار التوافق الوطني الذي جرى في يوليو (تموز) عام 2011، وستتولى الحكومة تنفيذها".
هذا القول يتفق مع بيان وزارة العدل التي دعت للحوار لاستكمال حوار التوافق الوطني "في الأمور العالقة"..فهل كانت هناك أمورا عالقة؟ حسب الإعلام "الغوبلزي": لا. فمن تابع هذا الإعلام وجد أن حوار التوافق الوطني كان كاملا شاملا "من مجاميعه"، كما يقول أشقاؤنا المصريون، وان من انتقد مخرجات الحوار حينها والية اتخاذ القرار وضع في قائمة الخونة والصفويين ومدبري الفتن..هذا الرأي نشر كخبر وعلى لسان الكتبة المأجورين الذين أشاعوا اكبر عملية تحريض وبث للكراهية شهدتها البحرين منذ قرابة قرن من الزمن..فهل بروز الأمور العالقة الآن تصنف ضمن الاتهامات التي نفثتها الصحافة المحلية في حينها؟!!
السؤال الذي يثيره المواطن البحريني في مختلف المناطق وبغض النظر عن انتماءه المذهبي والسياسي: هل من حوار جدي ذي مغزى يخرج البحرين من أزمتها الطاحنة؟
اذا كان ذلك استكمالا لحوار التوافق الوطني، فان ذلك الحوار قد تم اختطافه لحظة انطلاقه. فقد كان حفلة علاقات عامة بامتياز. وحين ألقى رئيس الحوار خطابه الختامي لحس ما جاء في خطابه الافتتاحي من أن كل المرئيات المتوافق عليها وغير المتوافق عليها سترفع لجلالة الملك، فقد جزم بأن ما سيرفع فقط المرئيات المتوافق عليها، وفي هذا نقضا للعهد الذي أطلقه رئيس الحوار. لن نتحدث عن المشاركين في ذلك الحوار ولا في طبيعة المناقشات والية اتخاذ القرارات، فتلك لاتمت بأي شكل من الأشكال بما يسمى بحوار التوافق الذي تمثلت فيه المعارضة بخمسة وعشرين شخصا من أصل ثلاثمائة وخمسة وعشرين شخصا حضروا "حوار التوافق".
من يريد حوارا جادا لايقمع مسيرة تم الإخطار عنها.
من يريد حوارا جادا لايناور في الإعلام بطريقة فضائحية كشفت مدى الجدية والمغزى من حوار لايتمثل فيه صاحب القرار: الحكم.
من يريد حوارا جادا لايلهث من أجل تصوير الأزمة السياسية وكأنها تطاحن طائفي بين فئات المجتمع البحريني ويبحث عن فرصة يبرز فيها ما يشبه صراع الديكة.
المعارضة السياسية قالت كلمتها ورحبت بالحوار الذي دعت له وزارة العدل على أسس وأجندة واضحة. حوار يضع بلادنا على سكة الحل الدائم يجنبها ويلات التجاذبات الإقليمية التي تعصف بالمنطقة. وهذه قناعة تامة لدى المعارضة، بخلاف التكتيك الذي صرحت به وزيرة الدولة لشئون الإعلام والذي يهدف إلى تقطيع الوقت والقفز على الاستحقاقات الواجب تنفيذها من قبل الحكم كتوصيات لجنة تقصي الحقائق وتوصيات مجلس حقوق الإنسان.
ما هو مؤكد أن المعارضة لن تدخل في صراع ديكه مع أحد، وان الحوار ينبغي أن يكون مع من يملك سلطة اتخاذ القرار وليس مع أحد آخر، وأنها مصرة على حوار وتفاوض جدي ذي مغزى يفضي إلى نتائج يتوافق عليها شعب البحرين صاحب المصلحة العليا.