هاني الفردان
نشكر وزارة الداخلية على جهودها الكبيرة في سرعة القبض على «المخربين» الذين يعيثون في الأرض «إرهاباً»، فلا تمر ساعات فقط من الحدث، ومن إعلان الوزارة عن وقوعه، حتى تعاجلنا بخبر آخر سريع بالقبض على «المتورطين» في مفردة جديدة ومستحدثة ابتعدت عن لغة «المتهمين».
في حديث لوزارة الداخلية مع مجلس النواب يوم الأربعاء (7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012)، تم الكشف عن القبض على 25 شخصاً بعضهم متورط بالتفجيرات، والبعض الآخر مطلوب في قضايا أخرى، مؤكدة أن هؤلاء تم ضبطهم بفضل النقاط الأمنية المنتشرة في العديد من المناطق.
«المتورطين» إدانة مباشرة من الوزارة لمن قُبض عليهم، دون الحاجة لتحقيق أو محاكمة، ودون الحاجة الآن لوصفهم بـ «متهمين»، فقد قضي القضاء وانتهى الأمر، وما هذا الوصف إلا توضيح إلى أن المادة الدستورية رقم (20) والتي تنص على أن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق وفقاً للقانون»، قد نُسفت باختصار شديد.
لا يوجد حالياً في قضية «تفجيرات العاصمة» متهمون، وذلك بحسب ما قالته وزارة الداخلية في اجتماعها مع مجلس النواب لإطلاعهم على آخر تطورات ومستجدات الأحداث البحرينية، بل أكدت القبض على «متورطين» في الحدث.
اللغة تغيّرت، والمفردات تبدّلت، وأصبح المقبوض عليهم من خلال نقاط التفتيش الأمنية «متورطين» في التفجيرات، وليسوا متهمين، ولكن مازلنا في حيرةٍ من أمرنا، إذ إن العرف القضائي يضع المقبوض عليهم حتى وإن كانوا متلبسين في أي حدث وأثناء وقوعه، ضمن خانة «متهمين» حتى يتم إدانتهم في محاكمة قانونية تؤمّن لهم فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق، وفق المبدأ الدستوري المذكور المشهور في كل شرائع وقوانين الدنيا، إلا أنه في حالتنا هذه أصبحوا «متورطين».
كما شكرنا من قبل وزارة الداخلية على سرعة قبضها على «المخربين» سابقاً «المتورطين» حالياً، نتمنى أن نشهد هذه السرعة في الوصول إلى المتورطين في القضايا «الإرهابية» أن تنعكس أيضاً على «المجموعات» التي تعيث في الأرض فساداً، والتي كسرت وخربت ونهبت وسرقت وقتلت أبناء الوطن، دون معرفة مصيرهم، هذا إذا لم تكن قضاياهم قد حُفظت في الأصل ونُسيت.
حالة سرعة القبض على «المخربين/المتورطين»، وعجز الوزارة عن الوصول إلى «المجموعات» الأخرى يضعنا في حيرة من أمرنا لنسأل ما هو الفرق؟ وأين المعوقات؟ وخصوصاً أن جلّ قضايا «المخربين» لا يوجد لها دليلٌ أو إثباتٌ مادي يمكن أن يُستدل به على الجاني، والعكس صحيح، فإن جل قضايا «المجموعات» عادةً ما تكون مصحوبةً بأدلة مادية، وأشهرها مقاطع مصوّرة بالصوت والصورة، مع بروز ووضوح وجوه «المتورطين» فيها، ومع ذلك يصعب الوصول إليهم ولا يُسمّون إلا «مجاميع» ولم يُطلق عليهم وصف «متورطين»، فيما يسهل الوصول في ساعات لـ «المخربين»، ليحملوا لقب «متورطين».
من خلال بيانات الداخلية وأدبياتها المتكرّرة في ظل الأحداث التي تشهدها البحرين؛ يتكرّر لنا مشهد استخدام الألفاظ المستحدثة، فمرة «مجهولون» وأخرى «مخربون»، والآن «متورطون»، ومن خلال تلك الألفاظ يمكن لأي متتبع وبسهولةٍ، معرفة مجريات سير القضية، وإلى أين ستؤول، وكيف ستنتهي، وكل ما سيجري بعد ذلك، لقوة مدلول تلك المفردات في الوضع السياسي البحريني!
فالعادة علّمتنا من قبل سرعة القبض على «المخربين» واعترافهم، وإحالتهم إلى النيابة العامة بسرعة مع إصدار قرار توقيفهم على ذمة القضية ووصفهم بـ «متهمين»، والآن أصبح الأمر مختلفاً ولسرعة وأهمية الحدث يُطلق عليهم مباشرة «متورطين»، لأن لفظ «متورطين» واضح، فهم معروفون لدى الأجهزة الأمنية بشكل عام!
أما لفظ «المجهولين» فالمعنى فيه واضح جدّاً، ولا يحتاج إلى تفسير ولا بصيرة ثاقبة، فهم مجهولون، صعبٌ التعرف عليهم، ويكون مردّ القضية في هذه الحالة إلى النسيان لعدم التعرّف على الجناة! أو لتضارب أقوال المجني عليه والشهود! أو لأي سبب آخر! المهم أنهم مجهولون منذ بداية القضية، وسيكون كذلك حتى تُنسى ويُوضع ملفها على الرفِّ، إن كان لها ملف مع جملة الملفات التي شهدناها طوال أكثر من عام ونصف العام.