· من يمسك الساحة الليبية الآن؟
· أين ذهب الجيش الليبي؟
· من هو المجلس الانتقالي؟
· لماذا أسقط النظام السياسي في ليبيا.. ولماذا تدمر الدولة الليبية؟
المقدمة :
الساحة الليبية الآن، بعد مقتل القذافي تخلو من أي مظهر بارز عدا المليشيات المسلحة، وهي مكونات مختلفة ومتنوعة بعضها قد تم تدريبه باحتراف وقياداته في أوربا، وبعضه استأجر وخلفيته تجربة ميدانية عميقة في حروب القارة الأفريقية، التي تسببت في المجازر الأهلية الفاجعة.. ومنها جثث ألآلاف تطفو على سطح مياه الأنهر في تلك القارة.. خبراء هذه المجازر كانوا على الأرض الليبية، داهموا مخازن السلاح ومشاجبها، والبعض الآخر ممن أطلق سراحهم من سجن (غوانتانامو) بكفالة الـ(CIA)، من أجل أن يكتسبوا خبرات قتالية من نوع آخر، فيما أطلق سراح من أعتقل في أفغانستان وباكستان بعد أن أخضع للتحقيقات الفيدرالية الأمريكية، ليظهر في ساحات الدولة الليبية يرتدي لباساً عسكرياً للمغاوير ويعتمر عصبة الحرب ويقود مجموعات مسلحة أطلق عليهم الثوار.
1- دوائر صنع القرار في الغرب تستجيب للنداء الإنساني بتحرير ليبيا من الديكتاتورية والاستبداد والتسلط – ولا تستجيب لنداء الجماهير في العراق على استبداد المالكي وديكتاتوريته الدموية – فتضج وتتزاحم في اتصالاتها وتقاريرها التي تدعوا إلى وضع النظام الليبي والدولة الليبية معاً في دائرة الضوء والدفع بالملف إلى مجلس الأمن الدولي، الذي يضع قراره في خانة الفصل السابع من الميثاق، لكي يأذن بالفعل العسكري.. في الوقت الذي يعد فيه الفصل السابع مدخلاً للتدخل العسكري على أساس المحافظة على السلم والأمن الدوليين.. ولكن الحالة في ليبيا لم تخل بالأمن والسلم الدوليين (فأن المجلس قد مارس عملاً مغايراً لاًختصاصه، فأمر بقتل رئيس الدولة وإسقاط نظامه السياسي وهو عضو في الأمم المتحدة، وتدمير الدولة وركائزها الدستورية والقانونية)!!
2- يندفع الناتو بكل ثقله ليطبق قرار مجلس الأمن، ويعلن حظر الطيران في الأجواء ذات السيادة الليبية، لكي يمنح المليشيات غطاء التحرك المسلح ويحرم الجيش الليبي من الحركة دفاعاً عن البلاد والعباد.
3- وفي الوقت الذي تتدفق فيه المليشيات وتخترق الحدود، تنهال صواريخ الناتو من الجو والبحر على المدن والمنشئات والمؤسسات ومقرات القيادات العسكرية والمدنية الليبية دون تفريق، فيختلط الحابل بالنابل كما يقال.
4- وفي الوقت الذي يعلن فيه الناتو عن اهتمامه وعزمه على حماية المدنيين الليبيين من بطش القذافي، يسقط العشرات في كل ساعة من القتلى المدنيين ضحايا صواريخ الناتو، التي انطلقت لتحرير ليبيا من الديكتاتورية!!
5- تصمت منظمات حقوق الإنسان صمت القبور في كل أنحاء العالم، ولا أحد يتحدث عن مجازر الناتو ومجازر المليشيات!!
6- ويبدأ مسلسل المجاميع، التي تقود السيارات المدنية والعسكرية المسروقة من معسكرات الجيش الليبي، التي تقطع الطرقات الخارجية.
7- فيما يتحرك الناتو من خلال سفنه الحربية الراسية في المياه الإقليمية الإيطالية بالتحرك صوب المياه الإقليمية الليبية لتمنع أي إمدادات تصل إلى ليبيا سواء كانت عسكرية أو مدنية، عدا السفن التي تصل من قطر الدولة العظمى في الوطن العربي، وهي محملة بالسلاح إلى ثوار الناتو!!
8- وحينما تلكأ التنفيذ في الناتو بشأن النفقات وتكاليف الحرب، كانت قطر قد تكفلت بتسويق النفط الليبي إلى المستهلك الفرنسي والإيطالي وغيرهما من المتعاقدين الأوربيين، وتكفلت بتسديد فواتير الصواريخ، التي يطلقها الناتو على المدن الليبية!!
9- فيما بات الإعلام القطري من خلال فضائية الجزيرة يتواصل ليل نهار على وفق ما رسمته (أكاديمية التغيير) في لندن من تحريض وتشويش وتشويه للحقائق وتقزيم للمواقف وشيطنة النظام السياسي الليبي على الرغم من مساوئه وأخطائه الفادحة.
10- ثم بلور " الناتو" فكرة المجلس الانتقالي ليحل محل الحكومة الليبية، بالتعاون مع الجهات الأمريكية المسئولة، التي قالت عنها (هيلاري كلنتون) وزيرة الخارجية الأمريكية بأن ((الجهات الأمريكية المسئولة تواصل توسيع اتصالاتها مع الثوار الليبيين)).. ولا أدري أي غرام ظهر على مسرح الأحداث بين المخابرات الأمريكية ومجاميع الثوار، وأي معنى لهذه الاتصالات، وما المغزى منها وما هي أهدافها؟!
11- الجماهير الليبية المأخوذة بالحدث، والتي جرفتها الموجة في ظل ماكنة الإعلام العربي والأجنبي المحرضة على القتل والتدمير، والتي منها لا تعي جيداً ما يحصل لضعف مدركاتها بأهمية الوطن قبل القائد، بأهمية الوطن قبل النظام السياسي.. والفرق في المدركات واضح بين الدولة كدولة وبين النظام السياسي كنظام، وثوار الناتو قد شحنوا باتجاه إسقاط النظام السياسي الديكتاتوري وتدمير الدولة معاً وتفكيك عناصر قوتها، وكأن النظام السياسي هو الدولة بمفهومها الدستوري والقانوني على حد سواء.. وهذا هدف صهيوني أمريكي من طراز حديث لم يكن يعرفه التاريخ!!
12- ثم منْ همْ الذين يجولون حول كاميرات الجزيرة وكاميرات العربية وأخواتهما الأوربيات في شوارع (سرت) و (مصراطة) و (بنغازي) الليبية يرقصون ويطلقون الرصاص؟! هل أن هؤلاء هم الذين اسقطوا نظاماً سياسياً وهزموا جيشاً؟ أم أن الناتو وطائراته الحربية وصواريخه وبوارجه ومرتزقته وإعلامه وسلطته الرابعة المرتبطة باستخبارات الغرب الأمريكية والفرنسية والإيطالية والتركية والعربية وغيرها، التي تصب جميعها في صلب أعمال الناتو وخرائطه الحربية؟!
إذن… من قتل القذافي؟ هل الشعب الليبي العظيم أم الناتو بكل صفحاته العسكرية والاستخبارية والسياسية والإعلامية..إلخ؟!
13- ثم… ماذا بعد سقوط النظام السياسي الليبي واغتيال القذافي؟ :
أولاً- تم تقاسم إنتاج النفط الليبي ومخزونه الإستراتيجي، منذ اجتماع باريس الذي حضره رئيس وزراء قطر الدولة العظمى في الخليج العربي، بين فرنسا على وجه الخصوص وإيطاليا والشركات الأمريكية وبعض شركات الدول الأوربية.
ثانياً- ستقسم ليبيا، حسب يافطة (الفيدرالية) وحسب واقع القوى المتصارعة على الأرض الوطنية، تحت دعوات "التوزيع العادل للثروات على الشعب الليبي".
ثالثاً- ستعيش ليبيا وشعبها العربي الكريم اضطرابات في الأمن والاقتصاد والحياة العامة لا حدود لها ولزمن ليس قصيرا قد تنتهي هذه الاضطرابات إلى احتراب داخلي، الله وحده يعلم الغيب سبحانه!!
رابعاً- سيتحول هذا النموذج السيئ في إسقاط النظم السياسية صوب تشكيل (الشرق الأوسط الجديد)، إلى سابقة خطيرة قبلتها وحرضت عليها الأمم المتحدة وعلى رأسها مجلس الأمن، والجامعة العربية، التي لم تتوان عن تقديم الغطاء (الشرعي) لإسقاط النظم وبتدبير أمريكي قطري صهيوني استخباري مشترك، وسيطبق سيناريو هذه السابقة على نظم سياسية عربية أخرى (رئاسية وملكية وأميرية) دون أن تستثني أحداً وستكون قطر الدولة العظمى في الخيانة آخر من ينالها التغيير الجذري بدمجها مع السعودية، التي هي الأخرى ستقسم إلى عدد من الدويلات… وهكذا!!
خامساً- هذا السيناريو يكاد أن يكون واحداً يأخذ التسلسل التالي//تظاهرات بسيطة حقيقية عفوية أو منظمة تطالب بحقوقها المشروعة.. تتوسع بمدخلات شبكة عميلة توفرت لها كل إمكانات التحرك، من أموال وجوالات خاصة وسلاح ومخطط عمل.. ثم يقع الاصطدام بالأمن والجيش ليأخذ الحدث مساره نحو التعرض للمقرات الأمنية وحرق المؤسسات وتدمير البنية التحتية والاغتيالات والتفجيرات والإعدامات الجماعية ثم المقابر الجماعية.. ثم يأتي دور التحذيرات التي يطلقها مجلس الأمن بعدم التعرض للمواطنين الذين يروعون الأمن الاجتماعي ويتصدون لمقرات الدولة بالحرق وفتح النار.. ثم ترفع شعارات التنحي عن السلطة وبعد ذلك يبرز شعار إسقاط النظام.. عندها يظهر مسلسل العمل الخارجي، مؤتمرات للمعارضة المكلفة – من يمول هذه المؤتمرات ومصروفات تحرك أعضائها والمدعوين إليها – تعقد في اسطنبول وغير، تنظمها وتمولها منظمة " اتصالات الحرية " التي أنشأت في الإمارات في آب عام 2010، تتكفل بالتنسيق مع محور الشباب، أما محور أخوان المسلمين والسلفيين فقد تكفل به " منتدى التغيير " في لندن ومنسقه الشيخ (القرضاوي) و زوج ابنته المصون، وآخرون على طريق الإسلام المزيف ينخرون!!
سادساً- مراحل التصعيد كلها محسوبة وبتأني مع مراعاة خصائص كل ساحة ومكوناتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، وما يعول عليه سيناريو التصعيد هو المؤسسة العسكرية الوطنية والعمل على شقها وتفتيتها على أساس (طائفي وعنصري وعشائري ومذهبي ومناطقي)، وإذا ما حصل الانشقاق العمودي في المؤسسة العسكرية التي هي الرمز السيادي للدولة، وإذا ما أتسع الشق الأفقي في المجتمع، اندلعت حرباً أهلية لا أحد يعرف إلى أين ستصل بالبلاد والعباد حيث يحترق فيها الأخضر واليابس.
سابعاً- من المستفيد من هذا التدمير؟ هل هو الشعب؟ أي فئة أو شريحة فيه؟ أي مستقبل واعد سترثه الدولة المدمرة؟… البعض يقول سنبدأ من الصفر، وهذا ما حصل في العراق المحتل في إثر تنفيذ قرار حل الجيش العراقي العظيم ومؤسسات الدولة السيادية وتدمير مرتكزات الدولة.. أين هو مستقبل العراق وهو محتل؟ وأين مستقبل ليبيا وقبلها مصر التي هي مشروع تشظي واضح، وكذلك تونس وقبلها السودان واليمن وسوريا التي وضعوها على نار هادئة؟!
المستفيد الأول هو الكيان الصهيوني الذي يقبع خلف تصرفات أمريكا وفرنسا وبريطانيا وأعضاء الناتو، والهدف البعيد المدى هو تدمير عناصر ومقومات نهوض الأمة أولاً وضمان الحسابات المستقبلية المتعلقة بنفط المنطقة والإطباق عليه وعلى مخزونه الكبير ثانياً.. أما الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والشعوب فلتذهب إلى الجحيم.
لست ممن يدافع عن النظام السياسي الليبي كنظام قائم بذاته، فهو له أخطائه وفساده وتقلباته السياسية غير المفهومة ونزواته ومزاجه غير المنضبط وأدواته القمعية التي لا تختلف عن أي سلطات القمع في الوطن العربي والعالم، ولكن الذي يحصل هو تدمير الدولة الليبية وتمزيق شعبها العربي المسلم وتقسيم الأرض وتفتيتها بأدوات خارجية.. لو كان الأمر يتعلق برئيس الدولة الليبية فيمكن إزاحته بمختلف الوسائل الوطنية المتاحة لتبقى الدولة الليبية وشعبها العربي سالماً.
مجلس الأمن مارس عملاً ليس من اختصاصه في مسائل تخص السلطان الداخلي للدول.. والشعوب هي صاحبة الإرادة والقرار بتغيير سلطتها بالوسيلة التي تراها جديرة بالتغيير.. وإن مجلس الأمن لا يحق له أن يأذن لأي قوة مسلحة بإسقاط النظم السياسية التي هي أعضاء رسميين في الأمم المتحدة وإصدار حكم الإعدام على رؤساء تلك النظم والأمر بقتلهم، فهو بهذا الحكم والتصرف قد خرج عن ميثاقه، الذي يؤكد على إحلال الأمن والسلم في العالم فيما هو يعمل على نشر الفوضى والاضطرابات واختلال الأمن في العالم تنفيذاً لأجندة دولة مارقة واحدة مدعومة من عدد من الدول الاستعمارية التابعة لها، وارتكب أعمالاً ذات صفة إجرامية تتمثل بقتل رؤساء الدول وتدميرها وتمزيق شعوبها، وبالتالي إحلال الفوضى مكان الأمن والاستقرار في العالم!!
20/10/2011
شبكة البصرة