من ضيّع أبناءنا… وكيف ضيّعونا؟
البلاد : العدد 787 الجمعة 10 ديسمبر 2010
يذهب أكثر الباحثين إلى ارتباط السياسة بالتاريخ أكثر من ارتباطها بالاقتصاد، والدليل أن مصالح الغرب الاقتصادية مرتبطة بالعرب أكثر من ارتباطها بإسرائيل، فالعرب يقدمون للغرب الكثير من المزايا الاقتصادية ولا يقدم لنا إلا النزر القليل إن لم يكن الداء الوبيل، فإسرائيل تأخذ من الغرب أكثر مما تعطيه، ومع ذلك يميل الغرب إلى ترجيح كفة إسرائيل في كل المواقف على حساب العرب، والسبب أن للغرب وخصوصا أوروبا تجارب تاريخية مع الشرق العربي المسلم ولهم من فتح العرب للأندلس، والحروب الصليبية، واندفاع جيوش الخلافة العثمانية في أوروبا رؤية تاريخية اتخذوا منها عبرا ومواعظ.
ولذلك يخشى السياسيون الغربيون مقولة التاريخ يعيد نفسه، ولكي لا يعيد التاريخ العربي نفسه قسموا البلاد العربية في معاهدة سايكس بيكو عام 1916، وصاروا يعرقلون أي حركة للنهضة والتقدم في بلاد الشرق المسلم حتى لو استدعى الأمر التكتل العسكري والحرب كما حصل في ضرب مصر والعراق وسوريا وأفغانستان. أو عرقلة التنمية بالتآمر وإشاعة الانقسام والصراع بين أبناء الوطن الواحد في العراق والجزائر والمغرب ولبنان والسودان واليمن، وحتى بين دول الخليج التي تعد اكثر دويلات العرب تماسكا فيما بينها. وحين بدا أن العراق يتطلع لحياة أفضل واهتدى إلى الطريق وسار على درب النهضة وقفوا له بالمرصاد، وما يجري فيه هو حصاد لدسائس الغرب ومؤامراته ولا تفسير لها إلا خبايا التاريخ.
ولكي لا يعيد التاريخ نفسه صاروا يستقطبون عقولنا وعضلاتنا ويحرمون أوطاننا من فكر أبنائنا وعرقهم؟ فهم اليوم يرغبونا بالهجرة إليهم رغم أنهم لا يحبوننا؟ وصرنا نتوافد عليهم رغم أننا لا نحبهم؟
اليوم نرى ظاهرة غريبة لا نعرف من المسؤول عنها هي ضياع أبنائنا وبالتالي ضياعنا، أبناؤنا الشباب حتى المتعلم والملتزم منهم يندفع بقوة نحو غرب التغريب ولاسيما في العراق وسوريا ومصر والأردن ولبنان والمغرب والجزائر، ونراهم يطمحون بشغف إلى العيش أو اللجوء إلى الدول الغربية ويسلكون شتى الوسائل والأساليب للحصول على الجنسية الفرنجية وتعلم لغة الغرب والاستقرار هناك، ولو على أمل العودة بعد سنين وهم يحملون جنسيات غربية، وأحيانا تشجعهم الدول الغربية وتغريهم باللجوء إليها وتأويهم ولاسيما إذا كانوا حملة مؤهلات عليا، أو لا يحملون إلا الابتدائية.
أسوق مثلا ليس بعيدا لدي ابن مهندس يعمل في الخليج ويعد ناجحا، ولي أبناء إخوة وأخوات أطباء ناجحون في حياتهم ومع ذلك هاجروا إلى الغرب أميركا وكندا وبريطانيا وفرنسا وهولندا رغم عدم قناعتنا نحن آباؤهم بذلك، ورغم ما عرف عن سوء تعامل الدول الغربية مع الجنس الأسمر في الشوارع والأحياء والمطارات والموانئ والقطارات في أوروبا وأميركا، وما يشاع عن التمييز العنصري، وحين نحاورهم يقولون: كم يستلم الطبيب الأجنبي والمهندس الأجنبي والأستاذ الجامعي الأجنبي حين يعمل في بلادنا العربية بنفس مؤهلاتنا؟ وكم يتمتع بالمزايا وكيف يحترم؟ وهو ليس بأكثر منا خبرة ولا مهارة! وانظروا فلان ذهب إلى أوروبا أو أميركا سنوات وعاد يحمل جنسيتهم ويتمتع بمزاياهم التي نحرم منها لأننا نحمل الجنسية العربية.
ويقولون انظروا كيف يحترم الغربي في بلده، ومن لدن سفارته وحكومته حينما يكون في الخارج، ويحظى بالمساعدة والحماية حين يتعرض لأدنى مشكلة، وكم يهان ويسخر منا حينما نتعرض لاتهام في بلادنا ونحن أبرياء، ويتخلى عنا حينما نراجع سفارات بلادنا العربية إذا واجهنا إشكالا بسيطا أو صعبا، ويقولون نريد لأبنائنا أن لا يشعروا بالدونية التي نشعر بها لمجرد أننا نحمل جنسيات عربية ونعمل في بلاد عربية، نريد لأبنائنا أن يتقنوا اللغة الأجنبية لأن العمل في البلاد العربية لم يعد ممكنا من دون إجادة اللغات الأجنبية، تعلم اللغة وكن جاهلا خيرا لك من أن تحمل أعلى المؤهلات ولا تجيد لغة غربية، نحن نبحث عن مستقبلنا ومستقبل أبنائنا!
ويقولون الغرب يستقبلنا برحابة صدر ويقدم لنا المساعدات، والشرق طارد لنا لأننا نحمل جنسيات عربية حتى ولو كنا كفاءات؟ نريد حين تقتضي الحاجة سفر احدنا إلى الدول العربية وغيرها نسافر من دون حاجة للوقوف على أبواب السفارات وخاصة العربية ونطرد كالذباب لمجرد أننا نحمل الجنسية العربية.
وهكذا يتساقط أبناؤنا واحدا تلو الآخر ونحن ننظر إليهم بعين الحزن، والحسرة في قلوبنا، والغصة في صدورنا، وتخنقنا العبرة والدمع يتساقط ولا يسقط.
ثم لا يجد الآباء ما يدفعون به وهم أمام واقع لا دافع له، ويشعرون حقا أن العزة تأخذهم بالإثم، ولا يلبث احدهم مهما تمسك بمثله وقيمه القومية والوطنية أن يجد نفسه مضطرا إلى اللحاق بهم، ولسان حالهم يقول، لا حياة لنا من دون أبنائنا، نريد حين نمرض ان يقف أبناؤنا على رؤوسنا، نحن من غير أبنائنا ضائعون، نفضل أن نموت في أحضان أبنائنا وندفن غرباء على أن نموت في أوطاننا ولا يجد الناس من يعزونه بموتنا، لأن أبناءنا أحياء في الغرب أموات في بلادنا، وهكذا ضيعنا أبناءنا وضيعونا فمن المسؤول؟ وكيف السبيل وما هو الحل، من المخطئ ومن المصيب؟ ولماذا آل بنا المآل إلى ما نحن فيه. ابحثوا عن العلة والحل، وأفتونا مأجورين.