عيسى سيار
إن مصطلح «الريموت كنترول» السياسي ليس بالغريب علي، فقد بدأت الكتابة عن جماعة «الريموت كنترول» أو «جماعة «الشور شورك يايبه»، ومن لف لفهم بعد المهزلة التي حدثت في الانتخابات البرلمانية العام 2006 في الدوائر السنية المحسوبة على الحكومة وذلك وفقاً «للكوتة» البرلمانية المعروفة!
وواصلت الكتابة عن عدة نماذج من «الريموت» من المسئولين ورجال الدين والنواب والشوريين والبلديين والصحافيين وأصحاب المجالس الذين يتم إدارتهم عن بعد، ولكني لم أكن أتوقع من قيادي سياسي يمثل مكوناً ديموغرافياً أصيلاً في المجتمع ويرأس ائتلافاً من عشر جمعيات في حوار وطني مفصلي في تاريخ البحرين الحديث وله مطالب مشروعة في المشاركة الفعلية في القرار السياسي والسيادي، أن يعتبر نفسه ومن يمثلهم بأنهم «ريموت كنترول» في يد الحكومة! والشعب هنا يتساءل وبمشروعيه أين قيادات هذه الجمعيات الشريفة من هذه المهزلة وهذا «الريموت»؟ هناك مثل يكاد يجمع عليه أهل الخليج وهو «من جعل نفسه سبوس لعبت به الدجاج»، ويعني هذا المثل من جعل نفسه دميةً أو مطيةً في يد الآخرين سوف تلعب به حتى الدجاج! أي أنه على ضعف هذا الطير وقلة حيلته سوف يلعب بك إن جعلت نفسك «سبوساً»، والسبوس هو نخالة «حب الهريس»، أي العلف -عزكم الله- الذي يقدم للطيور والحيوانات.
إن شرفاء الشارع السني بكافة أطيافه لم يقبلوا في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات والتسعينيات من القرن الماضي ولن يقبلوا الآن، أن يكونوا مطيةً في يد الحكومة أو أية جهة أخرى، وسوف يكون ولاؤهم دائماً وأبداً لوطنهم وسيادته. هل تذكر يا أخ أحمد جمعة المناضلين عبد العزيز الشملان وإبراهيم محمد فخرو وعبدالرحمن الباكر وإبراهيم بن موسى وعبدالله فخرو وغيرهم من المناضلين السنّة الذين ناضلوا ضد الاستعمار والظلم يداً بيدٍ مع رجالات المكوّن الشيعي الأصيل، المناضلين الحاج عبدعلي العليوات والحاج محسن التاجر وسيد علي السيد إبراهيم النعيمي والحاج عبدالله أبوديب وغيرهم.
هل تذكر هيئة الاتحاد الوطني والإضراب الشعبي الكبير الذي عمّ مدن وقرى البحرين في الأعوام 1954-1956 وشلّ كل مفاصل الحياة فيها وشاركت فيه كافة مكونات الشعب البحريني. يومها لم يكن أهل البحرين الشرفاء يعرفون أو حتى يتفوهون بكلمة شيعي وسني، أو معارضة وموالاة، يومها كان الشعب كله في خندق واحد ضد الاستعمار والظلم والاستبداد.
هل تذكر الشهداء بونوده والقصاب والغانم وكوكبة طويلة من الشهداء والمعتقلين والمنفيين الذين لولاهم ولولا تضحياتهم لما حصلنا على جزء من حقوقنا السياسية المشروعة التي ننعم بها الآن، ولما جلست أنت وغيرك على طاولة الحوار، ولما جلس نواب «الريموت» تحت قبة البرلمان. وبما أنك أديب أهديك ما قاله عنهم الشاعر أحمد العجمي: «ها أنتم تنامون بقلب الشمس…
لم تبعدوا، في الأرخبيل فرشتم أيها الأقمار أجنحة لأحفاد الرؤى. في الأرخبيل بقت ملامحكم علامات لنا».
هل سمعت يا أخ أحمد بأن نظاماً عربياً أو أن أحد أنظمة العالم الثالث قد قدّم الحقوق المشروعة لشعبه طوعاً وعن طيب خاطر ما عدا الزعيم السوداني الشريف سوار الذهب، وهذه حالةٌ نادرةٌ في العالم كما تعلم، فالحاكم العربي عندنا من الكرسي إلى القبر… أليس كذلك؟ إن الشارع السني وأهله الشرفاء لهم مطالب سياسية ومعيشية عادلة، أعلنت في تجمع الفاتح الأول العام 2011 وهي لا تقل أهمية وجذرية عن المطالب التي تطالب المعارضة بتحقيقها. هذه المطالب يجب أن تضعوها على طاولة الحوار وتصرون على تحقيقها. يا قيادات الفاتح هل تبخسون الشعب البحريني حقه في العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية والعيش الكريم؟ ماذا ستقولون لجماهير الفاتح الشريفة التي وضعتم لهم الشمس في يد والقمر في اليد الأخرى بعد الضربة القاضية والقاصمة التي وجّهتها لكم الحكومة بشأن رفضها الزيادة في الرواتب؟ هل ستحشدون الحشود وتقودون الإعتصامات للضغط على الحكومة؟ أم الخروج على طاعة أولي الأمر محرّمٌ شرعاً؟ أم ستقومون بالاستجداء؟ ماذا تبقى لكم يا قيادات الفاتح تتظللون به يوم لا ظل إلا ظله؟ هل بقت نقطة حياء؟ اعترفوا بفشلكم وعجزكم واستقيلوا بشرف لأنكم أصبحتم «سبوساً» باعترافكم! واتركوا المجال لمن يستطيع القول إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر»، أو قولوا للشعب البحريني الذي يعاني الأمرين في حياته المعيشية: من أنتم؟ من تمثلون؟ ماذا تريدون؟ ما هي مطالبكم؟ ما هو موقفكم من رفض الحكومة زيادة الموظفين وتحسين ظروفهم؟ ماذا أنتم فاعلون؟ هل تواجدكم على طاولة الحوار لتحقيق مطالب الشعب البحريني التاريخية المشروعة أم لإفشال الحوار أو تعطيله وإطالة أمده إلى مئة عام كما صرّحتم؟ من يحرّككم؟ هل هي حقوق الشعب البحريني أم تتحركون فعلاً «بالريموت» كما صرحتم؟ إن الائتلاف السياسي الوطني والمعروف سياسياً بالموالاة والذي يضم في عضويته عشر جمعيات سياسية على الأقل ست منها لا يتجاوز عدد أعضائها الفاعلين عدد أصابع اليدين، والذي قال عنهم ناطقهم الرسمي بأنهم «ريموت كنترول»، مطالبون بل مدينون للشعب البحريني بشكل عام وجماهير الفاتح الشريفة بشكل خاص باعتذار صريح. كما أطالب شرفاء الشارع السني بالضغط على الائتلاف عبر كل الوسائل السلمية من أجل تصحيح نهجهم ومسارهم السياسي الخاطئ والمعيق في الحوار، كما أطالب الائتلاف اليوم قبل الغد بإعادة النظر في بعض من يمثلهم في الحوار واستبعاد ومحاسبة من أساء إلى التاريخ النضالي للشعب البحريني.
إذا هم قبلوا أن يكونوا «سبوساً» تلعب بهم حتى الدجاج، وقبلوا أن يكونوا (الطوفه الهبيطه) فهذا شأنهم، ولكن شرفاء الشعب البحريني لن يقبلوا أن يكونوا كذلك. وعليهم أن يدركوا جيداً قبل فوات الأوان بأنهم لا يمثلون أنفسهم وجمعياتهم وائتلافهم فحسب، بل يمثّلون مكوناً أصيلا، فإمّا أن يتحلوا بالأمانة والاستقلالية والنزاهة الوطنية ويحملوا آمال وطموحات الشعب البحريني في أعناقهم، وإمّا أن ينسحبوا أو يتم تغييرهم بكوادر قادرة أن تضع مسافة بينها وبين النظام السياسي وأن لا تكون كاثوليكيةً أكثر من البابا.
وعلى جميع من يجلس على طاولة الحوار أن يكون على مستوى المسئولية التاريخية، والشعب البحريني لم ولن يقبل بعد كل هذه التضحيات الجسام وعلى مدى قرن من الزمان، أن يكون «سبوساً» ويعود خالي الوفاض. وأعتذر شخصياً للشعب البحريني عن استخدام كلمتي شيعي وسني لأن الواقع السياسي والاجتماعي فرض علي استخدامهما بقصد التحليل السياسي فقط، ولتبصير القارئ بما يدور في الساحة… فمن يرفع الشراع؟