قاسم حسين
احتل خبر قرار وزير الداخلية بمنع التجمعات والفعاليات السياسية حتى إشعار آخر، موقعاً متقدماً في شريط أخبار الفضائيات والوكالات خلال اليومين الأخيرين.
القرار سبقه تمهيد إعلامي، صحافي وتلفزيوني، قبل أسابيع لحرث الأرض داخلياً لقبوله، وكان بانتظار الفرصة للإعلان. وجاءت الفرصة بعد حصار قرية العكر لعدة أيام، وما أثاره من ردود فعل، انتهت بعدة محاولات من قبل نشطاء حقوقيين وجمعيات معارضة لكسر الحصار. وكان آخرها إعلان مسيرة سلمية باتجاه القرية المحاصرة، بادرت الداخلية بإعلان أنها غير مصرحة، فحولتها الجمعيات إلى تجمّع داخل القرية.
لم تكن السلطة تتوقع أن تسمع في هذا التجمع عبارات الثناء على سياساتها وخصوصاً الأمنية بطبيعة الحال، ولم تكن الشعارات التي رُفعت تختلف كثيراً عن بقية تجمعات المعارضة، لكن السلطة أرادت أن تنتهز هذه الفرصة، بإعلان منع كامل لجميع الفعاليات جملة وتفصيلاً!.
المعارضة أعلنت رفضها هذه السياسة التي ستعيد البحرين ثلاثة عقودٍ إلى الوراء، وستزيد من خنق ما تبقى من هامش الحريات المحدود. وسارع الكثير من الحقوقيين والمحامين والسياسيين إلى صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، لتسجيل اعتراضهم على هذه الخطوة غير القانونية. فليس من الجائز كلما حدثت مشكلةٌ يمكن تطويقها بصورةٍ حضارية، نلجأ إلى العنف وخرق القانون وسحق مواده تحت الأحذية.
العالم الخارجي، دولاً كبرى صديقة أو صحافةً أو منظمات حقوق إنسان، سينظر إلى هذه الخطوة على أنها خنق لما تبقى من حريات هي في الأصل محدودة. وقد صدرت عدة تقارير دولية عن تراجع الحريات منذ العام 2009، وزادت التقارير الموثقة أضعافاً بعد حراك 14 فبراير 2011. فلم يكن مفاجئأ أن يصرح مسئول بريطاني كبير بأن منع جميع المهرجانات الخطابية والتجمعات بهذا الشكل كان مفرطاً، ويطالب بسرعة إعادة النظر فيه. فقد باتت المظاهرات السلمية حقاً ديمقراطياً ثابتاً وبديهياً في عالم السياسة اليوم، لا يخضع للقرارات الفوقية التي تبيحه يوماً وتمنعه يوماً آخر.
العالم الخارجي سيعتبر هذا المنع الشامل للحركة السياسية نكسةً كبيرةً للحريات في البحرين، وستكون له نظرةٌ سلبيةٌ لما يصدر من بيانات تأييد لهذه الإجراءات القمعية، سواء صدرت باسم نواب أو جمعيات سياسية أو دينية من الموالاة. فلم يعد مقبولاً دولياً، تحريك بعض الكتل النيابية أو المجاميع الشعبية لمساندة إجراءات غير دستورية، ومخالفة للقانون وللعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي من أبسط مبادئه حرية الإنسان في التظاهر السلمي والتعبير عن موقفه السياسي من دون ملاحقة أو مصادرة أو عقاب.
إنها ظاهرة بحرينية خاصة، ما يتم اكتسابه في عقود، من خلال تراكم النضال الوطني والحراك الشعبي، يتم تجميده بقرار حكومي، يتجاوز القانون والدستور. ولعل الأغرب من ذلك تواجد بعض النواب، في الصف الأول للدفاع عن سياسات الحكومة في تقييد ما تبقى من الحريات. وكتب أحدهم بياناً وزّعه على الصحف لفت فيه أنظار العالم إلى تعدي المسيرات السلمية على الممتلكات العامة والخاصة، وتعطل المرافق العامة والخاصة (هذه لم أفهمها)، وعرقلة الحركة المرورية، واستهداف المواطنين والمقيمين ورجال الأمن، علماً بأن التجمع الأخير للمعارضة الذي اتخذ ذريعةً للمنع، كان في ساحة عامة، بعيداً عن الشارع العام، وكان الجمهور جالساً على كراسٍ بلاستيكية ولم يكونوا مشاة في مسيرةٍ ليهدّدوا أرواح الكائنات!
لا تنسوا، للتاريخ، الاعتصام الأخير الذي اتخذ ذريعةً للمنع، كان احتجاجاً سلمياً على حصار قرية صغيرة في وسط البحرين.