محمود القصاب
في المقال السابق حاولنا من خلال بعض الأفكار والملاحظات العامة رسم خط سير للحوار كما نتصوره، ولأن معادلة هذا الحوار لا يمكن أن تكتمل بطرف واحد، سنحاول في هذا المقال التطرق بشكل مختصر ودون الاستغراق في التفاصيل إلى أهم الأسس والمبادئ التي نجزم بأنها تمثل الطرف الثاني، والأهم في المعادلة التي يمكن أن تكون بمثابة خريطة طريق للمتحاورين لضمان بلوغ الغاية الحقيقية للحوار، سواءً اتخذ هذا الأخير الصورة العلنية أو تم بعيداً عن الأضواء.
فيما يتعلق بالأسس هناك:
أولاً: القاعدة التي سينطلق منها المتحاورون. والتي يحب أن تكون قاعدة وطنية وليست دينية أو مذهبية، وهو ما يستوجب رفض أسلوب المحاصصة الطائفية، كونه يتعارض مع مفهوم الدولة المدنية الديمقراطية التي تتصدر مطالبنا الإصلاحية. وهذا يعني أن الأطراف والقوى المعنية ستشارك وفق انتماءاتها الوطنية والسياسية وليس المذهبية، كما يريد البعض منها. لذلك عليها أن تقدم تصوراتها ومقترحاتها للحلول السياسية المتعلقة بشأن مستقبل الحياة السياسية وفق هذا المنظور الوطني.
ثانياً: مطلوب من الدولة تهيئة أجواء الحوار وخلق الأرضية المناسبة والمساعدة على لمّ الشمل، وإعادة بناء جسور الثقة التي تصدعت بين المكونات السياسية والمجتمعية ذاتها من جهة وبين هذه الأخيرة والسلطة السياسية من جهة ثانية. وعلى صلة بهذه المسألة المهمة، فإن الدولة مطالبة بالتقيد بالأطر القانونية والإنسانية في تعاملها مع قضية المعتقلين السياسيين والمفصولين من وظائفهم في القطاعين العام والخاص. وثالثاً: مطلوب من جميع القوى المنضوية والمتصدية للحوار الالتزام بقيم التسامح والابتعاد عن لغة التحريض والتمادي في وضع الشروط التعجيزية التي يراد منها إفشال عملية الحوار قبل أن تبدأ. لذلك على هذه القوى أن تثبت حسن نواياها بنزع «رايات» التعصب الطائفي ومغادرة عقلية الثأر والانتقام التي ميزت خطابها وسلوكها طوال فترة الأزمة، والتي كانت تستهدف بعض مكونات وفئات المجتمع والقوى السياسية المعارضة بشكل فاق كل تصور وتجاوز كل منطق.
رابعاً: وأخيراً ضرورة أن تقر القوى المشاركة اعتماد مبدأ الحلول التوافقية، أي الحلول القائمة على «بنيات وطنية» داخلية وآليات دستورية، تعتمد مبدأ الشعب مصدر السلطات، الذي يعطي الشعب حق تطوير نظامه السياسي وفق ما جاء به ميثاق العمل الوطني الذي توافق عليه شعب البحرين والقيادة السياسية. كما أن هذا المبدأ يستوجب أخذ موافقة الشعب في كل القضايا المصيرية التي تتعلق بحاضره ومستقبله، سواءً تم ذلك بالصيغة الانتخابية المباشرة، أو بصيغة الاستفتاء العام.
فالتمسك هنا بالمسألة التوافقية، تعني القبول بمبدأ التسويات والتنازلات المتبادلة، وهذه قضية أساسية تكتسب في الظروف الراهنة أهمية خاصة، نظراً لعمق الخلافات بين قوى المجتمع السياسية والاجتماعية، في ظل مجتمع ممزق ويفتقر إلى وعي التعامل مع أصول السياسة وقواعدها المتعارف عليها، إلى جانب طغيان أجواء من الاحتقان الطائفي والتوتر المذهبي داخلياً وإقليمياً. ولكل هذه الأسباب نحن ندعو جميع القوى إلى اعتماد آلية التوافق والتراضي، باعتبارها إحدى الآليات العملية والمشروعة في مقاربة الخلافات وحل المنازعات، والوصول إلى حلول وتسويات دون إبخاس حق أحد أو الانتقاص من دوره المفترض في إدارة شئون البلاد على كل المستويات.
هذا ما يتعلق بالأسس، أما المبادئ العامة، التي تشكل جوهر أي حل قادم للمعضلات السياسية والدستورية التي تعاني منها البلاد، فتتلخص أولاً في التعديلات الدستورية التي يجب إدخالها على دستور 2002، والتي لا يجب أن تتوقف عند الحدود الشكلية والمتواضعة التي خرج بها مؤتمر الحوار الوطني السابق، وقامت الحكومة قبل أيام بتقديمها إلى مجلس النواب لإقرارها، وتم تأجيل مناقشتها مدة شهر لإفساح المجال لتطويرها وفق تصريحات بعض الجهات الرسمية وعدد من النواب. وعلى ما يبدو أن قرار التأجيل هو قرار حكومي بالأساس، وجاء على خلفية ما يجري التحضير له من جولات حوار قادم مع القوى السياسية المعارضة التي رفضت تلك التعديلات الشكلية، لأنها لا تستجيب لمبدأ المملكة الدستورية التي نص عليها ميثاق العمل الوطني خصوصاً في مسألتي صلاحيات البرلمان المنتخب والحكومة التي تمثل إرادة المواطنين.
وهذه النقطة تقودنا إلى المسألة الأخرى التي ينبغي التوافق بشأنها وهي انتخاب مجلس النواب بالصيغة التي تجعله ينفرد بكل الصلاحيات التشريعية والرقابية، وما يتبع ذلك من ضرورة وجود نظام انتخابي عادل يساوي بين أصوات المواطنين ويعتمد وجود دوائر انتخابية تتصف بالعدالة والتوازن وتسمح بتمثيل كل فئات ومكونات الشعب في البرلمان. باختصار، يجب فتح الباب أمام حياة انتخابية حقيقية، أما القضية الأخرى التي ينبغي التوافق عليها نظراً لأهميتها وحجم الخلاف الجاري حولها، هي قضية الحكومة التي تمثل إرادة الشعب والتي يجب أن تحوز على ثقة البرلمان وتخضع لمحاسبته ورقابته أيضاً، على مستوى الوزراء وعلى مستوى برنامج العمل السياسي المقدم من جانبها.
ان هذه المبادئ التي أشرنا إليها بشكل عام هي في الواقع المبادئ نفسها التي تضمنتها مبادرة سمو ولي العهد بنقاطها السبع المعروفة، التي قبلتها القوى السياسية المعارضة في حينها ورحّبت بها، وليس كما يشاع أو يروج له بأنها قد رفضتها.
وأخيراً لابد من الإشارة إلى مجموعة أخرى من المبادئ العامة التي ينبغي استحضارها والاهتمام بها أيضاً، كخطوات مكملة لسد أية ثغرة محتملة في الحياة السياسية والاجتماعية المقبلة، بعضها يتعلق بتطوير المستوى المعاشي للمواطنين في كل المجالات، وأخرى تهتم بمبدأ المواطنة الدستورية التي تجعل المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات دون تمييز على أساس المذهب أو العرق أو الجنس. وكذلك المحافظة على التوازن السكاني والهوية الوطنية للبحرين من خلال إعادة النظر في سياسات التجنيس والحد من العمالة الوافدة والتأكيد على مبدأ الانتماء العربي للبحرين وتعزيز علاقاتها القومية كونها جزءاً من منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربي.
إن التوافق على هذه القضايا يضمن إقامة نظام ديمقراطي تعددي يصون حقوق كل مكونات وأطياف المجتمع دون تهميش أو إقصاء، ويضمن كذلك وحدة شعبنا وسيادة وأمن وطننا