هاني الفردان
مقطع مصور جديد انتشر يوم الثلثاء (5 أبريل/ نيسان 2015) لواقعة حدثت في منطقة شهركان، وتتعلق بقيام أحد منتسبي الأجهزة الأمنية بإلقاء قنبلة صوتية داخل أحد المنازل وإغلاق آخر الباب على من بداخله، فيما يتعالى صراخ نساء وأطفال.
الواقعة صدر بعدها تصريحان رسميان، عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، من قبل وحدة التحقيق الخاصة ووزارة الداخلية، يعلنان فتح تحقيق في الحادثة.
بعيداً عن مخرجات التحقيقات الرسمية، فالمقطع المصوّر صور الحادثة بدقة متناهية حيث يظهر رجل الأمن وهو يقوم بما قام به متعمداً، بإلقاء القنبلة داخل المنزل، وإغلاق الباب على من فيه من البشر!
وفي مثل هذه الحالات، لا يمكن أبداً تبرير اللجوء إلى استخدام «القوة» التي ربما قد توصف بـ «المميتة»، والتي رفضها القانون، كما أن قرار وزير الداخلية رقم (14) لسنة 2012 بشأن إصدار مدوّنة سلوك رجال الشرطة، أطّر استخدام القوة في ضرورة ألا تستخدم القوة إلا عند الضرورة القصوى، أو استخداماً لحق الدفاع الشرعي المنصوص عليه في القانون.
كما يشترط أن تكون القوة هي الوسيلة الوحيدة لردّ العدوان على رجل الشرطة، أو لإنقاذ حياته وحياة الآخرين، مع ضرورة إعمال مبدأ «التناسب» بين الخطر المحدق على الحياة والأموال العامة والخاصة واستخدام القوة.
المشهد، لم يكن فيه ما يبرّر ما حدث إن كان هناك تبرير فعلاً، فلا يوجد منطق وعقل يقبل ذلك المشهد في أقصى مساحات التكهنات والافتراضات، فلا مقاومة، ولا خطر، ولا مساحة للدفاع عن النفس، ولا شيء من ذلك كله، غير إساءة استخدام الصلاحيات.
مدوّنة سلوك الشرطة اعتبرت استعمال الأسلحة النارية تدبيراً أقصى، وينبغي بذل كل جهد لتلافي استعمالها، كما أكّدت على ضرورة توقف استخدام القوة متى انتهى السبب المفضي إلى استخدامها.
والسؤال: هل كان من في ذلك المنزل في شهركان في حالة تشكّل خطراً على رجال الأمن؟ خصوصاً أن المقطع أظهر بوضوح أن رجال الأمن أوقفوا قبل إلقاء القنبلة الصوتية شباباً كانوا موجودين داخل المنزل وأخرجتهم منه، ومن ثم تم إلقاء القنبلة الصوتية وإغلاق الباب على من فيه من أطفال ونساء.
سؤال لازلت أطرحه منذ صدور مدونة الشرطة في (1 مارس/ آذار 2012)، أي منذ أكثر من أربعة أعوام: هل أصبحت قوات حفظ النظام على درجة عالية من الحرفية والانضباطية في استخدام القوة، وهي غير قادرة على ضبط النفس؟ وعدم استخدام السلاح الناري إلا في حالات «القوة المميتة»، وفي حالات الدفاع عن النفس وبشروط حددتها مدونة السلوك أيضاً؟ وليس بهذه الطريقة.
المبادئ العامة التي أوردتها المدونة في البند الخامس «مبادئ الشرطة»، نصّت على أن تلتزم الشرطة بتطبيق مبادئ معينة خلال تنفيذها مهامها من بينها «الإنسانية» في التعامل مع كافة أطياف المجتمع بأسلوب حضاري وإنساني. فهل كان ذلك المشهد يعكس ذلك المبدأ الإنساني؟
في كلمةٍ لوزير الداخلية سبقت مدونة سلوك رجال الشرطة، أكّد على أن هذه المدونة ستمثل «عهداً جديداً وطريقاً سديداً لبناء جسور الثقة بين المجتمع البحريني الواحد وجهاز الشرطة، قوامه سيادة القانون والنزاهة والشفافية والتسامح وكسر الحواجز النفسية بينهما». تلك الجهود التي لم تكن موجودة من قبل وسعت المدونة لإيجادها، لازالت تحتاج إلى تطبيق على الأرض، ليطمئن الجميع من سلامة كافة الاجراءات. فما حدث يظهر أن بعض عناصر الأمن لازالوا يخالفون المدوّنة الرسمية، فينتهكون حقوق الإنسان ويتعدّون على حرمات الناس، ويسيئون استخدام ما بيدهم من أسلحة نارية وصلاحيات.
المدونة تنصّ على أن رجال الشرطة هم في الحقيقة «يمثلون الدولة وأداتها الفاعلة في ممارسة حقها لتحقيق الاستقرار للصالح العام، بما يضفي على عملهم نوعاً من القداسة والمهابة نظراً لما يسند إليهم من صلاحيات مهمة وخطيرة تتصل بالإنسان وقد تنال من حريته في أحيان كثيرة بالقانون وباسم الدولة».
الكلمة التي رافقت قرار إصدار المدونة نصّت على أن «المدونة وما جاء فيها من مبادئ ليست للتنظير ولكنها للتطبيق»، وقد مرّ على صدورها 48 شهراً، والخشية أنها مازالت تنظيراً لم يرتقِ للتطبيق لتكرر الشواهد التي تنقض الأقوال، فمتى يتم الالتزام بالمدوّنة الرسمية؟