حسن المدحوب
أظن أنه لم يتبق على وزارة الصحة ومن ورائها ديوان الخدمة المدنية والحكومة، إلا أن تضع لافتات أمام مقراتها تعلن فيها صراحةً أن توظيف الأطباء البحرينيين ممنوع، وأن الوزارة والديوان والحكومة تفضّل أن توظف غير البحرينيين عليهم.
صحيح أنه سيكون مشهداً غريباً غير مألوف وغير مستساغٍ ومستهجناً، ولكنه ببساطة سيجسّد الواقع الذي لا يمكن نكرانه اليوم، خصوصاً ونحن نرى الالتفاف الواضح على حقوق هؤلاء الأطباء البحرينيين ومكتسباتهم، فقرار الصحة ومن ورائها ديوان الخدمة ومن ورائهما الحكومة، بعدم توظيف الأطباء البحرينيين والاكتفاء بتدريبهم خمس سنوات مع امتحانهم سنوياً، إنما يعكس تشكيكاً واضحاً في كفاءة هؤلاء الأطباء الذين لم ينالوا أصلاً بعثاتهم في الطب إلا لكونهم كانوا خيرة خريجي طلاب البحرين، بل كانوا من النوابغ والنابهين جداً.
نسأل وزارة التربية ومن ورائها الحكومة الموقرة: هل هذا القرار الجديد أفضل بالنسبة إلى الأطباء البحرينيين أم أسوأ؟ إذا كنتم تقولون أنه أفضل لماذا كل هذه الاعتراضات عليه؟ وإذا كان أسوأ فلماذا تتفننون في إذلال الأطباء البحرينيين الذين تعبوا وشقوا وتفوّقوا وتخرّجوا وكل آمالهم أن يحظوا بوظيفة طبيب يمارسون من خلالها دورهم في خدمة وطنهم وشعبهم، ويستقرون بأوضاعهم الأسرية والمادية؟
وزارة الصحة تقول إن الإقبال على شواغرها التدريبية من الأطباء الخريجين كان كبيراً، كلامكم صحيح، ولكن هل تعلمون لماذا؟ لأن مستقبلهم جميعاً بأيديكم ولا توجد لديهم خيارات أخرى. لقد ملأوا الصحف بأصواتهم الرافضة لقراركم، وأوصلوا كلمتهم لكم، من أصغر مسئول وحتى الوزير، ولكن بلا فائدة.
ما يجري في وزارة الصحة الآن، لا يختلف كثيراً عمّا يجري في أغلب وزارات وهيئات الحكومة، وهو حقيقةً أمرٌ غير مفهوم وغير مبرر، فالأبواب تغلق وتضيق أمام البحرينيين وترقياتهم ويمنع توظيفهم، فيما تفتح على مصاريعها أمام الأجنبي، والعجيب دائماً أن كل الوزارات تشيد بأداء البحريني وتحلف على كفاءته ليل نهار، ولكنها تعمل دائماً على استبداله بآخرين من مختلف بلدان العالم.
هل تريدون يا سادة أن يذهب الطبيب البحريني إلى دول العالم ويأخذ جنسيتها حتى تعيدونه إلى البحرين معزّزاً مكرماً وتقدّمون له الوظيفة على طبقٍ من ذهب، وتسكبون له سكباً الامتيازات سكناً وراتباً وعلاواتٍ وحتى بدل غربة كما تفعلون مع بعض الأطباء غير البحرينيين؟
مأساتنا في البحرين أن المواطن -وهنا أقصد كل مواطن وليس من هذه الفئة أو تلك- بات يشعر بالغربة الشديدة في بلده، وأن حقه مسلوب يتنعم به الغريب الداني والقاصي، ويشعر أن كرم بلاده يذهب لمن عداه، وأن الخير الذي يتحدث به الكل مكتوب عليه «ممنوع وصوله للبحرينيين»!
نقول لكل المسئولين الجالسين على مقاعدهم الوثيرة، والذين يتخذون القرارات الخاطئة بجرة قلمٍ دون التفكير بمستقبل الناس وطموحاتهم، نقول لهم لقد أخطأتم ليس بحق طبيب أو معلم أو مهندس عاطل، بل بحق كل الوطن ومستقبل أبناء هذا الوطن، الذين هم أحق بكفاءتهم وجدهم واجتهادهم بخير بلادهم، قلناها مراراً ونعيدها «يشقى بنوها والنعيم لغيرهم»!