قاسم حسين
في كلمتها بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، قالت المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي إن «مختلف هيئات الأمم المتحدة التي تتعامل مع التعذيب، بما في ذلك مكتبي، تتلقى تقارير مروعة عن التعذيب في أماكن الاعتقال، سواء لانتزاع الاعترافات أو لتخويف منتقدي الأنظمة».
بيلاي التي تنحدر من أصل هندي، من مواليد جنوب إفريقيا، وهي من أوائل المحامين من غير البيض الذين سُمح لهم بالعمل في ناتال مطلع الستينات، الفترة التي سجن فيها نلسون مانديلا، وقد تولّت الدفاع عن المناضلين ضد سياسة الفصل العنصري، ومناهضة التعذيب في السجون. وعملت في المحكمة العليا في جنوب إفريقيا، وانتخبت قاضياً في المحكمة الدولية الجنائية الخاصة برواندا. ودفعت إلى اعتبار الاغتصاب «من أعمال الإبادة الجماعية، بعد أن كان ينظر إليه كأحد غنائم الحروب».
بيلاي التي تمثل الضمير العالمي بحكم موقعها، قالت في كلمتها إن «أكثر ضحايا التعذيب أناسٌ عاديّون، غالباً ما ينتمون إلى أضعف قطاعات المجتمع، والأفظع أنّه حتى الأطفال لم ينجوا من التعذيب». وهي شهادة تثير الكثير من الشجون، وخصوصاً في البلدان التي تدهورت فيها حقوق الإنسان بدرجة مريعة، حتى بتنا نشاهد أطفالاً دون الخامسة عشرة يتعرضون للسجن ويقدَّمون للمحاكمات، وآخرين دون الرابعة يتعرضون إلى إصابات يفقدون فيها أعينهم، ليعيشوا معوَّقين بقية حياتهم، كما حصل مع الطفل أحمد النهام.
الحقوقيون اليوم في البحرين يعتبرون أن التنفيذ الجدي لتوصيات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف، إلى جانب توصيات لجنة بسيوني لتقصّي الحقائق، من شأنهما أن يمهِّدا الطريق لمصالحة وطنية حقيقية، وتحقيق العدالة الانتقالية التي تحتاجها البحرين أكثر من أي وقت مضى.
الجمعيات الحقوقية الحقيقية، التزمت في الأزمة الأخيرة، بواجب توثيق الانتهاكات التي طالت قطاعات واسعة من المجتمع، أطباء وممرضين ومعلمين ورياضيين وإعلاميين وإداريين وعمالاً وموظفين. وتلقت لجنة الرصد والتوثيق بالجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، 1374 شكوى بخصوص التعرض للتعذيب أثناء الاعتقال، خلال الفترة من 13 مارس/ آذار 2011 إلى يونيو/ حزيران 2012، فيما وثقت دائرة الحريات وحقوق الإنسان في جمعية «الوفاق» 1866 شكوى من ضحايا التعذيب. وهناك قضايا أخرى موثقة لدى المراكز الحقوقية الأخرى، أو أصبحت جزءاً من تقرير بسيوني، الذي يمكن اعتباره سجلاً رسمياً موثقاً في هذا الخصوص، رغم عدم شموله كل القضايا، بسبب عدم تسجيل كثيرٍ من الضحايا قضاياهم، يأساً من العدالة والإنصاف.
قبل سبع سنوات، طالب تحالفٌ من مؤسسات المجتمع المدني بتطبيق فكرة العدالة الانتقالية، استلهاماً من تجارب بعض الدول التي مرت بسنوات الرصاص والدم، مثل المغرب وجنوب إفريقيا، حيث اعتمدت على مبادئ قانونية واضحة، مثل جبر الضرر، والمصارحة والمصالحة الوطنية. وهي أفكار عملية، استندت إلى حقيقة سيكولوجية عبّر عنها مانديلا بقوله: «الضحية يمكن أن تغفر ولكن لا تنسى»، وهي حقيقةٌ يفترض أن يستوعبها الجميع في البحرين.
ملف التعذيب يزداد اكتظاظاً بأسماء مئات الضحايا والعوائل الثكلى، والسجناء والمعتقلين والمنفيين والممنوعين من العمل والسفر. ولدينا من المستجدات عشرات الحالات من المعوقين أكثرهم من الشباب والأطفال. إنه ملفٌ مثقلٌ بالآلام والمعاناة.
في العام 2010، أصدرت منظمة «هيومان رايتس ووتش» تقريراً بعنوان «عودة التعذيب في البحرين»، أثار غضب واحتجاج الجهات الرسمية، لكن بعد أربعة أشهر شهدت البلاد انتهاكات واسعة أطاحت بسقف التقرير المذكور وجعلته ذكرى من الماضي السحيق.