قبل اختتام جلسة اعتماد تقرير البحرين في مجلس حقوق الإنسان بجنيف وقع تلاسن بين رئيسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لورا ديبوي لاسير، ورئيس وفد البحرين الرسمي وزير شئون حقوق الإنسان صلاح علي بعد ان أشارت رئيسة المجلس الى ضرورة عدم مضايقة السلطة البحرينية لممثلي المجتمع المدني الذين حضروا الى جنيف عند عودتهم للبحرين. وقد عددت عددا منهم من بينهم مريم الخواجة.
وقالت رئيسة مجلس حقوق الإنسان، مخاطبة رئيس الوفد البحريني الرسمي: "تم إبلاغي في الآونة الأخيرة، أن هناك حملة إعلامية في بلادكم، تسعى لتهديد ممثلي مؤسسات المجتمع المدني المشاركين في اجتماعات جنيف، وتأكدنا من ذلك من خلال مركز خدمات الأمم المتحدة، وأود أن أعبر عن قلقي من هذه التقارير الإعلامية، كما أود تذكيركم أن تخويف هؤلاء يتعارض مع مبدأ المشاركة الديمقراطية الذي هو مصدر إلهام هذا الاستعراض الدوري الشامل باعتباره إحدى آليات عمل المجلس".
وأكدت أنه "لذلك تود تذكير السلطات البحرينية بالتأكد من عدم الانتقام من أي من أعضاء الوفد الأهلي أثناء عودتهم إلى بلادهم، بسبب مشاركتهم في اجتماعات مجلس حقوق الإنسان أو أي من آلياته".
وشددت على أن قولها "يعتمد على قرار سابق من مجلس حقوق الإنسان، الذي يرفض أية محاولة لتخويف أي أشخاص أو جماعات من المجتمع المدني يتعاملون أو لا يتعاملون مع مجلس حقوق الإنسان أو ممثليه أو آلياته".
ودعت السلطة البحرينية "للإلتزام بهذا القرار، وتوفير الحماية لهؤلاء الأشخاص على ضوء ذلك".
وقالت: "وأود تذكيركم أن الدور الأساسي الذي تلعبه مؤسسات المجتمع المدني في عمل المجلس، تعبير عن ممارسة حرية التعبير والتجمع وتشكيل الجمعيات التي تتوافق مع مبادئ حقوق الإنسان".
ومن جانبه، حاول وزير الدولة لحقوق الإنسان تفنيد ما ورد في مداخلة رئيس مجلس حقوق الإنسان حول وجود تهديدات يتعرض لها مشاركون من المعارضة فى اجتماع المجلس.
واكد على فى تعقيبه على تقرير السفيرة ديبوى امام مجلس حقوق الإنسان في دورته الثالثة عشرة للفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل، انه لا يوجد اى جهة تهدد اى شخص سواء كان مشاركا فى هذا الاجتماع او غيره من منظمات حقوق الانسان واعتبر هذا الكلام عاريا تماما عن الصحة.
وقال ان البحرين تؤكد على احترامها لحقوق الانسان مشيرا الى تواجد ممثلين عن جمعيات المجتمع المدنى وجمعيات حقوق الانسان فى البحرين وهم يتنقلون بكامل حرياتهم من بلد الى اخر ومن مكان الى اخر دون مصادرة لأى حرية من حرياتهم.
وتابع قائلا.. ربما وصلت الى المجلس معلومات غير موثقة او غير دقيقة، وأعلن وزير الدولة لحقوق الانسان استعداده التام للاستماع الى الجهة التي اوصلت هذه المعلومات ان كانت لديها ادلة مادية واضحة تؤكد حدوث ذلك للتحقيق فيه والدفاع عنه.
إلا أن رئيسة المجلس، عقبت على مداخلته بالقول: "أنا هنا فقط أشاركك بما ورد في التقارير الإعلامية، ولا أقول إنها الحكومة، أليس كذلك؟، وأنا هنا أقول إنه يجب على الحكومة توفير الحماية لهؤلاء الأشخاص الذين تم تهديدهم، ممن شاركوا في هذا المجلس، وهذا دور الدولة في حماية هؤلاء".
وقد أعترض مندوبو جمهورية بيلاروسيا والمملكة العربية السعودية ودولة الكويت والجمهورية اليمينة (أربع دول من أصل 67 دولة في المجلس) الحديث الذي ورد فى تقرير رئيس مجلس حقوق الانسان اثناء مناقشة تقرير الاستعراض الدورى الشامل لمملكة البحرين، واعتبروا اثارة قضايا تتعلق بممثلى منظمات غير حكومية خلال مناقشة تقارير الدول اخلالا بنظام واجراءات الجلسة وسابقة غير معهودة فى نظام عمل مجلس حقوق الانسان.
وردت عليه رئيسة المجلس بالقول: "نعتقد أنه من واجب المجلس أن يضمن الحماية لهؤلاء الأشخاص".
من جانبه عبر مندوب جمهورية بيلاروسيا عن رفضه مداخلة رئيسة مجلس حقوق الانسان وانه يتفق مع التحفظات التى ابدتها وفود المملكة العربية السعودية ودولة الكويت والجمهورية اليمنية بأن اثارة الموضوع يعد اخلالا بإجراءات ونظام المجلس.
وطالب السفيرة لورا ديبوى الا تتكلم باسم مجلس حقوق الانسان ككل لان المجلس مكون من مجموعة من الدول الاعضاء، وطالبها ان كان لديها موقفا شخصيا من اى قضية فيجب التعبير عنه مع الالتزام الكامل بالاجراءات المعمول بها وخاصة الاجراءات المتعلقة بالاستعراض الشامل لتقارير الدول الاعضاء.
واعترض مندوب المملكة العربية السعودية على اثارة مثل هذه الادعاءات فى جلسة مجلس حقوق الانسان، وطلب نقطة نظام عبر خلالها عن رفضه ذكر اسماء ممثلى منظمات غير حكومية أو اى موضوع يتعلق بهم خلال الجلسة مشيرا الى انه لم تجرى العادة على ذلك من قبل ومؤكدا ان ذلك الطرح لا يتوافق مع الاجراءات.
من جهته اعتبر مندوب دولة الكويت ان ما تم طرحه من قبل رئيسة مجلس حقوق الانسان يعد سابقة فى عمل واجراءات المجلس موضحا أن المجلس يناقش التقارير الواردة من الحكومات وليس هناك اى مشاركة رسمية للمنظمات غير الحكومية.
من جهته قال مندوب الجمهورية اليمنية ان مداخلة رئيسة مجلس حقوق الانسان تعد سابقة تحدث لاول مرة بأن يتم ذكر مثل هذه القضايا فى اطار استعراض التقارير الدورية للدول الاعضاء.
وقال انه لم تجرى العادة على طرح هكذا موضوعات خلال استعراض واعتماد التقارير، كما لم يتضمنها مراجعة عمل مجلس حقوق الانسان معربا عن أمله ان يكون النقاش خلال الجلسات متعلقا فقط باعتماد التقرير فى اطار استعراضها والا تقوم اى اطراف بما فى ذلك الرئاسة بطرح قضايا جديدة فى تقارير الدول لا يتضمنها تقرير المراجعة الدورية الشاملة من قبل هذا المجلس.
وعادت لاسير لتقول: "لا أعتقد أن هذا لا يمثل الرئيس، ولكن هذا قرار اتخذ أخيراً من قبل مجلس حقوق الإنسان في العام 2011".
آلية الاستعراض الدوري الشامل تستعرض تقرير البحرين الثاني وتصدر اكثر من 176 توصية غالبيتها تتعلق بالأزمة السياسية في البلاد وبالأخص عدم تطبيق بعض من توصيات لجنة التحقيق الوطنية المستقلة (لجنة بسيوني).
وفي الوقت الذي شدد فيه رئيس الوفد على إصرار الحكومة على تطبيق تلك التوصيات، يرى ممثلو المجتمع المدني البحريني ان كلمة وزير حقوق الإنسان لم يكن فيها شيء من الصحة".
وقدمت مملكة البحرين في 21 مايو تقريرها الثاني لحقوق الانسان أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل التابعة لمنظمة الأمم المتحدة.
وقد استعرض رئيس الوفد البحريني ووزير الدولة لحقوق الإنسان صلاح علي وضع حقوق الإنسان في بلاده خلال الاربعة أعوام التي تلت الاستعراض الأول، مشددا في البداية "على أن البحرين عرفت في تلك الفترة أحداثا وتطورات كثيرة … وان المملكة لا تدعي الكمال وخلو مسيرتها من بعض المعوقات التي تعوق تنفيذ التوصيات والتعهدات… وأن المملكة تعمل بإصرار وإرادة صادقة، ما في وسعها لتجاوز وتذليل هذه المعوقات وانها تتعاون مع آليات حقوق الإنسان" كما جاء في كلمته الافتتاحية.
اما رئيس منظمة الشفافية البحرينية عبد النبي العكري الذي حضر ممثلا للمجتمع المدني فيرى "أنه على الرغم من أن آلية الاستعراض الدوري الشامل لا تتيح الفرصة لممثلي المجتمع المدني بالتحدث، إلا أن تقارير المنظمات المدنية وصلت الى الوفود وعكستها". وبعد أن عبر عن "صدمته لمواقف بعض الدول العربية التي شهدت ثورات مثل تونس ومصر واليمن والتي استمرت في نفس لغة الخطاب السابقة"، أضاف قائلا "باستثناء دول دكتاتورية وعربية، كانت هناك دولا حديثة الديمقراطية من بلدان أوربا الشرقية او في امريكا اللاتينية قدمت تدخلات قوية جدا انعكست في التوصيات النهائية التي فاقت ال 170 توصية وهو ما ينسف التقرير الذي قدمته الحكومة وما جاء في كلمة الوزير التي لم يكن فيها أي شيء من الصحة بما فيها الادعاء الذي يقول بأن منظمات المجتمع المدني ساهمت في كتابة وصياغة التقرير الوطني".
تداعيات أحداث البحرين
وإذا كان الوزير قد اسهب في الحديث عن الانجازات في مجالي التعليم والصحة، وما يتم إدخاله من تحسينات في مجال حقوق المرأة والعمالة الأجنبية، فإنه تطرق ايضا الى الوضع السياسي وبالأخص لتداعيات الانتفاضة التي شهدتها البحرين مؤخرا وأدت الى مقتل اكثر من 50 شخصاً.
بخصوص احداث البحرين أطلع الوزير الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان عن العمل الذي قامت به لجنة التحقيق البحرينية برئاسة الخبير الدولي محمود شريف بسيوني مشيرا الى "أن البحرين كانت الدولة الوحيدة في العالم التي شكلت مثل هذه اللجنة بمبادرة ذاتية".
وعن تطبيق توصياتها، اشار الوزير البحريني إلى "أن جزءا كبيرا منها تم تنفيذه بشكل كامل ، والبعض الآخر جاري العمل على تنفيذه".
من بين ما تم تطبيقه من توصيات لجنة بسيوني عدد الوزير "إحالة عدد من المسئولين الذين ارتكبوا تجاوزات خلال الأحداث التي وقعت عام 2011" وخص بالذكر "142 تحقيق جاري أدت نتائجها الى عشر ملاحقات قضائية حتى الآن. كما تم تشكيل وحدة تحقيق خاصة في النيابة العامة معنية بالتحقيق والتصرف في البلاغات والشكاوى المتعلقة بادعاءات التعذيب والمعاملة القاسية او اللا إنسانية او المهينة…. وهي اليوم تقوم بالتحقيق في قضايا وحالات الوفيات المشتبه فيها وادعاءات التعذيب والمعاملة القاسية او المهينة".
وانتهى الوزير الى خاتمة "لعل الأيام المقبلة ستكشف لنا المزيد من الحقائق التي سنتعامل معها بكل شفافية وعدالة" كما جاء في قوله.
176 توصية
بلغ عدد الدول الأعضاء التي تدخلت اثناء استعراض تقرير البحرين 66 دولة ما بين داعمة او منتقدة او مكتفية بتقديم توصيات.
ومن العينات التي نوردها لتدخل الدول، ما جاء في كلمة السفير السوداني الذي " دعم الجهود المبذولة من قبل دولة البحرين والخطوات التي تم اتخاذها منذ المراجعة السابقة" والذي حذر من مغبة "تحويل آلية الاستعراض الدوري الشامل الى محكمة لمحاكمة الدول".
أما سويسرا فعبرت عن القلق لاعتقال أشخاص كانوا يطبقون حقهم في التعبير عن الراي، وعن ارتكاب رسميين امنيين لانتهاكات لحقوق الإنسان أثناء المظاهرات السلمية . كما عبر عن القلق لمعاملة المدافعين عن حقوق الإنسان.
بريطانيا إذا كانت قد رحبت بتعهدات البحرين بتطبيق توصيات لجنة بسيوني، فإنها عبرت عن القلق " لتوافد تقارير لمنظمات حقوقية تفيد بمواصلة ارتكاب الانتهاكات" . وناشدت السلطات البحرينية" بمراجعة المحاكمات التي تمت أمام محاكم عسكرية والافراج عن المعتقلين بسبب التعبير عن حرية الرأي".
حتى الولايات المتحدة الأمريكية التي أشادت بتعيين لجنة التحقيق الوطنية برئاسة بسيوني ‘ عبرت عن القلق" لكون بعض من توصياتها الهامة لم يتم تطبيقها". كما عبرت عن القلق" للمحاكمات المستمرة في حق 20 من موظفي القطاع الصحي وفي حق عبد الهادي الخواجة".
وقد نجم عن هذه التدخلات والتوصيات أن أعدت لجنة الصياغة 176 توصية قدمت لدولة البحرين في جلسة 25 مايو 2012.
وقد نجم عن هذه التدخلات والتوصيات أن أعدت لجنة الصياغة 176 توصية قدمت لدولة البحرين في جلسة 25 مايو 2012.
ومن هذه التوصيات التي يرى الناشط الحقوقي عبد النبي العكري رئيس منظمة الشفافية في البحرين أنها مهمة :"الإصرار على زيارة المقررين الخاصين، وأن يكون هناك تواجدا متواصلا للأمم المتحدة في البحرين ولمفوضية حقوق الإنسان". والذي أضاف " بأن الحكومة تماطل للترخيص بزيارة وفد المفوضية السامية والمقرر الخاص بمناهضة التعذيب".
ومن المطالب أيضا "التنفيذ الكامل والأمين لمقررات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق ( لجنة بسيوني).
كما أن هناك مطالبة " برفع التحفظات عن الاتفاقيات التي وقعت عليها دولة البحرين، والتصديق على اتفاقيات لازالت غير عضو فيها مثل الاختفاء القسري وحقوق العمالة المهاجرة، والبروتوكولات الاختيارية ن وتعديل القوانين الوطنية لكي تتماشى مع هذه الاتفاقيات الدولية".
وبخصوص المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان يرى السيد عبد النبي " أنه من الواضح بأنه ليست هناك مؤسسات مستقلة او بحسب مبادئ باريس. لذلك هناك مطلب في إعادة تشكيل هذه المؤسسات. ولكن في ظل الظروف الحالية لا فائدة من إعادة تشكيل تلك المؤسسات لأنه يجب حل الأزمة أولا وبصورة جذرية. وعندما تخلق ظروف مطمئنة، يمكن الحديث عن مثل هذه المشاريع". على حد قوله.
صوت المنامة, 26/05/2012 م