ريم خليفة
سقوط الديكتاتوريات في أي مكان من العالم لا يدور بالعادة إلا حول جانب واحد ومحدد هو أن السقوط جاء بسبب عدم الإصغاء لصوت الشعوب التي جردت وسلبت من أبسط حقوقها الإنسانية ألا وهي الحرية والعدالة.
ولهذا فإن ما طرحه الربيع العربي من قضايا تمثل بحد ذاتها تهديداً وتحدياً كبيراً لبنية مجتمعاتنا العربية؛ مثلاً: التعاطي المشوّه للممارسة الديمقراطية وإثارة العصبيات والنعرات الطائفية والقبلية والعرقية واستخدامها كأداة تفجير لفرقة المجتمعات واقتيادها إلى ساحة اقتتال وهمية لإشغالها عن مضمون مطالبها وواقعها التعيس والمحبط.
إن إثارة العصبيات هو أسهل الأدوات وأسرعها تأثيراً في إخماد أي حراك ديمقراطي؛ وهي أحد أساليب الثورة المضادة للإبقاء على الوضع القائم والقبول به بل وتأزيمه من شتى النواحي وإشاعة الفوضى وفقدان الأمن والإفقار حتى تشعر الشعوب بمدى حاجتها لنظام دكتاتوري ترضى به كقدر مقدر لا يمكن تغييره وهي نظرية ظلت قائمة لزمن طويل ولكنها لم تعد كذلك.
لذلك فإن مقاومة التغيير فترة من الزمن لن تجدي أي نفع ولن تحقق الاستقرار الآمن لأنظمة عاشت على القمع والكذب وظلم الآخرين، فما يحدث في أكثر من بلد عربي ما هو إلا شاهد حقيقي على أن الشعوب ملت من سياسات لا تنصفها، ولكن تزيدها بؤساً وكراهية، من أجل أن تحافظ مجموعة صغيرة على مصالحها الشخصية.
لقد كشفت الانتفاضات العربية عن ضعف عملية الإصلاح وفشل تحقيق التنمية المستدامة بسبب تفشي الفساد وتحول أنظمة الحكم إلى مصدر ثروة لمن يمسك بزمام السلطة كل بحسب المزاج إضافة إلى ما تحصده جماعات الموالاة من مغانم في كل غزوة تضرب بها الأنظمة شعوبها، إن تجرأت وطالبت بحقوق لا يجب أن تطالب بها.
من هنا نجد أن البلدان في المنطقة العربية تحولت إلى أملاك خاصة وهو ما مهد إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتردي الأوضاع السياسية بسبب غياب الصوت الحقيقي للشعب واستبدال هذا الصوت بصوت أمني يتمتع بقدرات قمعية يستخدم في كل جهة وفي كل نشاط من أجل إخماد صوت المواطن المستضعف.
قد يكون سقوط الأنظمة العربية المشهورة بعقليتها الأمنية مثل تونس ومصر وليبيا مؤشراً جديداً على تجاوب الشارع العربي واستجابته التلقائية لدعوات المجموعات الشبابية عبر أدوات الإعلام الجديد الذي بدوره خلق صحافة المواطنة الناقلة لكل ما يحدث داخل المجتمعات بسبب غياب العدالة والحرية والتعددية في الرأي. وأيضاً في ظل احتواء السلطة للمعارضات التقليدية التي بدورها تعرضت لمغريات كثيرة من بعد القمع والاضطهاد الكثير ودمجهم مع فئات المثقفين ليصبحوا أدوات سهلة التأثير، وهذا ما حدث الآن مع الدول التي قاومت الربيع والآن الصحوة العربية.
ولا ننسى أن غياب قيادات قادرة على قيادة المرحلة الانتقالية قد مهد إلى اللجوء إلى بدائل أخرى في بعض الدول بل وكسر حاجز الخوف رغم القمع الذي واجهت به تلك الانتفاضات التي لا يبدو أنها ستنتهي عند حد معين ولكنها ستستمر طالما كانت الأنظمة مستمرة في تجاهل حركات الشارع وتحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية.
من هنا لابد من القول إن المنطقة مقبلة على مرحلة تغيير جديدة ومنها إلى مرحلة انتقالية قد تحتاج إلى بلورة كثير من الأمور بدءاً من المحاسبة ووصولاً إلى تأسيس هيكل جديد للدولة المدنية، أي مرحلة تحدد فيها ملامح وشكل الدولة في كل جانب.