قاسم حسين
من أغرب وأعجب المفارقات التي اتخذتها وزارة العمل، إيكال ملف المفصولين عن العمل إلى «الاتحاد الحر لنقابات عمال البحرين».
الاتحاد الجديد لم يمضِ على عمره شهران، ولم يكتمل هيكله العظمي أو ينبت له الريش بعد، وتريد الوزارة تكليفه بحلّ ملف معقّد عجزت عن حله، بكل كوادرها ومستشاريها وهياكلها التنظيمية والإدارية والسياسية.
الوزارة ومن البداية وقعت في حيرةٍ من أمرها في التعاطي مع التنظيم الوليد، بسبب إشكالات قانونية، ولكن لوجود رغبةٍ حكوميةٍ شديدةٍ في توليد هذا الاتحاد، ولو كان على خلاف القانون، اضطرت الوزارة للتسليم بتلك المخالفة كأمرٍ واقع.
الخطة كانت واضحةً في شقّ الصف العمالي، وضرب الحركة العمالية وتفتيتها، وبعثرة جهودها على أسسٍ طائفيةٍ بحتة، وما حدث لاحقاً من إعلان الانشقاقات في عددٍ من النقابات، تمهيداً لإعلان الاتحاد «الحر»، إنّما كان طاعةً واستجابةً وتنفيذاً لتلك الرغبة الحكومية الجامحة.
قبل يومين نشرت «الوسط» لقاءً جماعياً ضم أكثر من مئة مفصول من العمل من الجنسين، واتضح وجود 66 مفصولاً من وزارة الداخلية لم يعودوا لأعمالهم، و52 من شركة الفولاذ القابضة (يوسكو)، و43 من الكوادر الطبية، و30 من «هيئة شئون الإعلام»، و35 من القطاع المصرفي، و26 من شركة «باس»، و9 من وزارة التربية والتعليم، و5 من «هيئة التأمينات».
وزاراتٌ وشركاتٌ كبرى وصغرى، انتهزت هذه الفرصة التاريخية للتخلص من العمالة الوطنية، والانقلاب على ما حصل عليه العمال من حقوق بفضل نضالهم الطويل لعدة عقود. حتى الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية فصلت 4 موظفين، وشركة مطاحن الدقيق فصلت 27، ومازالت تمانع من عودة 3 منهم. لقد كانت فرصةً لا تُعوّض، وجد فيها أعداء «البحرنة» الطريق ممهداً، فكشّروا عن أنيابهم، وكشفوا عن وجوههم الحقيقية التي كانوا يجمّلونها بالمساحيق.
حين نقرأ تاريخ الحركة العمالية في البحرين، نكتشف أن أعداد الضحايا في العقود الماضية كانت في خانة العشرات، أما في هذه المرحلة فقد انتقل الرقم إلى خانة الآلاف. وفي شركة ألمنيوم البحرين (ألبا) وحدها بالمئات، لم يعُد منهم 108 موظفين حتى الآن، رغم اعتراف الوزارة بعدم قانونية فصلهم، وتشكيلها لجاناً خاصة لإرجاعهم، وما جرى عليهم من تهديدٍ بنقل ملفهم للقضاء!
للمرء أن يضع نفسه في مكان أي مفصول من العمل بسبب رأيه أو موقفه السياسي، أو مشاركته في مسيرةٍ سلميةٍ، اعتقاداً منه بأن ذلك من حقوقه الدستورية المصانة التي لا ينازعه عليها أحد. وبعدها يُفصل، ويقطع رزقه، وتعاقب عائلته اقتصادياً، أو يُجرجر إلى لجان تحقيق أو يُعتقل، وربما يُقدّم إلى المحكمة.
المفارقة المضحكة أن وزارة العمل أوكلت ملف المفصولين إلى «الاتحاد الحر»، وهو ما رفضه أصحاب القضية، لتحفظهم من الأساس على شرعية هذا التنظيم منذ لحظة إشهاره، فضلاً عن اعتراض الجمعية العمومية لنقابة (ألبا) على قرار الانسحاب من الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين والالتحاق بـ «الاتحاد الحر»، فضلاً عن وجود قضية مرفوعة من 700 موظف ضد رئيس النقابة، الذي كان شريكاً كامل الصلاحية في عمليات فصل العمال، واتخذ موقفاً مخجلاً بمعارضته إرجاعهم، في سابقةٍ لم تحدث في الحركات النقابية إلا في جمهوريات الموز اللاتينية قبل قرن!