قاسم حسين
استهلت وزارة التربية والتعليم العام الدراسي الجديد بنقل أكثر من 30 موظفاً من موظفي معهد البحرين للتدريب إلى وظيفة فنيين بالمدارس الحكومية، ونشرت إعلانات في الخارج لتوظيف الأجانب.
مدير إدارة العلاقات العامة بالوزارة برّر ذلك بأن المعهد وبعد ضمّه إلى الوزارة، تمّ إلغاء الأقسام الخدمية فيه لوجود مثل هذه الأقسام ضمن هيكل الوزارة، وترتّب على ذلك إلغاء بعض الوظائف فيه، وهي سياسةٌ لو طُبّقت بحياديةٍ وصدقٍ في كل قطاعات الدولة، لتم تفكيك الكثير من الوظائف، ونقل أو تسريح المئات من الموظفين.
وزارة التربية والتعليم متورطة في سلسلة من الاجراءات والسياسات الموجّهة، ضد بعض فئات المجتمع، نظراً لسيطرة جمعيات دينية متشددة على مقاليد الأمور فيها منذ أكثر من عشر سنوات. وهو أمرٌ انتقدناه في عشرات المقالات، والوزارة تقرأ الانتقادات وتضع في أذنها اليمنى طيناً وفي اليسرى عجيناً.
لسنوات، كانت الإجراءات تطال البعثات والترقيات والتعيينات، أما اليوم فقد انتقلنا إلى مستوى آخر، وصل خطره إلى تفكيك المؤسسات التعليمية والمعاهد التدريبية التي تخرج أفواجاً من المتدربين المؤهلين لملء الحلقات الوظيفية الوسطى في عمليات الإنتاج، في الشركات والمصانع والمؤسسات. مثل هذه المعاهد كانت حصيلة دراساتٍ لسنوات، بعدما اكتشفنا الحلقة المفرغة التي كان التعليم يدور فيها، من حيث تخريج أعداد كبيرة لا تتوافر لديها المؤهلات المطلوبة لسوق العمل، بما يسهم في زيادة أعداد العاطلين باستمرار.
تجربة معهد البحرين للتدريب الناجحة، ساهمت في تخريج الكثير من الكفاءات المؤهلة لشغل الوظائف الفنية الوسيطة المطلوبة في السوق، وامتصت الكثير من الشباب من أصحاب القدرات والمهارات. لم يكن ذلك سهلاً، لتفضيل الدراسات العلمية والنظرية العالية كالطب والهندسة، ولكنه يعكس نقلةً نوعيةً مهمةً في التفكير والنظرة الاجتماعية للوظائف الفنية الوسطى.
تاريخياً، تمتّع مجتمع البحرين بوجود الصناعات الحرفية، والأيدي الماهرة، وهو ما سهّل عملية التعليم والتدريب، منذ بدايات اكتشاف النفط مطلع الثلاثينات. ولاحقاً شاركت الأيدي البحرينية المدربة في النهوض بالمشاريع في عدد من دول الخليج المجاورة، سواءً الصناعية أو التعليمية أو الفنية. كانت لدينا خامةٌ وطنيةٌ طيّبةٌ، أسهم التعليم في صقلها وتطويرها فأسهمت في نهضة بلدها واكتسبت شهرة وسمعة بين شعوب الخليج.
اليوم، تجري رياح السياسة في الاتجاه المعاكس، باستهداف مثل هذه الصروح التعليمية، وبمبررات واهية وغير مقنعة، خصوصاً عندما تكون الإزاحة الجماعية من لون اجتماعي واحد، لا يترك مجالاً للف والدوران، بأنها عمليةٌ بريئةٌ أو غير مقصودة. فتجارب المجتمع البحريني مع هذه الوزارة بتركيبتها الإدارية المرتهنة لجمعيات دينية متشددة، غير خافية على أحد.
مثل هذه العملية، وما سبقها وما قد يتلوها، نموذج لتدمير ممنهج لحلقات التعليم والتدريب المهني، وتسييساً فاضحاً للتعليم في بلد يعيش أزمة سياسية صعبة منذ ثلاثين شهراً. وتعتبر من جانب آخر حرباً على الأرزاق والأشخاص، حين تطوّح في كل مرةٍ، وبطريقة انتقامية مكشوفة، بمجموعةٍ من الموظفين، من هذه المؤسسة أو تلك، إلى وظائف أقل مستوى، بما يجعل الحديث عن الحفاظ على حقوقهم الوظيفية نوعاً من الوقاحة والاستغفال.
إن الفذلكة تبلغ مداها، حين تعلن الوزارة عن إلغاء وظائف وتنقل شاغليها من المواطنين، ثم تعلن في الصحف الهندية عن طلب توظيف لسد الشواغر. يفعلونها وحين ينتقدونهم يزعلون!