سلمان سالم
لقد بالغت وزارة التربية والتعليم في تعاملها غير المهني مع موظفي معهد البحرين للتدريب، بصورة فاقت كل التصورات والتوقعات، من خلال استهدافها المذهبي للموظفين، ما خلف أضراراً كبيرة في مسيرتهم الوطنية والمهنية.
فهل كان الاستهداف لأنهم كانوا مجدين ومخلصين في أداء عملهم؟ أم لأنهم حقّقوا إنجازات كبيرة ومتميزة للمعهد؟ ولماذا نُقلوا من غير مبررات قانونية ومهنية إلى المدارس الحكومية إلى وظائف أقل من مستوى وظائفهم، وبعيدة عن تخصصاتهم المهنية والوظيفية التي كانوا فيها؟
فلو سألت الوزارة عن الأسباب التي جعلتها تتعامل بهذه القسوة وانعدام المهنية، مع أكثر من 61 موظفاً بمعهد التدريب، فهل تستطيع قول الحقيقة أم ستختار الصمت ولا ترد على السؤال؟ لأنها تعلم إذا كان جوابها «خرافة» فستجد المئات من المهنيين والمنصفين من أبناء هذا البلد الطيب يردّون عليها ويفنّدون مبرراتها الواهية التي لا تصمد أمام الحقيقة والواقع.
لابدّ لوزارة التربية أن تضع في بالها قبل نفيها للحقائق، أنها في الألفية الثالثة وليست في القرن التاسع عشر، وأن الأخبار والمعلومات بكل حيثياتها الدقيقة تُتناقل في دقائق معدودة إلى جميع أنحاء العالم، الذي أصبح بفضل التقنيات الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي قريةً صغيرة، وسأسرد بعض الحالات التي تضررت من ممارساتها المهينة.
الحالة الأولى: في 9 فبراير/ شباط 2014، أوقفه حارس الأمن وقال له شفهياً بصريح العبارة: «غداً لا تأتي إلى المعهد لأننا لن نسمح لك بالدخول، وعليك أن تقوم بتسليم مفتاح المكتب»، وطلب منه مراجعة الوزارة بالمنامة بشأن نقله إلى مكان آخر. وفي اليوم التالي تم تغيير الرقم السري للمكتب وقامت الوزارة بتوظيف أجنبيةٍ بدلاً عنه، ولم يُسمح له بأخذ أغراضه الشخصية ولم يتمكن حتى من تسليم المبالغ النثرية الموجودة في الصندوق لإبراء ذمته، وقطعوا عنه كل وسائل التواصل، وإلى الآن لم يستلم خطاب نقله كتابياً.
الحالة الثانية: في 9 فبراير 2014، تسلّمت إحدى سكرتيرات المعهد رسائل نصية مقتضبة عبر الهاتف تطالبها بالذهاب إلى الوزارة بالمنامة لاستلام قرار نقلها من دون مقدّمات مسبقة، وبالفعل ذهبت للوزارة واستلمت القرار المبهم الذي لم يبين فيه المسمى الوظيفي الجديد ولا المهام الموكلة إليها، وعندما سألت الموظفة التي سلمتها القرار، قالت لها إنها لا تعلم عن شيء آخر غير النقل، وعند مراجعة الجهة المعنية بالوزارة، لم تضف معلومات جديدة على ما قالته الموظفة، كل ما قالته إن النقل سيكون ضمن نفس الدرجات الوظيفية المسجلة عليها. وقد نقلت إلى إحدى مدارس البنات الإعدادية كمعلمة حاسوب آلي، دون أن يبيّنوا لها مبررات نقلها من سكرتيرة إلى معلمة حاسوب.
الحالة الثالثة: في 10 فبراير 2014، قامت الوزارة بإبلاغ شفهياً قرار نقل إحدى موظفات المعهد التي تشغل وظيفة محاسب، إلى إحدى مدارس البنات الثانوية في وظيفة فني حاسوب آلي في الصف الإلكتروني، والتي تعتبر وظيفياً أدنى من الوظيفة التي كانت تشغلها، وبالإضافة إلى ذلك أنها بعيدة عن تخصصها المهني، والأدهى من كل هذا أنها في اليوم الذي طلبوا منها استلام قرار نقلها الشفهي من الوزارة طلب منها حارس الأمن تسليم مفاتيح مكتبها وهو لا يعلم أن مكتبها يفتح برقم سري، من دون أن يطلب منها تسليم عهدتها، ولم تعطَ المجال لأخذ حاجاتها الشخصية، ولم تبلغها الوزارة بالنقل مباشرةً، وإنما وصل خبر نقلها من زميلاتها.
وقد تجاوزت هذه الممارسة غير اللائقة تربوياً ومهنياً وإنسانياً، وتقدّمت للوزارة بتظلمٍ على الوصف الوظيفي الجديد، وكان ردّ وزارة التربية والتعليم مضحكاً جداً، حيث قالت لها: «ليس مهماً تغيير الوصف الوظيفي مادامت الدرجة الوظيفية لم تتغير»! ويظهر كما هو واضح أن المؤهل العلمي والمهني والخبرات الطويلة التي اكتسبتها خلال عملها في المعهد كمحاسب، وفي وزارة العمل من مشروع توظيف، ليس لها قيمة لدى الوزارة، فبدل أن تقدّم لها المكافآت المعنوية والمالية، نراها تستخف بقدراتها العلمية والمهنية، وتنقلها إلى مجال ليس له علاقة بمجال تخصصها بصورة مهينة.
ألم تعلم الوزارة أن اتباع هذا الأسلوب الضبابي البعيد عن الأخلاقيات المهنية والتربوية والإنسانية والوطنية الذي تنتهجه مع موظفي المعهد يساهم بصورة مباشرة في تردي مستوى التدريب المهني في المعهد بنسبة كبيرة، ويؤدي إلى اضمحلال سمعته داخل البلاد وخارجها، التي تكوّنت بفضل كفاءات وخبرات كوادرها الوطنية؟ ودلائل التردي في المعهد أصبحت واضحةً وجليةً لكل مخلص في هذا البلد، لو قالت إنها تعلم أن ما فعلته في المعهد سيصيبه في أسسه المهنية فتلك مصيبة، وإن قالت لا تعلم فالمصيبة أعظم.
ما أردنا قوله لوزارة التربية والتعليم إن مصلحة الوطن مقدمة على جميع المصالح الشخصية والفئوية والطائفية والمذهبية والعرقية، فمصلحة البلاد تكمن في تعاملها بالعدل والمساواة والإنصاف مع كل المنتمين إليها، وأن تحترم وتقدّر الكفاءات الوطنية الخلاقة دون النظر إلى انتماءاتها المذهبية، وأن تتعامل بمبدأ تكافؤ الفرص وبمفهوم المواطنة الحقيقي مع جميع موظفيها، وألا تسمح للمؤثرات النفسية السلبية أن تأخذها بعيداً عن الوطن، لأن اتباعها يضر الوطن كثيراً.
ونجد من واجبنا الأخلاقي والوطني والإنساني أن نقدّم للوزارة النصيحة التي نعتقد أن فيها الخير الكثير للتعليم بكل أنواعه ومستوياته العام والجامعي والمهني، نسأل الله أن يوفّق كل مشتغل مخلص لهذا الوطن الحبيب بكل مكوناته العرقية والطائفية والمذهبية.