طالب الخبير القانوني، وزير الدولة السابق للشؤون القانونية حسين البحارنة بـ’’إعادة النظر في قانون الجنسية البحرينية لسنة 1963 وتعديلاته، والتوصية لمجلس النواب بوضع تشريع حديث للجنسية البحرينية يتناسب مع متطلبات الحكم الديمقراطي الدستوري بالبحرين’’، معتبراً أن ‘’الاستثناء العام في المادة 6 من هذا القانون – التي تترك القرار النهائي للبت في تجنيس الأجنبي بيد رئيس الدولة – هو استثناء معيب دستورياً، لأنه ينسف شروط اكتساب الجنسية وفقاً للفقرة (1) من المادة نفسها’’.
وأشار البحارنة في ندوة عقدت أمس الأول (الإثنين) بجمعية التجمع القومي الديمقراطي حول (الجنسية والتجنيس) إلى ‘’أهمية أن يحدد في التشريع الحديث لقانون الجنسية عدد معين لمن يتم منحهم الجنسية البحرينية سنوياً’’، لافتا إلى أن ‘’قانون الجنسية الكويتي يحدد منح الجنسية بعدد لا يتجاوز 50 شخصاً في السنة، وبناء على قرار مجلس الوزراء’’.
كما دعا البحارنة في الوقت ذاته إلى ‘’تشكيل لجان للجنسية للتحقق من قانونية منح الجنسية، وتكون خاضعة للسلطة التشريعية’’.
وقال البحارنة ‘’بالعودة إلى قانون الجنسية البحرينية لسنة 1963 وتعديلاته، مع مقارنة بعض أحكام هذا القانون الخاصة بتجنيس الأجانب بالأحكام المقابلة لها في قانون الجنسية الكويتي لسنة ,1959 وقوانين الجنسية لبعض الدول الأخرى، لمست مدى تخلف الأحكام التي تتضمنها المادة 6 من قانون الجنسية البحرينية، عن الأحكام المقابلة لها في المادة 4 من قانون الجنسية الكويتية، على سبيل المثال’’.
وأوضح ‘’الفقرة (2) من المادة 6 من قانون الجنسية البحرينية، تتضمن حكماً يخول بموجبه عظمة الحاكم (رئيس الدولة) بأن يصدر (أوامر) لها قوة القانون، يمنح بموجبها الجنسية البحرينية لأي أجنبي وذلك بالمخالفة لحكم الفقرة (1) من هذه المادة’’.
وتابع ‘’بينما تنص المادة 5 من قانون الجنسية الكويتية على أنه يجوز منح الجنسية الكويتية استثناء بمرسوم – بناء على عرض وزير الداخلية – لفئة معينة من الناس وهم من أدى للبلاد خدمات جليلة والمولود لأم كويتية في حالات خاصة محددة وبناء على قرار من وزير الداخلية’’.
وأشار البحارنة إلى أن ‘’الفقرة (1) من المادة 6 تتضمن الشروط القانونية المطلوب توافرها في الأجنبي الذي يتقدم بطلب اكتساب الجنسية البحرينية، ومن هذه الشروط، شرط الإقامة في البحرين لمدة 25 سنة للأجنبي، ولمدة 15 سنة للعربي’’.
واعتبر البحارنة أن ‘’خطورة الفقرة (2) من المادة 6 من قانون الجنسية البحرينية، في كونها تنسف الشروط القانونية المطلوب توافرها في الأجنبي المتقدم بطلب اكتساب الجنسية وفقاً للفقرة (1) من هذه المادة’’ مشيراً إلى أنه ‘’لم نجد في قوانين الجنسية للدول العربية تفصيلا في هذه الدراسة، حكما مشابها لحكم المادة 6 (2) من قانون الجنسية البحرينية’’.
وتابع ‘’يبدو أن حكم المادة 6(2) من قانون الجنسية البحرينية لسنة ,1963 ساهم في عمليات التجنيس السياسي للأجانب – سواء كانوا مقيمين أو غير مقيمين في البحرين – التي جرت خلال الست سنوات الماضية، فالمادة 6(1) تخص التجنيس القانوني، بينما المادة (2 6) تخص التجنيس السياسي’’.
وأضاف البحارنة ‘’دفعتنا هذه التجاوزات الواسعة فيما يتعلق بسياسة التجنيس – غير الخاضع للضوابط القانونية التي تنص عليها المادة (16) من قانون الجنسية البحرينية – إلى معالجة التطبيقات الواقعية والعملية لأحكام المادة 6 من هذا القانون التي أفرزت عمليات التجنيس للاجانب، بلا حدود، خلال السنوات الست الماضية التي عاصرت انتخابات برلمانية لفصلين تشريعيين (2006 ,2002)’’.
الإقامة المستمرة شرط أساسي
للتقدم بطلب اكتساب الجنسية
وعن مبادئ القانون الدولي الإنساني، فيما يتعلق بحق الفرد أن تكون له جنسية، أوضح البحارنة أن ‘’الإقامة الاعتيادية والمستمرة في اقليم الدولة، شرط أساسي للشخص المتقدم بطلب اكتساب جنسية هذه الدولة، وفقا للقانون الدولي’’.
وأشار إلى أن ‘’وضع أولاد الأم البحرينية المتزوجة من أجنبي يعتبر من المشكلات التي جلبت – منذ مدة طويلة – انتباه جمعيات المجتمع المدني في البحرين عموما، والجمعيات النسائية المنضوية تحت رعاية المجلس الأعلى للمرأة البحرينية خصوصا’’.
وأضاف ‘’لاتزال هذه الجمعيات النسائية، تكافح – من خلال الندوات والمؤتمرات العربية والاقليمية التي تعقدها – في سبيل إدخال تعديل على قانون الجنسية البحرينية، يقضي بإعطاء المرأة البحرينية المتزوجة من أجنبي، الحق في أن يكتسب أولادها الجنسية البحرينية على أساس ولادتهم في البحرين او الخارج من أم بحرينية، بصفة أصلية، بصرف النظر عن جنسية زوجها الاجنبي’’.
كما لفت البحارنة إلى أن ‘’الحكومة، قدمت- كسلطة تنفيذية – إلى المجلس النيابي السابق، مشروع قانون بتعديل المادة 6 (1) من قانون الجنسية البحرينية تعديلا جذريا، يتناول تخفيف شروط الفقرة (1) من هذه المادة فيما يتعلق باكتساب الطفل المولود في البحرين من أم بحرينية وأب أجنبي للجنسية، وذلك تيسيرا لابن هذه الأم البحرينية المولود في البحرين، في اكتساب الجنسية البحرينية، عن طريق التجنس، بعد بلوغه سن الرشد (وهي 18 سنة وفقا للقانون)’’.
وتابع ‘’عالجنا هذا التعديل الحكومي المقترح على المادة 6(1) من الناحية النقدية، وذلك على أساس أنه لا يحل هذه المشكلة القائمة حلا جذريا يتناسب ومطالبة جمعيات المجتمع المدني في هذا الشأن’’.
وشدد البحارنة على ‘’ضرورة معالجة المشكلات القائمة التي أفرزها قانون الجنسية البحرينية لسنة 1963 وتعديلاته، سواء فيما يتعلق بتخلف أحكام المادة 6 منه عن أحكام المواد المقابلة لها في قوانين الجنسية للدول العربية، على سبيل المثال، أو فيما يتعلق بتجاوز الحكومة عند منحها الجنسية البحرينية للأجنبي، للشروط القانونية المطلوبة لاكتساب هذه الجنسية وفقا للمادة 6(1) من قانون الجنسية البحرينية، او فيما يتعلق بمطالبة الأم البحرينية المتزوجة من أجنبي بأن يكتسب أولادها المولودون في البحرين، جنسيتها التي تتمتع بها بصفة أصلية’’.
السلطات المختصة بالتجنيس غالبا ما تلقي مسؤولية منح الجنسية للأجنبي على كاهل «عظمة الحاكم»
وطالب البحارنة، مجلس النواب الحالي ‘’أن يولي اهتماما وأولوية لوضع تشريع حديث للجنسية يتماشى مع المبادئ الدستورية التي تحفظ للمواطن الذي يحمل الجنسية بصفة اصلية – سواء بالتأسيس او عن طريق الولادة في البحرين – كرامته وحقوقه الدستورية الاساسية بالنسبة للانتخاب والترشيح للمجالس النيابية والتعيين في مجلس الوزراء او الشورى من دون أن يشاركه في هذه الحقوق السياسية الاساسية الاجانب المجنسون حديثا’’.
واستدرك ‘’بالرجوع إلى قانون الجنسية البحرينية لسنة 1963 وتعديلاته، كان يجب أن تراعي الجهات المختصة بوزراة الداخلية، تطبيق الشروط القانونية المطلوبة لاكتساب الأجنبي الجنسية عن طريق التجنس التي تنص عليها الفقرة الفرعية (أ) من المادة 6(1) من هذا القانون’’.
وتابع ‘’لكن يبدو واضحا من ممارسات هذه الجهات المعنية بعملية التجنيس، أنها نادرا ما كانت تلجأ الى تطبيق حكم هذه الفقرة من المادة 6(1) من القانون، مفضلة عليها، كما يبدو، الفقرة (2) من هذه المادة التي تلغي عمليا اللجوء إلى اجراءات تطبيق الشروط القانونية المطلوبة لاكتساب الاجنبي الجنسية عن طريق التجنس’’.
وأوضح البحارنة أن ‘’السلطات المختصة بعملية التجنيس غالبا ما تلقي مسؤولية منح الجنسية للأجنبي على كاهل ‘’عظمة الحاكم’’ (رئيس الدولة) الذي خوله القانون بألا يتم منح الأجنبي للجنسية البحرينية إلا بأمر صادر منه، سواء كان هذا الامر، صادرا بالتطبيق لحكم الفقرة (1) من المادة 6 أو التطبيق لحكم الفقرة (2) منها’’.
وأضاف ‘’ونتيجة لحكم الفقرة (2) من هذه المادة، فتح الباب على مصراعيه خلال السنوات الست الماضية لتجنيس عدد كبير من الأجانب الآسيويين وغيرهم من العرب يقدر عددهم بـ 225,38 شخصا مجنسا حسب التقديرات الاحصائية غير الرسمية’’.
الأعراف الدستورية المستقرة لا تترك الأمر لرئيس الدولة أن يتدخل شخصيا في القضايا المتعلقة بتجنيس الأجانب
ورأى البحارنة أن ‘’الاستثناء العام في المادة 6(2) من هذا القانون، معيب دستوريا، لأنه ينسف شروط اكتساب الجنسية وفقا للفقرة (1) من هذه المادة، ويترك القرار النهائي للبت في تجنيس الاجنبي خاضعا ‘’لأمر عظمة الحاكم’’ أو رئيس الدولة’’، مشيراً إلى أن ‘’الأعراف الدستورية المستقرة في الدول الدستورية الديمقراطية، لا تترك الأمر لرئيس الدولة – الذي يجب ان يحكم عن طريق وزرائه – بأن يتدخل شخصيا في القضايا المتعلقة بأمور تجنيس الأجانب’’.
وتابع ‘’بل تترك هذه الامور لتطبيقها عن طريق وزير الداخلية، وذلك وفقا للشروط الموضوعية التي يقررها قانون الجنسية نظرا لحساسية هذه القضايا التي تترتب عليها آثار سلبية بالنسبة لتغيير التركيبة الديموجرافية للسكان والنسيج الاجتماعي للبلاد فيما لو تبنت السلطة التنفيذية سياسة التجنيس السياسي، تحقيقا لهذا الغرض السياسي الذي يتعارض مع نظام الحكم الصالح’’.
وقال البحارنة ‘’لا نجد في قوانين الجنسية للدول الديمقراطية المتحضرة، نصا شبيها لحكم المادة 6(2) من قانون الجنسية البحرينية الذي يطلق يد ‘’عظمة الحاكم’’ في إصدار ‘’أوامر’’ – غير قابلة للنشر – بمنح الجنسية البحرينية للأجانب وذلك بالمخالفة للشروط القانونية المطلوبة لاكتساب الاجنبي لهذه الجنسية’’.
وتابع ‘’هذا، عدا أن وضع رئيس الدولة اليوم في ظل نظام الحكم الدستوري، يختلف عن وضع نظام الحكم المطلق الذي كان يزاوله حاكم البحرين في السابق’’.
وقال البحارنة ‘’من المستبعد اليوم في نظام حكم الدولة الديمقراطية الدستورية، أن يقوم تجنيس الاجانب على اساس ‘’أوامر’’ غير معلنة وغير منشورة يصدرها رئيس الدولة نيابة عن السلطة التنفيذية التي قد تنجو بهذه الطريقة من خضوعها للرقابة البرلمانية فيما يتعلق بقضايا منح الجنسية البحرينية للأجانب وذلك بالتطبيق لأحكام الفقرتين (1)، (2) من المادة 6 من هذا القانون’’.
وطالب البحارنة ‘’إخضاع قانون الجنسية البحرينية لسنة 1963 وتعديلاته، للمراجعة وإعادة النظر من قبل السلطة التشريعية المختصة بغرض وضع قانون حديث للجنسية البحرينية يقوم مقام قانون الجنسية الحالي’’.
وتابع ‘’ويتبنى المبدأ الدستوري الذي يقرر ضرورة ان يكون منح الجنسية للاجنبي بناء على صدور مرسوم بذلك، ينشر في الجريدة الرسمية، ويكون خاضعا لرقابة السلطة التشريعية’’.
تخفيف حدة الضرر الذي
خلفه التجنيس السياسي
ودعا البحارنة إلى ‘’وقف تطبيق حكم المادة 6(2) من هذا القانون لتخفيف حدة الضرر الذي خلفه التجنيس السياسي الذي كان، ولايزال يجري على قدم وساق، في السنوات الست الماضية’’، موضحا أن ‘’التشريع الحديث المنتظر لقانون الجنسية البحرينية، يجب أن ينأى بنفسه عن تبني أي نص مشابه لنص الفقرة (2) من المادة 6 من قانون الجنسية الحالي لأنه غير مقبول تشريعيا وسياسيا وحضاريا’’.
وأكد البحارنة أن ‘’كل قوانين الجنسية في دول مجلس التعاون – عدا البحرين – عادلة ومنصفة لمواطنيها الاصليين والمولودين فيها، سواء بالنسبة لتمتعهم – من دون غيرهم من الاجانب المجنسين – بحقوقهم السياسية فيما يتعلق بالانتخاب او الترشيح او التعيين في المجالس التمثيلية او التشريعية، او فيما يتعلق بوضع قيود قانونية صارمة ومحددة على عملية تجنيس الأجانب المقيمين في هذه البلدان’’.
وأضاف أن ‘’ما يجري في البحرين من تجنيس سياسي او قانوني مفتوح – برغم صغر حجمها وقلة مواردها المالية التي تسندها مساعدات من بعض دول الجوار – يثير استغراب، بل وسخرية، مواطني هذه الدول الخليجية حين يصدمهم لقاء بعض هؤلاء الآسيويين من المجنسين الذين لا قدرة لهم على التكلم حتى باللهجة العامية المحلية’’.
ما الغرض النبيل الذي يهدف إليه هذا التجنيس الرسمي العشوائي؟
ولفت البحارنة في الوقت ذاته إلى أن ‘’البحرين، أفقر هذه البلدان اقتصاديا وأقلها مساحة فيما تبقى حاليا من بعض أراضيها اليابسة والمغمورة التي أصبحت لندرتها تضيق بمواطنيها الأصليين أو المولودين فيها من آباء بحرينيين’’.
وتابع ‘’كما لا يخفى على أحد كثرة العاطلين عن العمل والمحتاجين من السكان للخدمات الاجتماعية عموما وغيرها من خدمات الاسكان والتعليم والعلاج الصحي المجاني والتوظيف، وأن هؤلاء المواطنين في أمس الحاجة إلى كل هذه الخدمات من دون أن ينازعهم او يزاحمهم في حقهم الطبيعي والدستوري، جيش جرار من الأجانب المجنسين تجنيسا سياسيا او قانونيا بدون حدود’’.
وتساءل البحارنة ‘’لماذا كل هذا التجنيس السياسي للاجانب الآسيويين وغيرهم من بعض العرب، وخصوصا البدو منهم، خلال الست سنوات الماضية وعددهم المقدر سابقا بعشرات الآلاف وفي ازدياد يوما بعد يوم، وسنة بعد سنة؟ ما هو الغرض النبيل الذي يهدف اليه هذا التجنيس الرسمي العشوائي الذي سيضاعف – أضعافا مضاعفة – أزمات الإسكان والبطالة والفقر وقلة الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية للحكومة في هذا البلد الصغير سكانا ومساحة؟’’.
ومضى البحارنة في تساؤلاته ‘’أين هي الميزانية الضعيفة للدولة التي ستواجه مشكلات الانفاق الهائل على هؤلاء الاجانب المجنسين سياسيا وذلك بتوفير كل هذه الخدمات الحكومية لهم أيضا لانهم، في غالبيتهم، يواجهون ضائقات مالية ولا يتمتعون بمؤهلات علمية او خبرات تقنية؟’’.
نشر في : جريدة الوقت