اسماعيل ابو البندورة
يجب أن لا يغيب عن بال الجميع في كل الاوقات أن الاولوية العربية الدائمة والرئيسة هي مواجهة الكيان الصهيوني ومشروعه وتحدياته ..
يجب التمييز بين الاختلاف والتناقض مع نظام، والاختلاف على مصير وطن وأمة مستهدفة في وجودها ومستقبلها ..
على كل عربي أن لا يستقوي بالعدو الصهيوني ضد بلاده ووطنه مهما كانت الأسباب، ومهما كان الوجع الوطني وضغوط الاستبداد والانسداد ..
هذه بديهيات قومية نضعها امام عقلنا العربي لكي لا تنحرف البوصلة عن مدارها، ولكي لا يوقعنا العدو الصهيوني في أحابيله ومصائده الخبيثة والشريرة، ولكي لا نتورط ونخلط بين معاداتنا لنظام عربي معين وتناقضنا معه في لحظة معينة، وبين ادراكنا وفهمنا لمعركتنا المستمرة مع العدو الصهيوني وضروراتها ومتطلباتها .
أما تغيير هذه البديهيات والانقلاب عليها، فهو في أعرافنا من معطيات المروق القومي السافر والمغلوط، والخروج عن قيم الأمة، ومن دلالات الشطط وفساد الرأي والفعل والموقف، ومن علامات اقتراب جحيم العرب وقيامتهم واندثارهم .
وعلينا الانتباه الى أن العدو الصهيوني وكما هو دأبه عبر التاريخ، يحاول في المرحلة الراهنة أن يستثمر الفوضى العربية الدائرة في أكثر من قطر عربي في خلق بيئات ومناخات سياسية تحقق أغراض مشروعه من هذه الفوضى، وأولها شق صفوف العرب والوقوف ضد نهضتهم وتحررهم، وابقاء التأزم السياسي في مجالهم وديارهم، وانهاك الامة في حروب وصراعات واقتتالات داخلية وأهلية، واضعاف القوة العربية بانهاك الجيوش في معارك وعمليات استنزاف ثانوية وحرفها عن مهماتها في تكريس قوتها لمواجهته والاستعداد للمعركة المصيرية معه، وتكريس حالة التشرذم والتفكك والانهيار التي تزيد من قوته وغطرسته، وتحقق فكرته الكبرى في واحدية القوة الصهيونية وتعاظمها في المنطقة مقابل تبعثر واضمحلال القوة العربية وتشرذمها .
وهي فرصة تاريخية وسياسية لهذا العدو العنصري الغاشم أن يطلق يده ويفعل ما يريد داخل فلسطين من تطهير مكاني وسكاني، وترويع، وانتهاك، واقصاء للشعب العربي الفلسطيني، دون أن يلتفت احد الى هذه الجرائم أو أن ينبثق على الأقل رأي عام أو صوت لوقف هذه الجرائم والمجازر المتتالية، ولذا فهو يحاول أن يستثمر هذا الزمن العربي المستقطع والاستثنائي لتحقيق أدق مفردات مشروعه الاغتصابي الطغياني، واستكمال انشاء الدولة العبرية الفاشية الخالصة والنافية للأغيار .
وكنا – ' ومثل غيرنا ممن كتبوا وتحدثوا ' – ، قد تحدثنا وكتبنا 'وفي أكثر من مكان ومناسبة' عن الخراب الرسمي والسلطوي العربي الذي يوفر للكيان والعدو الصهيوني هذه المناسبات والمناخات الرديئة والخطيرة والملبّدة، ولكننا لم نكن نتوقع في أية لحظة أن تتغير المعادلات والاصطفافات وأن تصل الى هذا المستوى من الانحطاط والتهالك، وأن يصبح هذا العدو الغاشم مخلّصا ومتدخلا مرغوبا فيه 'يهلل له البعض' لانهاء مخاضات ومواجهات وتناقضات عربية داخلية .
ذلك أن مثل هذا التغيير الكارثي، والانزلاقات السياسية المتهورة، قد تؤدي على المدى البعيد الى تغيير ماهية الصراع وجوهره مع هذا الكيان الغاصب، ويستدخل العدو وشروره في قلب الحياة العربية، وقد يقدم له فرصة ودعما كبيرا في معركته المصيرية مع هذه الامة، وتحديدا اذا استطاع أن يخلق في داخلها حوزة ضد قومية ومتصهينة، وطابورا شامتا مستقويا به، ومؤيدا لجرائمه، اذا كانت تخدم مصالح آنية لجهات سياسية معينة في الداخل العربي، أو أهداف هي بالضرورة رخيصة وانفعالية لا تهتم بالجوهر، وانما تريد اشفاء الغليل السياسي المرضي، وتقديم التناقضات الثانوية البينية الداخلية على التناقض الرئيسي والتحدي الخارجي .
لقد كنا نحب للأمة – كل الامة – وكل نخبها أن تقتدي بالكبار من العرب، وتتمثل تاريخها الذي كان يقدم الصراع الرئيسي على كل التناقضات وفي كل الازمان والظروف . فالخلافات الداخلية يمكن أن تسوّى بطريقة ما، لكن الصراع على الوجود والمستقبل مع العدو الصهيوني لايمكن أن يسوى الا بازالة طرف من أطراف الصراع أو جعل الطرف الصهيوني يمتثل لحل عربي انساني 'للمسألة اليهودية في بلادنا' من منطق القوة والانتصار والتسامح، ووفقا للمبادئ القومية العربية الانسانية، والتعالي الاخلاقي في اشتقاق الحلول الانسانية للبشر التي لا تجعل العرب يكونون في خانة العنصرية والفاشية لا قدّر الله .
واذا كنا نوجه مثل هذا النداء للأمة بكل قواها ونخبها وساستها ومنظماتها واحزابها، فاننا نوجهه في الآن نفسه الى الأنظمة العربية 'تحذيرا ونذيرا' التي تتصارع الآن مع شعوبها وتناقضاتها، أن تستوعب هذه المعادلة – الأحبولة الصهيونية الجديدة، وأن تجد طريقا للتفاهم والتصالح مع شعوبها من أجل مواجهة الخطر الصهيوني الدائم والداهم، وعليها أن تعي أن أية تشققات وتصدعات في الجبهة الداخلية وتفاقمها واستفحالها وأقلمتها وتدويلها، ما هي الا المعابر والمنافذ والكوى التي ينفذ منها العدو الصهيوني الى الأوطان العربية بغية تفتيتها وتخريبها .
وعلى هذا الوعي الجديد والمطلوب أن يسارع الى دفع جميع الأطراف للتفاهم حول كيفية مواجهة الخطر العنصري الصهيوني الداهم أولا، واشتقاق معادلة جديدة في ترتيب العلاقة بين الشعوب والأنظمة في كل قطر عربي بحيث تكون درعا قويا لمواجهة الكيان الصهيوني وتحدياته وأخطاره .
( لانريد أيها الأخوة أن نتألم ونسمع للمرة الثانية من احد العرب الكلام الحاقد القديم الذي قيل عند ضرب بغداد عام 1998 : اللهم لا تبق فيها حجراً على حجر !!