منصور الجمري
البحرين تشهد متغيرات جديدة على الأرض، وهذه المتغيرات تلمس مساحة العمل السياسي المسموح به. فما كان مسموحاً به عندما نشأ مصطلح «الجمعيات السياسية» لم يعد كذلك مع تغيير الحدود الموضوعة لمن يتحرك سياسياً في المجال المرخص بحسب القانون.
عندما بدأت البحرين مرحلة جديدة من الانفتاح السياسي في مطلع الألفية تم استحداث مصطلح «الجمعية السياسية» كبديل عن مصطلح «الحزب السياسي»، والفرق بين المصطلحين هو ما تم إيضاحه في تلك الفترة من أن الجمعيات السياسية يمكنها «الانشغال» بالسياسة، وليس «الاشتغال» بها. فالاشتغال يعني أن الناشطين لديهم برامج سياسية ويدخلون المعترك السياسي حامي الوطيس من أجل الوصول إلى موقع القرار عبر عملية دستورية. أمّا مجرد الانشغال فيُقصد منه التحدث في القضايا السياسية والاهتمام بمجريات الأمور من دون أن يعني ذلك إمكانية العمل من أجل الوصول إلى المستوى الذي تلعبه الأحزاب السياسية في البلدان التي تسمح بالعمل الحزبي.
في فترة لاحقة تم إفساح المجال – بصورة عرفية – لجانب من «الاشتغال» بالسياسة، واعتبر ذلك إبداعاً بحرينياً بحيث تم استيعاب الناشطين الذين كانوا يشتغلون بالسياسة عبر القنوات الملاحقة قانونياً. وعلى أساس ذلك شهدت البحرين حراكاً سياسياً فريداً من نوعه، إذ شعر الناشطون السياسيون بأن عصر العمل السري قد انتهى مع إفساح المجال لمساحة معقولة من النشاط العلني.
لاحقاً بدأت الدائرة تضيق بالعمل السياسي، وبدأت تتزايد الاحتكاكات بين الجهات الرسمية والجمعيات السياسية المرخصة، وصلت إلى مستوى حرج بعد عقد جمعية الوفاق مؤتمرها السنوي في مطلع العام 2010. ومن ثم دخلت البحرين في أحداث 2011، وعلى أساس ذلك تم إصدار «معايير جديدة» للعمل السياسي المرخص، وتم تقييد الكثير من النشاطات التي أصبحت الآن بحاجة إلى رخصة مسبقة، أو الالتزام بضوابط صارمة جداً لعقد أي نشاط أو اجتماع أو التصريح في هذا الشأن أو ذاك، وإلا اعتبرت خارج إطار القانون… وهكذا وصلنا حالياً إلى التعاطي الرسمي على أساس هذه المعايير التي بإمكانها أن تعيد حتى «الانشغال» بالسياسة إلى دائرة الممنوعات كما كان الوضع في فترات سابقة.