هاني الفردان
أكثر المتشائمين في الحكومة ومواليها، لم يكن يتوقع أن يتطرق الرئيس الأميركي باراك أوباما يوم الثلثاء (24 سبتمبر/ أيلول 2013)، إلى الأزمة في البحرين ضمن خطابه الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وذلك عندما تحدث عن القيم التي تلتزم بها الولايات المتحدة تجاه الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، والجهود التي تبذلها لحل «التوترات الطائفية التي لاتزال تظهر على السطح في أماكن مثل العراق والبحرين وسورية».
أكثر المتشائمين في السلطة ومواليها، لم يكن يتصور أن يربط الرئيس الأميركي في خطابه القضية البحرينية بالمجريات الإقليمية، وأكثرهم تشاؤماً، لم يتخيل أن يضع الرئيس الأميركي الوضع البحريني مقارنة بالوضع العراقي والسوري.
بعد خطاب أوباما بساعات فقط سارع وزير الخارجية البحريني للتعقيب أو «الرد» على خطاب أوباما والتأكيد على عدة نقاط أهمها أن البحرين وعبر تاريخها الطويل انتهجت التسامح والاعتدال والتعايش المجتمعي بين مختلف الطوائف والأعراق والديانات التي تشكل المجتمع البحريني المتحضر، بما لا يسمح لأي توتر أو صراع طائفي كما هو حاصل اليوم في دول أخرى كالعراق وسورية.
كما أكد أن «ما يجري في البحرين اليوم هو قيام جماعات إرهابية متطرفة باستهداف رجال الأمن والأجانب المقيمين، بهدف الترويع وإثارة الفرقة وإحداث الفتنة وضرب الاقتصاد الوطني والتنمية، وأن هذه الأعمال تتم مواجهتها بالقانون والقضاء العادل الذي يحمي حقوق الجميع».
في هذا المقال سنعود قليلاً إلى الوراء بمعالي وزير الخارجية، ليس لنذكره فقط، بل لنذكر جميع المستنكرين والشاجبين لخطاب أوباما، بأن الحديث عن أزمة طائفية في البحرين، ليس وليد الساعة، وليس «افتراءً» أو «تلفيقاً» أو «ادعاءً» من رئيس أقوى دولة في العالم، بل هو حديث السلطة البحرينية ووزير خارجيتها، سجله التاريخ يوم الأربعاء (30 مارس/ آذار 2011) وفي مقابلة نشرتها صحيفة «الحياة» مع وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة كان عنوانها الأبرز «الأزمة في البحرين طائفية».
وزير الخارجية الذي نفى في رده أو تعقيبه على الرئيس الأميركي وجود أزمة طائفية في البحرين، بحجة «التسامح والاعتدال والتعايش المجتمعي الذي لم يسمح لأي توتر أو صراع طائفي»، هو من أوائل من قال إبان حموة الأزمة البحرينية إن «المشكلة» في البحرين ليست بين حكم ومعارضة بل عبارة عن «مسألة طائفية» بين السنة والشيعة!
وزير الخارجية قال في تلك المقابلة التاريخية قبل عامين ونصف العام من خطاب أوباما: «نريد أن نؤكد للعالم أن ليست لدينا مشكلة بين حكم ومعارضة، هناك مسألة طائفية واضحة في البحرين، هناك انقسام في المجتمع». في ذلك الوقت لم يكن الوزير يتحدث عن «إرهاب»، ولا عن صراع سياسي بين حكم ومعارضة، بل عن صراع مذهبي بين شيعة وسنة!
لم أفهم هل النسيج المجتمعي البحريني في مارس 2011 كان منقسماً، بينما اليوم هو متلاحم، فلذلك كانت الأزمة طائفية، والآن أصبحت «إرهابية» أو سياسية؟ بعد أن تناولها الرئيس الأميركي أمام الأمم المتحدة، ألم يكن الهدف من كل ما حدث في فترة السلامة الوطنية، هو صبغ الحركة المطلبية البحرينية بصبغة طائفية؟ ألم تكن «الفزعة» في مسجد الفاتح، من أجل إرسال رسالة للعالم بأن ما يحدث في البحرين صراع طائفي مذهبي، وليس سياسياً؟ إذاً ما الذي تغير معالي الوزير؟
معالي الوزير، في ردك على خطاب أوباما أكدت أن «البحرين وعبر تاريخها الطويل قد انتهجت التسامح والاعتدال والتعايش بين مختلف الطوائف والأعراق والديانات في مجتمع متحضر لم يسمح لأي صراع طائفي». ولكن قبل عامين ونصف العام تحدثت عن انقسام سني شيعي، وأزمة طائفية، وصراع مذهبي، لا علاقة له بالحكم والمعارضة!.
معالي الوزير، في مقابلتك مع «الحياة» قلتها صراحة: «الاحتقان الطائفي عمره 1400 سنة، ولم يخلق في البحرين (…) اليوم نحن نعاني من هذا الشيء بين السنة والشيعة (…) بعدما كنا نظن طوال هذه المدة أننا قصة نجاح». معالي الوزير لماذا لوم أوباما إذاً على ما قال؟
وللتوضيح، لم يكن وزير الخارجية هو الوحيد الذي كان يتحدث عن أزمة طائفية، بل كانت السلطة بجميع أركانها، تركز وتؤكد أن الأزمة البحرينية أزمة طائفية ومذهبية، وأن المجتمع منقسم إلى سني شيعي، وأن الخلافات بين مكونات المجتمع الرئيسية، وأن السلطة لا علاقة لها بكل ما يجري.
لقد سُخِّرَتْ وجُنِّدَتْ القوى الموالية، وجمعيات وكيانات ونواب، وخُلِقت «فزعات» وكل ذلك لأهداف «سياسية»، وللتأكيد على وجود ذلك الخلاف الطائفي، وبقيت المعارضة وفئة كبيرة من الشعب المطالب بحقوقه السياسية متمسكين بأن الخلاف ليس طائفياً، ولا مذهبياً، وليس شيعياً وسنياً، بل سياسي.
أول من رد على وزير الخارجية في ذلك الوقت وبعد يوم واحد من مقابلة «الحياة»، الكاتب في صحيفة «الشرق الأوسط» عبدالرحمن الراشد الذي عنون مقالته بـ «الشيخ خالد: المشكلة طائفية» (الخميس 31 مارس 2011)، عندما أكد أن «الأزمة البحرينية اتسعت طائفياً فقط في الفصل الأخير من الخلاف بين الحكومة والموالاة من جهة، والمعارضة من جهة أخرى. فبعد أن ازدادت حدة المعارضة سياسياً ارتفع حجم الاهتمام الخارجي طائفياً».
معالي الوزير هل تملك لنا تفسيراً، بشأن التناقض الكبير بين ما قلته في 30 مارس 2011، بصحيفة «الحياة»، وبين ما قلته رداً على خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما يوم الثلثاء 24 سبتمبر 2013؟
معالي الوزير، الأزمة في البحرين سياسية، ولم تكن يوماً طائفية، ولن تكون «إرهابية».