هاني الفردان
كالعادة سارعت وزارة الداخلية ومن بعد الساعة الأولى من إعلان وفاة سجين جنائي (حسن الشيخ) في سجن جو، للقول بأن مسببات الوفاة «تصرفات فردية»!
وزارة الداخلية أعلنت الخميس (6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014)، عن وفاة نزيل بمركز الإصلاح والتأهيل، فيما أكدت الأمانة العامة للتظلمات بعد ساعات من إعلان الخبر أنه من خلال التحقيقات الأولية، أن «وفاة النزيل بها شبهة جنائية».
وحدة التحقيق الخاصة أعلنت رسمياً الجمعة (7 نوفمبر 2014) أن التحقيقات في الحادثة توصلت إلى أن أحد الضباط وشرطياً من إدارة مكافحة المخدرات قاما ومعهما محاضرٌ بـ «الاعتداء عليه بالضرب هو ونزيلين آخرين مشتبه في تورطهما معه»، ما ألحق بالمجني عليه الإصابات التي أودت بحياته.
وحدة التحقيق الخاصة، سارعت من جديد لتصحيح مسار تصريحاتها، واعترفت ووثقت وأكدت يوم السبت (8 نوفمبر 2014) وقوع جريمة تعذيب بحق السجين الشيخ، وأدى ذلك لوفاته، إذ وجهت الوحدة تهمة التعذيب لضابطين، مشيرة إلى أنه في ضوء ما كشفت عنه إجراءات الوحدة وما وقفت عليه من الملابسات والظروف التي صاحبت الواقعة، فإن التحقيق أخذ مساراً جديداً لقيام جريمة التعذيب التي تتحقق وفقاً لنص المادة (208) من قانون العقوبات، بإلحاق الألم الشديد سواء كان جسديّاً أو معنويّاً بالمجني عليه بقصد الحصول منه على اعتراف ومعلومات، والذي أدى إلى وفاته.
منذ مدة طويلة ونحن نتحدث عن استمرار التعذيب في البحرين، وأكدنا مراراً وتكراراً أن ذلك الاستمرار، يعد بحد ذاته «ممنهجاً» حتى أسفر مؤخراً عن مقتل سجين بين سياط معذّبِين، كنتيجة حتمية لاتباع سياسة «الإفلات من العقاب»، والإنكار المستمر والتبرير اللامتناهي من قيادات المؤسسات الأمنية وحتى الحقوقية الرسمية والسياسية.
مسئول بوزارة الداخلية أكد أنهم لم يسمعوا من قبل عن تقارير دولية تفيد بوجود تعذيب في البحرين! وذلك عندما نفى رئيس الأمن العام اللواء طارق الحسن وجود أية تقارير صدرت من منظمات دولية تتحدث عن التعذيب داخل السجون! وقال بالحرف: «لم أسمع عن تلك التقارير». (السبت 25 يناير/ كانون الثاني 2014، على هامش افتتاح البرنامج التدريبي في القانون الدولي).
وتارةً يؤكّد وزير الداخلية أن «الحديث عن التعذيب في هذه الأيام هو حديث غير مبرر؛ فاليوم هناك موقوفون وآخرون مسجونون وهم في أمانة وزارة الداخلية، وليس هناك من داعٍ لما يُسمى بالتعذيب»، (الثلثاء 2 يوليو/ تموز 2013، خلال حفل تدشين الأمانة العامة للتظلمات بوزارة الداخلية).
وزير الداخلية أيضاً تحدث في الرابع عشر من أبريل/ نيسان 2014، ودعا إلى «عدم الخلط بين التعذيب وسوء المعاملة»، بل هدّد بملاحقة من يتحدّثون عن وجود تعذيب في البحرين قضائياً ما لم يثبتوا ذلك بالدليل!
وزارة الداخلية لم تعترف يوماً بالتعذيب، حتى أجبرها تقرير تقصي الحقائق على ذلك، ولا أعتقد أن أحداً يحتاج أن نذكره كيف كانت الداخلية تدّعي قبل نتائج السيد بسيوني أن استشهاد أربعة من المواطنين (عبدالكريم فخراوي، حسن جاسم مكي، علي صقر، زكريا العشيري) كان لأسباب أمراض وراثية ومزمنة أو فوضى، حتى جاء تقرير بسيوني ليؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن الأربعة الذي استشهدوا في السجن كانت وفياتهم نتاج «تعذيب»، وأضاف لهم الخامس وهو جابر العلويات الذي استشهد بعد الإفراج عنه بأربعة أيام.
ما بعد تقصي الحقائق، جاءت وحدة التحقيق الخاصة لتؤكد استمرار شكاوى أو «مزاعم» التعذيب في البحرين، حتى وإن كان ذلك بشكل منقوص وغير كامل وواضح كما أكدته المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في تقريرها.
وحدة التحقيق التابعة للنيابة العامة تلقت خلال الفترة من أبريل 2012 وحتى فبراير 2014 نحو 400 شكوى سوء معاملة (تعذيب)، وهذه الأرقام جُمعت من بيانات الوحدة التي تصدرها بشكل منتظم في الأسبوع الأول من كل شهر، وهي ردٌ كافٍ على من يدّعي عدم وجود تعذيب في البحرين.
المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في تقريرها الوطني لعام 2013، أكدت هي الأخرى أن «الحق في السلامة الجسدية والمعنوية لا يزال عرضةً لكثير من الانتهاكات تكاد تكون متواترة».
وحدها قيادات وزارة الداخلية تنكر وجود تعذيب، بل تصر على تسميتها بـ «سوء معاملة»! وعلى أنها «تصرفات فردية»، وهو أمر أصبح غير مقبول عقلاً، فعندما توثق جهة رسمية تابعة للنيابة العامة أكثر من 400 شكوى تعذيب وسوء معاملة وتحيل 51 رجل أمن بينهم 8 ضباط، إلى المحاكمات بتهم، وبحسب بيان رسمي «منها جناية الضرب المفضي إلى موت، وجناية إلحاق ألم شديد جسدياً ومعنوياً بشخص محتجز بغرض الحصول منه على اعتراف، وجناية إحداث عاهة مستديمة وجنحة الاعتداء على سلامة جسم الغير»، فإن ذلك لا يمكن أن يصنف فقط ضمن «تصرفات شخصية»، بل حالة قاربت لأن تكون «عامة».
بسبب ذلك الإنكار والتبرير المستمر، ومحاولة التستر على ما يحدث، والتخفيف من حقيقة استمرار التعذيب في البحرين وبشكل «ممنهج»، نتج عنه مؤخراً وفاة سجين، حتى لم تجد وحدة التحقيق مفراً أمامها سوى تأكيد وقوع التعذيب الذي أودى بحياة ذلك السجين.
لا أعتقد أن أحداً بعد اليوم سينكر حقيقة وجود واستمرار التعذيب داخل السجون البحرينية، عدا وزارة الداخلية.