منصور الجمري
يخطئ من يعتقد أن المشكلة في البحرين تختص بمجال «علاقات عامة»، وأن الحل يكمن في توظيف شركات علاقات عامة لحل المعضلات التي نمر بها. ولو عدنا، مثلاً، إلى مطلع السبعينات من القرن الماضي فلربما تجد أن فيلماً أنتجته شركة «ديزني»، باللغة الإنجليزية، عن البحرين من خلال قصة متخيَّلة لصبي شجاع جرى من خلالها التعريف بتراث البحرين وبجوانب جميلة جدّاً من بلادنا كان له أثر إيجابي. فقبل عدة سنوات قال أحد الأوروبيين المحترفين في مجال عمله إنه اختار العيش في البحرين بعد أن شاهد الفيلم، وإنه عندما جاء إلى بلادنا رأى على أرض الواقع طيبة هذا الشعب وأريحيّته، وزار المناطق الأثرية التي ذكرها الفيلم، ومن ثم قرر البقاء.
ولو انتقلنا إلى سنوات لاحقة فسنجد أن البحرين كان يأتي ذكرها في سياق قصص نجاح، مثلاً، إن طائرة «الكونكورد» اختارت البحرين في مطلع 1976 لهبوط أول رحلة تجارية من لندن، وكانت حينها بلادنا الأكثر تطوراً في حركة الطيران و «الترانزيت» والاتصالات والخدمات… وفي تلك الفترة (منتصف السبعينات) أيضاً شهدت البحرين انتقال المصارف إليها بعد أن تحوّل لبنان من «سويسرا الشرق الأوسط» إلى ما يشبه منطقة البلقان بعد انفجار الصراع السياسي وانفجار حرب أهلية أتت على منجزات الدولة اللبنانية التي كانت متقدمة على جوارها في مجالات عديدة.
في ثمانينات القرن الماضي بدأ الوضع في البحرين يتغير، إذ بدأت تتراكم المشكلات السياسية، وكانت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، مثلاً، تخصص ملاحق دورية عن البحرين بصفتها المركز الوحيد في الشرق الأوسط بالنسبة إلى القطاع المالي والمصرفي. ولكن بعض تلك الملاحق احتوت على إنذارات أيضاً لحكومة البحرين بأنها تحتاج لكي تحافظ على موقعها الريادي أن تعالج الجانب السياسي الذي بدأ يؤثر على تلك المنجزات. ولكن البحرين كانت في المقدمة – من ناحية تنويع الاقتصاد والخدمات المتطورة – مقارنة مع دول الجوار، ولذا فقد تم تجاهل كثير من الملاحظات السياسية التي كانت تذكر منذ ذلك الحين.
ثم جاء عقد التسعينات، وشهدت البحرين انتفاضة شعبية، واستمر الحراك الشعبي ضمن مخاضات سياسية واجتماعية عديدة، وألقى بآثاره على كل جانب من الحياة العامة… وجاء بعد ذلك العام 2001، حين دشن ميثاق العمل الوطني مرحلة مختلفة، استطاعت البحرين من خلالها أن تتعافى في عدة جوانب من خلال عدد من الإجراءات التصحيحية. غير أن الأمور عادت إلى التعقيد في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت هناك مؤشرات كثيرة لم يتم الالتفات إليها، وهذا ساهم بشكل مباشر في تطور الأوضاع بشكل غير متوقع العام 2011، وآثار ذلك مازالت معنا. والحل لا يكمن في «علاقات عامة»، لأن الذي شاهد فيلماً لشركة «ديزني» في مطلع السبعينات، أو سمع عن الكونكورد، قام بزيارة البحرين ورأى شواهد على ما شاهده وسمعه عن البحرين.
واليوم نحن نعيش في عصر شفاف يمكن للمرء أن يعرف تقريباً عن أي شيء في أي مكان في العالم، ومهما كانت الإجراءات المعتمدة حالياً لإقامة «ستار حديدي» فإنها لن تكون بأقوى مما كان عليه الاتحاد السوفياتي المتطور جدّاً في زمانه. ففي نهاية الأمر، فإنّ شركات العلاقات العامة تجذب الأنظار إلى البلد أو المؤسسة، وعندما تنجذب الأنظار تحدث مقارنة بين ما يقال وواقع الحال، وإذا كان الاختلاف كبيراً أو متناقضاً… تكون النتائج عكسية وسلبية جدّاً.