اننا نشهد الآن التطبيقات التفصيلية لمشروع التفتيت الاستعماري- الصهيوني بأجلى وأدق عناصرها ومفرداتها ، فبعد رحلة طويلة من ملاحقة ومطاردة ومقارعة المشروع القومي العربي ومحاولاته لتوحيد الامة وتحقيق استقلالها وحريتها ، وبعد اختبارات مختلفة لتمزيق الوحدة القومية واعلان موت العروبة ، يباشر الآن دعاة المشروع ومؤسسوه وأصحابه في تمزيق الوحدة الوطنية للآقطار العربية، وتمزيق الوحدة القومية باستثارة الدعوات الانفصالية والانعزالية (للأقليات )القومية والدينية وتحريك وتدليك العصبيات التحتية والتحريض على نهش الجسد العربي المريض بكل السبل والوسائل ·
وتحت شعارالحق في تقرير المصير تعلن القيادات الكردية الانفصالية العميلة والمعادية للعرب والقومية العربية انفصالها عن جسد العراق وتكريس شمال العراق دولة واقليما مستقلا وخنجرا في خاصرة العراق، أو انها تستثمر هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها العراق للمطالبة بالمحاصصة الجغرافية والسياسية ( تحت عنوان المناطق المتنازع عليها !! ) وتبوؤ المناصب السيادية مثل رئاسة الدولة والوزارات السيادية، مستغلين الوضع المشرذم الذي أنشأه الاحتلال في العراق وحاجة القوى السياسية العميلة الأخرى لاستكمال مخططاتها في اتباع العراق لأمريكا وايران واقتسام المكاسب والمناصب وتحقيق اهداف هذه الدولة الخارجية أو تلك ·
وتحت نفس الشعار وخفاياه والمكبوت فيه يعلن جنوب السودان انفصاله، ويعلن قادة الانفصال برنامجهم المتوّج بتعزيز العلاقة مع الكيان الصهيوني ومعاداتهم للعرب والعروبة وغموض وغياب الاهداف الاخرى المدّعاة كسبب للانفصال ·
وهكذا هو مسار التفتيت والتفكيك الذي يجري تحت عناوين مختلفة وفي اقطار عربية مختلفة مثل اليمن ولبنان ومصر والبحرين والكويت والمغرب والجزائر· اذ اصبح من لايطالب في هذه الدول بحق تقرير المصير والانفصال عن الدولة يطالب بحق الانتماء لدولة الفقيه في ايران بديلا عن الانتماء العربي والعقيدة القومية العربية ·
هذه هي الصورة الجارحة التي نجد أ نفسنا امامها الآن، وهذا هو المشهد الذي تعاملنا معه سابقا بقليل من الاهتمام والتبصر والتدبر ونراه الآن وهو يحقق غاياته ويعمل على تشطير الأمة وانتهاك سيادتها ووحدتها الترابية والقومية، ويعلن على ارض الواقع الموت المبكر لفكرة الأمة الواحدة والقومية الجامعة، ويخلق وقائع تسير باتجاه المزيد من التمزيق والتخريب والانتهاك والتدمير ·
ولمن يرغب في تسويغ وتبرير وتأييد هذه الانشطارات ( الموجهة صهيونيا واستعماريا ) بحجة الحق في تقرير المصير ومشروعيته ويعزو بعض هذه الانشطارات الى اخطاء عصبوية للأكثريات أو هيجانات غير عقلانية كانت تحرم هذه الفئات من حقوقها ، نقول أن القومية العربية لم تعترف بوجود أقليات وأكثريات في الوطن العربي من باب اندماج معظم مواطني الوطن العربي في نسيج انساني ووجودي واحد هو الأمة العربية بمواطنيها على اختلاف مشاربهم السياسية والقومية والعرقية والدينية، واذا وجدت مثل هذه الأقليات فهي جزء من النسيج العام للقومية العربية، وجزء لايتجزأ من الأكثرية القومية ومكون من المكونات القومية وليست أقواما واديانا وطوائف خارجية لاعلاقة لها بالامة وتاريخها ووجودها ·
وكان حريا بهذه الفكرة القومية الانسانية التسامحية التوافقية أن تشبع كافة الرغبات والاعتبارات والخصوصيات التي يشعر بها البعض، لولا أن هذا البعض أراد أن يعرّف نفسه على أنه أقلية وله حقوق منقوصة وأنه في حالة تجابه وتضاد مع أكثرية قومية، ولولا أن هذا البعض وجد من يحرضه على أن يكون خارج الأمة العربية وليس داخلها ، وكلنا يعرف ماكشفته الوثائق عن علاقات البرزاني الأب مع ايران وامريكا والحركة الصهيونية فيما يتعلق بالحركة الانفصالية الكردية ودورها في مشروع التفتيت ، كما اصبحنا نعرف أن تحريك جنوب السودان قد تصاعد بشكل ظاهر بعد أن تم ادخال السودان العربي في ماكنة التشطير والتفكيك الاستعمارية وعجلاتها وليس بناء على بعض المطالب الحقيقية والمشروعة التي طالب بها ابناء الجنوب السوداني من الحكومات والانظمة المتعاقبة في السودان ·
ان ما نشهده الآن هو احياء واستثارة وتحريك وتهييج واستنهاض لكل العصبيات التحتية القومية والطائفية والجهوية والدينية والعشائرية لتقويض الوحدة الوطنية حتى في داخل الدول القطرية، وجعل الكيانات القطرية العربية مسرحا وساحات صراع وتنازع وتوتر وانفلات حتى يكون الفضاء مفتوحا لكل القوى الطامعة والطامحة لكي ترسم مشاريعها وخططها، لتوظيف هذه التمزقات لغاياتها ومصالحها السياسية القومية ·
ولأن الأنظمة العربية لاتعي ولاتدرك ولا تشعر، كما يبدو، بمثل هذه النار وهذا الحريق الكبير الذي تمتد نيرانه الى عقر دارها، لابل انها في بعض مساراتها الشيطانية تشعل هي نار الفتنة وتخلق الانجراحات الوطنية لاسباب عابرة، وتعجل بامتداد النيران الى اوطانها ، فاننا نطالب كافة القوى العربية الشعبية الحية في الوطن العربي لكي ترفع صوتها من أجل تعزيز الوحدة الوطنية في الاقطار العربية وعدم السماح للأنظمة والقوى الخارجية بتمزيق هذه الوحدة ودق الاسافين فيها، والوقوف بحزم ضد موجة وهجمة التفتيت والتشطير القائمة، ومواجهة عمليات الانفصال في شمال العراق وجنوب السودان، وموجات التحريك الطائفي في اليمن والكويت ولبنان والبحرين وغيرها من الأقطار العربية·
ولنعلن بصوت قوي وواضح وقوفنا ضد المشروع الطائفي والمشاريع الانفصالية بكافة الوانها وعناوينها وادعاءاتها، ولنناشد القوى الحية في الاقطار العربية لنزع الفتيل الطائفي واحترام الاقوام والاديان التي تعايشت واندمجت منذ الازل في اطار وحياض الامة العربية ·
علينا استعادة الدعوة القومية العقلانية الراسخة باعتبار العرب هم كل من يعيش على الارض العربية، ويحيا همومها ومصيرها، ويتفاعل مع قضاياها، لا تفريق بينهم في الجنس واللون والدين والطائفة، ولهم نفس الحقوق والواجبات ولا خصوصيات لهم في جسد الامة الا بمقدار اندماجهم في نسيج الامة وقضاياها وهمومها، ولهم ما لابناء الامة وعليهم ما عليهم،فالاقليات وفقا للفكرة القومية العربية الانسانية لم تكن ولن تكون في نسيج الامة العربية الواحدة التي تدمج ولا تخرج، وتوحد ولا تفرق ·
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.