هاني الفردان
قد يذهب البعض لفهم كلمة «مسرحية» الحوار على أنها «كذبة»، وقد يرى آخرون أنها خشبة مسرح يتراقص عليها المتحاورون، وقد يتجه غيرهم إلى الاعتقاد بأن مشروع «الحوار» ما هو إلا رواية تسرد في وقت معين للتسلية وإضاعة الوقت.
كما قد يتصور كل شخص بطريقته وفهمه لحقيقة ما يجري على طاولة الحوار، بالطريقة التي يرتضيها ويتخيلها، بحسب تفكيره السياسي، إلا أن الحقيقة تقول بأن جميع شعب البحرين مجمعٌ على أن هذه «الطاولة» أو «خشبة المسرح» لن تكون «مخلصاً» للبلاد من أزمتها.
الواقع يقول إن طاولة الحوار بعد 168 يوماً من انعقاد أولى جلسات الحوار في العاشر من فبراير/ شباط 2013، وبعد 25 جلسة (23 جلسة رسمية وجلستان للفريق المصغر)، فإن المحصلة من كل ذلك «صفر» وبلا نتائج حقيقية يمكن تلمسها على أرض الواقع، أو تقدم في العملية السياسية، سوى «الجلوس فوق الطاولة».
الواقع يقول أيضاً إن طاولة الحوار، غير جادة سواءً كان ذلك من قبل السلطة أو المعارضة، فكل طرف متمسك بمواقفه ورغباته وطلباته، دون التراجع عنها.
الواقع يقول إن العمل السياسي من خارج طاولة الحوار سواء كان إيجابياً أم سلبياً، كان «أنجع» وأكثر إنتاجية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن السلطة عندما أرادت الوصول إلى حلول لمواجهة حركة 14 أغسطس سارعت إلى المجلس الوطني لإيجادها أمنياً، ولم تتجه لطاولة الحوار والبحث عن مخارج سياسية، وهو ما يؤكد أن الحلول السياسية دائماً مستبعدة، وأن الخيار الأمني هو المشروع المطروح دائماً.
طرحنا من قبل أن الحل السياسي للبلد لن يكون أبداً من على طاولة الحوار الحالية، ولذلك انزعج وزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف الشيخ خالد بن علي آل خليفة ممثل الحكومة على طاولة الحوار من طرحنا بأن الحل للأزمة السياسية والأمنية الخانقة التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عامين سيأتي من «تحت الطاولة»، وتحدّث عبر حسابه على «تويتر» أن ما تحت طاولة الحوار «نعل وأحذية»، في فهم وقراءة سياسية غير منطقية وخارج إطار الوعي الحقيقي لفهم المصطلح، والعمل السياسي.
إلا أن وزير العدل عجز حتى الآن، عن إقناع الشارع البحريني وحتى المجتمع الدولي بأهمية طاولة الحوار الحالية التي يحب الجلوس فوقها، لذلك لازال يكرّر ويعيد بأن «أهم إنجاز للحوار هو جلوس جميع الأطراف على طاولة واحدة»، وهو الأمر الذي انتقدناه بشدة، خصوصاً أننا أكملنا 168 يوماً من انطلاق جلسات الحوار، دون أية نتيجة سوى الجلوس فوق الطاولة، حتى ذهب الوزير في أكثر من مرة عبر تصريحات إعلامية لـ«يزيد الطين بلة» ويصف ما يجري «فوق الطاولة» بـ«المهزلة»، متهماً أطرافاً بـ «تعطيل» جلسات الحوار!
كيف يمكن للجمهور المحلي والدولي المشاهد لـ «مسرحية» الحوار، أن يؤمن بأن هذه الخشبة، سواءً كانت مسرحية أم طاولة ستكون نتاجاً لحلٍّ «ذي مغزى» بحسب ما ينتظره المجتمع الدولي منه، قبل المحلي.
كيف سيأتي الحل، من فوق طاولةٍ يصف وزير العدل ما يجري عليها بـ «المهزلة»؟ لذا لا تستغرب ولا تستنكر، ولا تلم من سيصف هذه الطاولة بـ «المسرحية»، فـ«المهزلة» و«الهزلية» عادةً ما تكون على خشبات المسارح لتضحك الجمهور عبر رسائل فكاهية مضحكة ومبكية على حالهم وواقعهم.
وعلينا أن نتذكر بأن أكثر ما أضحك الجمهور في «مسرحية» الحوار، القول بأن سبب رفض أو منع زيارة مقرّر التعذيب في الأمم المتحدة إلى البحرين هو عدم «الإضرار بفرص نجاح الحوار»!
من المتناقضات الموجودة لدى الجهات الرسمية بشأن الحوار، هو عدم قدرتهم على التشخيص الحقيقي لما يجري فوق الطاولة، فمرةً ترى وزير العدل يصف الحوار بـ«المهزلة»، ومرةً أخرى يرفض الحديث عن وجود «مأزق» في الحوار. ففي 9 مايو/ أيار 2013 وصف الوزير ما يجري على طاولة الحوار بـ «المهزلة»، عندما اتهم قوى المعارضة بالسعي لتعطيل الحوار من خلال الإصرار على «التمثيل المتكافئ». وبما أن المعارضة لازالت متمسكة حتى الآن بهذا المطلب، فإنه بالتأكيد سيبقى وصف الوزير لما يحدث على الطاولة بـ«المهزلة»، ومع ذلك الوصف يرفض الوزير أي قول أو قائل بأن طاولة الحوار تعيش «مأزقاً» (صحيفة «الشرق الأوسط» 30 يونيو/ حزيران 2013).
كيف يمكن أن نفسر أن الحوار لا يعيش في «مأزق»، ولكن في الوقت ذاته يصفه بـ «المهزلة»؟
في الجانب الآخر من مشهد طاولة الحوار، لا يعتقد أي من الأطراف الرئيسية، سواء كانت المعارضة أم الموالاة، وجود مؤشرات إيجابية يمكن أن تؤدي إلى نتائج حقيقية واقعية تحل الأزمة البحرينية.
جميع الأطراف ستعود اليوم إلى طاولة الحوار، ولكن من غير «أمل» أو حتى تفاؤل، والكل مشحون باليأس، هذه هي الحقيقة الواقعية، ويكذب على نفسه من يقول عكس ذلك.
الواقع يقول إن طاولة الحوار قبل الإجازة وبعدها كانت وستكون خشبة مسرح، تراقص عليها المتحاورون وسيتراقصون، أضحكوا وسيُضحِكون الجمهور، على حالنا السياسي وأوضاعنا المأساوية، وإن مشاهد الرواية وفصولها تحتاج إلى مسرحيات أخرى، وطاولة تختلف عن طاولة الوزير.