هاني الفردان
تتزاحم التصريحات الرسمية بشأن حقيقة إعادة بناء مسجد الشيخ محمد البربغي الواقع في منطقة عالي والمحاذي إلى شارع الشيخ خليفة بن سلمان أو ما يعرف بـ «الهايوي»، وكلها يتحدث عن إعادة وضعية المسجد الموجود منذ العام 1549 (بحسب الروايات) وهدم من قبل السلطة في 17 إبريل/ نيسان 2011.
المسجد عبارةٌ عن مزار تاريخي قديم لشيخ جليل عرف بـ «الشيخ أمير محمد بربغي»، له قبر في المسجد الذي تسعى وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف، بالتعاون مع إدارة الأوقاف الجعفرية الجديدة، إلى تغيير موقع المسجد بعدما هُدم ضمن الحملة التي شنّت على المساجد الشيعية في 2011 ولأهداف سياسية «طائفية».
بحسب موقع الأوقاف الجعفرية فإن المسجد يقع في قرية عالي من المحافظة الوسطى، ويضم ضريح الشيخ أمير محمد بربغي، نسبة إلى تلك البلدة (بربغ) أو (بربغي) وهي بلدة قديمة، بني المقام في منتصف الثمانينات من القرن الميلادي الماضي، وكانت إلى جانبه عين تسمى عين بربغ أو بربغي.
يقول العلامة الشيخ إبراهيم المبارك رحمه الله عند ذكر مزارات البحرين: أمير محمد، في طرف عالي من الغرب، وعليه قبّةٌ بنيت في قريب العهد، ولم نعرف عنه شيئاً ولعل إمارته تلك قيادة جيش كأمير زيد.
ويقول قيّم المقام الحاج سلمان بن إبراهيم المبارك (مواليد 1953) إنهم كانوا يزورونه من قبل وإنهم شاهدوا القبر وكان مكتوب عليه: الشيخ أمير محمد بربغي. وبني هذا المقام بعد إنشاء الشارع العام الذي يمر بمقربة منه سنة 1984. وإن أول من بناه أحد المؤمنين من أهل عالي كان مريضاً ونذر ببنائه، ولما تعافى بناه.
هدم المسجد ضمن 38 مسجداً آخر، كلها للطائفة الشيعية، من قبل السلطة التي اعترفت بعملية الهدم، وبرّرت ذلك بأنها كانت «مخالفة للقانون»، حتى جاء رئيس لجنة تقصي الحقائق البروفيسور محمد شريف بسيوني ليؤكد في الفقرة رقم (1334) «أن من الطبيعي أن يُنظر إليه باعتباره عقاباً جماعياً من شأنه أن يؤجّج التوتر بين الحكومة والمواطنين الشيعة».
أفرد تقرير لجنة تقصي الحقائق في تقريره مبحثاً خاصاً لـ «هدم المنشآت الدينية (الشيعية)» مكوّناً من 12 صفحة تحدثت فيه عن تلقيها تقارير تفيد بهدم 53 منشأة دينية (44 مسجداً، و7 مآتم ومقبرتين) خلال الأحداث في فبراير ومارس 2011، أو نتيجة لتلك الأحداث.
وباشرت اللجنة عبر فرقها التحقيق في 30 موقعاً للتأكد من صحة ما ورد لها، إذ عمل محقّقوها على التقاط صور وسجّلوا قياسات والتقوا مع الشهود على عمليات الهدم، وصاحبهم في ذلك مهندس معماري استشاري وضع تقريراً مفصلاً، وساعد اللجنة في تفسير مدلول بقايا المباني المهدّمة في المواقع.
خلصت اللجنة إلى أن الحكومة هدَّمت الثلاثين موقعاً الذي قامت بالتحقيق بشأنها خلال فترة الدراسة، موردة بالتفصيل الكامل تاريخ هدم كل مسجد أو مأتم أو ضريح. وتحدثت اللجنة عن «قلق المحققين بشأن هدم عشرة مساجد في قرية النويدرات، وهو أكبر عدد أماكن عبادة يُهدم في يوم واحد، وفي موقع واحد خلال أحداث فبراير ومارس 2011».
مسجد البربغي من بين تلك المساجد المستهدفة، ولحقيقة الأمر فإن استهداف المسجد التاريخي، كما هو استهداف بقية المساجد الشيعية التي أقر بها «تقرير السيد بسيوني» ليس لوجود مخالفات قانونية، بل لأن هذه المساجد تتواجد في مناطق لا يُراد لها الوجود فيها، فليس خافياً على أحد أن المخطّط هو أبعد من مسألة هدم وإعادة بناء، بل هو إبعاد هذه المساجد «الشيعية» عن المناطق والشوارع الرئيسية.
الكل يعلم بقصة جامع المرحوم الوجيه الحاج حسن العالي، وكيف تعيق السلطة بناءه، لأسبابٍ يعلمها الجميع نتحدث عنها الآن، وتحدث عنها (الأسباب) السيد بسيوني عن استهداف واضح ومقصود لفئة في المجتمع.
وبالتالي فإن ما تتحدث عنه إدارة الأوقاف الجعفرية الجديدة عن إبعاد المسجد 30 متراً (وهو رقم غير صحيح أبداً) عن الشارع العام، يصب في تحقيق ذلك المخطط المدروس بدقة، لإبعاد المسجد عن موقعه الأصلي.
المخطط واضح، إبعاد المسجد عن الشارع الرئيسي لمسافة كبيرة، ومن ثم إدخال مشاريع جديدة بين المسجد والشارع، لتغطّي معالم المسجد التاريخي عن الشارع الرئيسي، ولكي لا يراه الناس.
الأوقاف الجعفرية التي تقر عبر موقعها الإلكتروني بخصوص تاريخ مسجد البربغي، وقبر الشيح أمير محمد البربغي الموجود فيه، ها هي الآن توقع نفسها في حرج شديد أمام الرأي العام بشأن قدرتها على تغيير وقفية مسجد له تاريخه من موقع لآخر حتى ولو كان ذلك بمسافة عشرات الأمتار فقط؟ وها هي مساءلة عن ما ألزمت نفسها به من عدم المساس بالأراضي الوقفية أو العبث فيها؟ وها هي بعد فضيحة مشروع «إسكان سلماباد» تقع في فضيحة تغيير موقع مسجد البربغي.
ويبقى السؤال إلى إدارة الأوقاف الجعفرية: ما هو مصير قبر الشيخ محمد البربغي؟ هل سينقل هو الآخر إلى الموقع الجديد؟ أم ستساهم في طمس معالمه؟ وتغيير موقعه التاريخي؟ والمساعدة في طمس التراث «الشيعي» في هذا البلد، لدواعي مراعاة حرمة شارع عام، وعدم مراعاة حرمات طائفة بأكملها!