رملة عبد الحميد
البحرينيون متدينون بالفطرة، فلم تكن كثرة معابدهم قبل الاسلام، ومن ثم مساجدهم بعده، إلا انعكاساً لحبهم للعبادة والاختلاء بربهم عشيةً وضحى. ولم تكن قبور عالي التي لم يتميّز بها سواهم إلا تطبيقاً والتزاماً بما آمنوا به من عقيدة الخلود المتأصّلة في نفوسهم، إذ لم تكن هي لديهم ترفاً أو أضغاث أحلام.
هكذا هم البحرينيون على مر أزمانهم، يعمرون المساجد تشييداً وعبادةً، يسيرون في ذلك على سنة ونهج حبيبهم رسول الله (ص) الذي نعتهم بـ «نِعم القوم عبد القيس»، وفي موضعٍ آخر دعا لهم حين قال فيهم «اللهم اغفر لعبد القيس أتوني لا يسألوني مالاً، هم خير أهل المشرق»، فلماذا تم هدم مساجد خير الناس، وأطيب الناس؟
ثمانية وثلاثون مسجداً كانت حصيلة ما تم هدمه في فترة السلامة الوطنية، منها مسجد الشيخ أمير محمد بربغي، الذي يقع في منطقةٍ قديمةٍ كانت تسمى بربغي الواقعة بين عالي وسلماباد، وتعني كلمة بربغي الناعم، فيقال عَيْش رابِغٌ أي ناعم، وكانت منطقةً معمورةً قبل 400 عام تقريباً، وجّل أهلها هم من المزارعين. وقد بُني مسجدها في العام 1549 هـ (2124 م)، وأعيد بناؤه في منتصف الثمانينيات من القرن الميلادي الماضي، بتبرعاتٍ من الأهالي، ولم يعرفه الناس إلا بعد تعبيد الشارع العام.
ما يُعرف عن صاحب المقام الشيخ أمير محمد بربغي هو ما ذُكر في أمهات الكتب الدينية البحرينية عبر المحققين، وأبرزهم الشيخ جعفر الخطي البحراني المتوفى سنة 1028 هجرية (1618 م)، ويروي الأهالي عن لسان قيم المسجد الحاج سلمان بن إبراهيم المبارك (مواليد 1953) إنه شاهد القبر وكان مكتوب عليه «الشيخ أمير محمد بربغي».
هذا المسجد التاريخي القديم كان أحد الـمساجد الـ 38 التي أقدمت السلطات على هدمها قبل عامين. ونظراً لارتباط الأهالي بالمسجد وتاريخه القديم قاموا بإعادة تسويره بسورٍ لا يتعدى ثلاث طابوقات ودورة مياه، وذلك لإقامة الصلاة جماعةً فيه، مرةً كل أسبوعين، آملين في أن تعيد الحكومة بناءه من جديد، لكن مازال التعدي عليه مستمراً، إذ تتعرّض دورة المياه فيه للتخريب والتكسير، والتعدّي على القبر، مع أن للميت حرمة في الإسلام. إضافة إلى الكتابات المسيئة إلى أصحاب المذهب، وفي كل يوم تسري أخبار عن وجود نية لهدم السور من جديد. فهل تنهي الحكومة هذا الجدل بإعادة بنائه؟ أما أنها ستصر على إهماله وعدم بنائه، مرتكزةً على الوقت، والذي في ظنها إن طال كفيل بأن ينسى أهل البحرين هذا المسجد الإسلامي التاريخي العريق.
لقد أقدمت الحكومة على هدم مسجد الأمير البربغي في 17 أبريل/ نيسان 2011، واليوم يمر عامان على تهديمه، دون بادرةٍ تذكر في الاتجاه الصحيح، فإن عزّ الاعتذار فهل سيُعاد البنيان، ومازال مسجد الأمير البربغي ينتظر… فهل سوف تستمر المماطلة ويطول الانتظار؟