كان الدعم الأمريكي لتنظيمات من ''المعارضة العراقية'' السابقة ـوالمتحكمة في مقدرات العراق اليومـ هو امتداد للتخطيط الأمريكي الصهيوني الإيراني لغزو واحتلال العراق، وقد استخدمت قوات الاحتلال الأمريكية هذه الأدوات لتحقيق أهدافها في العراق بإسقاط حكمه الوطني القومي، ناهيك عن مشاركة الحزبين الكرديين، والعديد من الخونة الذين سقطوا في الوحل الأمريكي، وقبضوا ملايين الدولارات التي استرجعها المحتل من النفط المسروق من العراق، خصوصاً بعد تشريع الكونجرس الأمريكي لقانون ''تحرير العراق'' عام 1998 في زمن حكم الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون.
ومنذ الأيام الأولى للاحتلال البغيض بدأت علامات التقسيم الطائفي للعراق، إذ تفرغ هؤلاء الصبية الأشرار بعد أن مكنهم المحتل من مقدرات العراق بوضع أيديهم على جغرافية العراق لتقسيمها بينهم، وهذه أولى أهداف الاحتلال وأعوانه من طائفيين عراقيين وإقليميين، وذلك من أجل قتل الروح الوطنية لدى العراقيين واستبدالها بروح الانتماء الطائفي والعرقي، ومن أجل إلغاء اسم العراق كوطن للعراقيين وتحويله إلى كانتونات طائفية تتحكم به وبمقدراته مجموعة من العصابات والميليشيات المارقة والفاسدة والقاتلة، وأصبح هؤلاء دُمى تُحركهم الأنامل الأمريكية والصهيونية والإيرانية. واستطاعت قوات الاحتلال منذ ذلك الوقت البغيض أن تفرض حالة الانقسام الطائفي والمذهبي على العراقيين من خلال ممارستها وأعوانها وعصاباتها كل أنواع الإرهاب والقتل، وتفجيرات وتدمير للمواقع الدينية والاقتصادية والمدنية والأمنية، وتهجير أبناء العراق قسراً إلى الداخل والخارج.
ولأول مرة في تاريخ العراق تغيب عن إدارته الأوجه الوطنية العراقية، وتحلُ محلها أوجه من أصول إيرانية وباكستانية وأفغانية وهندية حاقدة على العروبة، ووجوه كردية تحمل لواء الانفصال، ووجوه متجنسة بالجنسيات الأمريكية والبريطانية والغربية الأخرى، هؤلاء أصحاب الوجوه الذين يجمعهم كره العراق والعراقيين، فاقدو الإحساس والوطنية العراقية والهوية العربية، ولا يتمنون أكثر من أن يبقى الاحتلال جاثماً على أرض العراق ليستمروا في التحكم في مقدرات هذا الوطن الذي يلفظهم وبالشعب الذي يكرههم، يتمنون أن يبقى الاحتلال معتدياً وناهباً وسارقاً ومدمراً في مقابل ما يتمكنون من الاستفادة من بقائهم في مناصبهم التي وضعهم فيها الاحتلال. وهي شواهد لا تحتاج إلى أدلة وبراهين، إذ الحالة في العراق هي أصدق بيان على هذه الحقيقة. فمواقف هؤلاء وعلى رأسهم (رئيس الحكومة الاحتلالية الرابعة) يخدمون المحتل وأهدافه، وجميعهم يعملون على إبقاء الأوضاع العراقية على ما هي عليه أو توصيلها إلى أسوأ من ذلك؛ خدمة لمصالحهم ولمصالح الأجندات الأمريكية والأجنبية. وهل هناك عراقي يقبل بذلك؟
فهل تحقق للعراق السيادة على أرضه خلال هذه السنوات الخمس؟ وهل فقد هذه السيادة أصلاً حتى ترجع إليه؟ وهل كان العراق محتلاً سابقاً حتى تحرره أمريكا؟ وهل بعد هذا ''التحرير المزور والمرهون'' كان للشعب العراقي القدرة على حكم بلاده المحتلة؟ وأن تكون له سلطة دستورية كاملة تصون البلاد من مؤامرات الخونة والأعداء والمحتلين؟ وهل من عزاء للعراقيين على الدماء الغزيرة التي سفكت ظلماً وعدواناً؟ وهل بقى الشعب العراقي موحداً بأطيافه السياسية والدينية والمذهبية والعرقية؟ هل هناك في العراق اليوم مَن يحكمه بالعدل وبالقسطاس المستقيم؟ هل جميع العراقيين آمنين على حياتهم وممتلكاتهم كما كانوا بالأمس؟ مَن يستثمر نفط العراق اليوم؟ وما هي علاقة شمال العراق بوسطه وجنوبه؟ أم غاب ذلك الزمن الوطني القومي الجميل؟ نعم لقد غاب ذلك الزمن الوطني القومي الجميل من العراق.. ولكن في وسط هذا الظلام الدامس، وفي قمة الانحطاط السياسي والأخلاقي للمتحكمين في مقدرات العراق أرضاً وشعباً وثروات.. نرى سجل المقاومة العراقية الباسلة مليئاً بالمفخرات وهي تسطر أروع الملاحم والمنازلات مع الجيش الأمريكي وأعوانه، سجلاً ناصع البياض على مدى خمسة أعوام، وهذا السجل مفخرة من مفاخر ليس العراق فحسب، بل الأمة العربية.
ومن يقرأ تاريخ العراق ومدنه الشامخة، يستمتع بسطور بطولات أبنائه ضد الاحتلال وأعوانه، لقد سحق أبناء العراق القوات البريطانية عندما وطأت أقدامهم على أرضه، وأذاقوهم مرارة الهزيمة، وها هم أحفاد أولئك الشجعان البواسل يذيقون ذات الهزيمة ومرارتها لقوات الشر الأمريكية في العراق وأعوانهم، واستطاعت بندقية المقاومة العراقية أن تُلقن الجندي الأمريكي دروساً في القتال، وأن تبين للعراق وللعرب وللعالم أجمع أهداف ومبادئ الجحيم الديمقراطي الأمريكي. هذا الجحيم الذي أنفقت عليه واشنطن المليارات من الدولارات وآلالفاً من القتلى والجرحى الأمريكيين، ووضعت لذلك الخطط وجلبت الخبراء والمختصين، إلا أنها أخفقت في تحقيق أي من أهدافها. لم يقرأ المحتلون كتاب العراق جيداً.. لذا فإنهم لن يحققوا أياً من أهدافهم، وهم متأكدون من أن قادة العراق الأبرار الذين تم اغتيالهم وأسرهم في السجون لم يكونوا مفسدين في الأرض، بل إن الأمريكيين متأكدون بأن أولئك القادة كانوا صادقين في وطنيتهم، ومخلصين لعراقهم، ومحافظين على عروبتهم، وكانت خدمة شعبهم وحماية مصالحه الوطنية والقومية هي هدفهم الأساس، ويعرفون أيضاً أن هؤلاء الصبية الدمى التي تحركهم الخيوط الأمريكية والصهيونية والإيرانية ليست ثمة حدود لخيانتهم للعراق، وليس في قلبهم أي حُب للعراق ولا لشعبه، ويدركون أنهم لو خرجوا من العراق سيهرول هؤلاء خلفهم طالبين الحماية والنجاة.
ومنذ خمس سنوات مازالت الجرائم الديمقراطية الأمريكية تُنفذ بحق العراق والشعب العراقي، وفقاً لقوائم معدة سلفاً في طهران وتل أبيب، والهادفة إلى تدمير العقل العراقي، وإلغاء دولة العراق من خارطة الوطن العربي الكبير، وتغيير هويته العربية والإسلامية. ورغم هذه السنوات العجاف من تاريخ العراق إلا أن أملنا كبير في تحقيق النصر المبين، هذا النصر الذي بدأت تتلألأ أنواره في سماء العراق، مبشراً بقرب ساعة الخلاص من الاحتلال الأمريكي ومن أعوانه ومَن آزره، فالمقاومة العراقية الممثل الوحيد للشعب العراقي كفيلة بأن تُعيد للعراق حريته وسيادته، وأن تطهر أرضه من كل ما علق به من أوباء طائفية وبكتيريا عنصرية وأوساخ مذهبية. فمستقبل العراق ليس لهؤلاء بل لمَن يقاوم الاحتلال.
نشر في : صحيفة الوطن
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.