قال مركز البحرين لحقوق الإنسان أن المحاكم المدنية فشلت في تصحيح الإنتهاكات البشعة التي ارتكبتها محكمة السلامة الوطنية (عسكرية) ولم توفر للمعتقلين ضمانات المحاكمة العادلة.
وأضاف المركز وهو منظمة بحرينية حقوقية في بيان له، أن محكمة الرموز والأطباء ونشطاء حقوق الإنسان نماذج تكشف بوضوح العدالة الزائفة في البحرين.
وبحسب البيان فإنه يساور مركز البحرين لحقوق الإنسان قلق شديد حول مصير عشرات المحكوميين بفترات سجن قاسية يصل بعضها إلى المؤبد على خلفية قضايا ارتبطت بموجة الإحتجاجات الشعبية الواسعة المطالبة بالحرية والديمقراطية التي اندلعت في 14 فبراير 2011 وما تلاها من تداعيات، خصوصا بعدما تبدد أمل أن يحظى أولئك السجناء المظلومين بفرصة محاكمة عادلة متوفرة على معاير وضمانات العدالة التي كفلتها لهم كل المواثيق الدولية ودستور مملكة البحرين.
وكان معظم هؤلاء السجناء قد صدرت ضدهم أحكام من محكمة خاصة وهي محكمة السلامة الوطنية (عسكرية) التي أُدينت إجراءاتها بشدة من قبل المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة التي رفضت أن يحاكم مدنيون أمام محاكم عسكرية كما وصمت المحاكمات فيها بغير العادلة ولم توفر أدنى معايير المحاكمة العادلة واستندت بشكل أساسي في أحكامها على اعترافات انتزعت بالإكراه والتعذيب بل أنها كانت محاكم عرفية سيئة لم يشهد تاريخ البحرين المعاصر مثلها، وقد وثق تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق في نوفمبر 2011 ما شابها من انتهاكات فظيعة وغير مسبوقة.
اليوم وبعد أكثر من عام على إحالة القضايا التي نظرت فيها المحاكم العسكرية للقضاء المدني فقد جاءت نتائج تعاطي النيابة العامة المدنية والمحاكم المدنية التي أنيطت بها مهمة تصحيح الفظائع التي ارتكبها القضاء والنيابة العسكرية في محكمة السلامة الوطنية بحق جميع المعتقلين، لتبرهن من جديد على ما أورده مركز البحرين لحقوق الإنسان حول القضاء المدني وانتهاكات النيابة العامة[1] ، إلى جانب العديد من المنظمات الدولية في تقارير سابقة منها تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش (لا عدالة في البحرين) الذي كشف عن عجز وفساد القضاءين المدني والعسكري وأنهما يفتقران بشكل واضح لأهم مقومات العدالة وهي استقلال القضاء ورفع يد السلطة وهيمنتها عليهما إلى جانب ضرورة الإلتزام بالضمانات الدستورية للمحاكمة العادلة، وأشارت تلك النتائج التي توصل لها المركز بوضوح إلى فشل القضاء المدني الذي أضحى أداة للإنتقام والإضطهاد السياسي من النشطاء الحقوقين والرموز السياسيين وسجناء الرأي وكثير من النخب المجتمعية مثل الأطباء والمدافعين عن حقوق الإنسان وكل الذين يختلفون مع السلطة أو يطالبون بالحرية والديمقراطية، كما عبرت عن ذلك المفوضة السامية لحقوق الإنسان السيدة نافي بلاي عندما وصفت الأحكام بالإضطهاد السياسي.
ولتسليط الضوء على المزيد من الإنتهاكات والإجراءات غير العادلة والأحكام القاسية التي أصدرتها أو أيدتها المحاكم المدنية فإن مركز البحرين يطرح نتائج متابعة محاكمة الرموز والنشطاء الواحد والعشرين في القضاء المدني والتي افتقدت لأدنى المعايير للمحاكمة العادلة واختيرت هذه القضية المهمة كنموذج على العدالة الزائفة في البحرين، بيد أنه هناك العديد من القضايا الأخرى المهمة والتي صاحبها نفس الإنتهاكات التي لازمت قضية ال 21 مثل قضية الأطباء وقضية رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان نبيل رجب والناشطة الحقوقية زينب الخواجة وقضايا أخرى كثيرة.
القضاء المسيس يحرم الرموز والنشطاء في قضية ال 21 من الحرية:
عُرفت قضية الرموز السياسين ونشطاء حقوق الإنسان بقضية ال 21 كونها تضم 21 ناشطا سياسيا وحقوقيا بارزا، أدانتهم محكمة السلامة الوطنية الإبتدائية في 22 يونيو 2011 بأحكام قاسية تصل للسجن المؤبد، وذلك لدورهم في انتفاضة 14 فبراير 2011، ووجهت لهم عدة اتهامات جنائية مفبركة من بينها تشكيل وقيادة مجموعة إرهابية هدفها تغيير الدستور وقلب نظام الحكم، والاتصال بمجموعة إرهابية في الخارج تعمل لصالح بلد أجنبي قامت بأعمال معادية للبحرين، وجمع أموال لهذه المجموعة، وقضت محكمة السلامة الوطنية الإبتدائية بسجن 8 منهم بالسجن المؤبد، في حين حكم على الآخرين بالسجن ما بين عامين و15 عاماً، من ضمنهم 7 حكم عليهم غيابيا. كما ان محكمة السلامة الوطنية الإسئنافية أصدرت الأربعاء (28 سبتمبر/ أيلول 2011) حكمها بتأيد حكم محكمة السلامة الوطنية الإبتدائية[2].
بعد صدور تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق في نوفمبر 2011 تم تحويل عدد من القضايا التي نظرت في محكمة السلامة الوطنية (عسكرية) للمحاكم المدنية على أساس أنها سوف تقوم بتصحيح الإجراءات وتوفير الضمانات للمحاكمة العادلة وتنظر في مراجعة الأحكام الصادرة.
ففي 30 أبريل/ نيسان 2012 قامت محكمة التمييز المدنية بنقض الحكم[3] مشيرة إلى أن حكم محكمة السلامة الوطنية شابه القصور في إثبات التنظيم الإرهابي، إذ لم يستظهر الحكم في مدوناته أو أسبابه أركان هذه الجريمة، كما خلا الحكم من بيان أركان جريمة قلب نظام الحكم والتدليل عليها تدليلاً سائغاً. بينما يعتقد مركز البحرين لحقوق الإنسان أنه كان يتوجب على السلطات في البحرين إلغاء الأحكام جملة وتفصيلا وإطلاق سراح السجناء وهذا جزء مما جاء به تقرير لجنة تقصي الحقائق في توصياته.
في يوم الثلاثاء الموافق 8 مايو 2012 بدأت محكمة الإستئناف الجنائية الكبري أولى جلساتها[4] للنظر في القضية والأدلة من جديد، إلا أنها ورغم حديث جميع المتهمين في القضية عن التعذيب والمعاملة الحاطة بالكرامة التي تعرضوا لها قبل وأثناء محكمة السلامة الوطنية ( عسكرية) ورغم تقدم محاموا المتهمين بأدلة من تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق يثبت تعذيب المتهمين بشكل بشع، ورغم مطالبتهم بالتحقيق في دعاوي التعذيب وإسقاط الإعترافات المنزوعة تحت التعذيب إلا أن هيئة المحكمة لم تستجب لذلك الطلب ولم تحقق في أي من اتهامات التعذيب.
هيئة المحكمة واصلت في كل الجلسات التي عقدتها تجاهلها المتعمد لطلب المحامين والمتهمين بفتح تحقيق في تعرضهم للتعذيب، كما أنها تجاهلت اسقاط الإعترافات التي انتزعت تحت التعذيب وفي نفس الوقت تمسكت بشهود وشهادات الإثبات التي قدمت في المحكمة العسكرية وهي شهادات اثبات تقدم بها ضباط في جهاز الأمن الوطني المتهمين بتعذيب النشطاء على الرغم من تقدم المحامين والمتهمين بخطاب جماعي يطالب بإبعاد شهادات شهود الأثبات لأنهم هم من عذب المتهميين.
هيئة المحكمة تعمدت الإخلال بمبادئ المحاكمة العلنية وذلك في منعطف حساس من تداول القضية في الجلسات المتعلقة بالإستماع لشهود النفي حيث أنها وبعد 8 جلسات حولت المحكمة إلى شبه سرية بنقلها إلى غرفة المشورة الملحقة بالمحكمة، دون أي مبرر قانوني لذلك، وتعمدت أن تسقط حق المتهمين و محاميهم في تقديم شهود نفي، مع أنه كان لزاما على هيئة المحكمة أن تستمع لشهود النفي وأن تتمسك بالإستماع لهم كإجراء من خلاله قد تتوصل هيئة المحكمة للإطمئنان عند اصدارها الحكم. وقد بين المحامين في تقرير مفصل علل وانتهاكات هيئة المحكمة لضمانات العدالة وللحقوق الدستورية التي انتهكت كما بينوا سبب انسحاب موكليهم من المحكمة ورفض الإستماع لشهود النفي في غرفة المشورة[5].
في تاريخ 14 من يوليو 2012 أصدرت المحكمة قرار بحضر النشر في القضية وتحويل جلسات المحكمة للسرية.
عند هذه المحطة كان جميع المتهمين في القضية ومحاميهم قد قاطعوا وانسحبوا من جلسات المحكمة، ورغم محاولات هيئة المحكمة سد الفراغ عبر انتداب محامين من قبلها إلا أن أولئك المحامون المنتدبون واجهتهم مشاكل عديدة منها سرعة عقد الجلسات التي كانت بمعدل جلستين اسبوعيا كما أنهم لم يستطيعوا أن يطلعوا على ملف القضية الضخم وكل تفاصيله ولم يعدوا أي مرافعات إلى جانب رفض المتهمين لهم وعدم مقابلتهم أو الألتقاء بهم، كما أن مركز البحرين يعتقد أنه لم ينتدب فعليا محاميين لجميع المتهمين.
وبالرغم من كل ما شاب المحاكمة والجلسات من قصور في توفير الضمانات للمتهمين والمبينة مجمل حيثياته في هذا التقرير الا ان هيئة محكمة الإستئناف العليا اصدرت حكمها بتثبيت الأحكام على جميع المتهمين ال 21 ، دون أي تغيير وذلك بتاريخ 4 سبتمبر 2012 والذي أثار موجة ادانة دولية واسعة[6].
فبدا واضحا أنه حكم سياسي لم يحصل فيه المتهمون على أدنى شروط وضمانات المحاكمة العادلة وجاء مطابقا تماما للحكم الذي أصدرته محكمة السلامة الوطنية ( عسكرية) هذا وأعلن المتهمون في خطاب نشروه يوم أمس الإثنين الموافق 2 أكتوبر أنهم في صدد الطعن في حكم محكمة الإستئناف أمام محكمة التمييز وبينوا أنهم لا يثقون في عدالة ونزاهة القضاء البحريني لأنه مسيس وطعنهم هذا يأتي ليمارسوا كامل حقهم في التقاضي وليبرهنوا للمجتمع الدولي بأن قضيتهم سياسية وأنهم سجناء رأي.
أبرز النقاط التي تمثل جوانب الإخلال بمعايير عدالة المحاكمة في قضية الرموز والنشطاء الواحد والعشرين:
1. التسويف في تحويل القضية لمحكمة التمييز المدنية بعد تثبيت الأحكام القاسية في محكمة السلامة الوطنية الإستئنافية (عسكرية)، حيث أن القضية لم تحول إلا بعد 6 أشهر وهذا التعطيل مؤشر على التعاطي السياسي مع القضية.
2. إصرار محكمة الإستناف المدنية على الأخذ بشهادات شهود الإثبات الذين شهدوا في محكمة السلامة الوطنية، وهم عدد من ضباط وافراد جهاز الأمن الوطني المتورطون في التعذيب وقد قدموا شهادات مرسلة تعتمد على ما قالوا انه مصادر سرية رغم مطالبة المحاميين والمتهمين بإسقاط شهادتهم.
3. رغم مطالبة محاموا الدفاع بالتحقيق في التعذيب الموثق الذي تعرض له المتهمون الا ان هيئة المحكمة لم تقم بذلك ولم تحقق في التعذيب وتجاهلت كل الأدلة الواضحة على وجود تعذيب.
4. رغم مطالبة المحامين والمتهمين بضرورة اسقاط الإعترافات المنتزعة تحت التعذيب والإكراه والتحقيقات التي قدمت من قبل النيابة العسكرية إلا ان المحكمة تجاهلت ذلك.
5. تحويل جلسات المحاكمة إلى جلسات سرية وهو اخلال بضمانات دستورية كما لم يكن هناك اي مبرر لمثل ذلك القرار غير ان المحكمة اصرت عليه محاولة اعاقة محاموا الدفاع والمتهمين من تقديم شهود النفي الخاصين بهم.
6. إنسحاب المحامين والمتهمين من الحضور للمحكمة احتجاجا على الإجراءات غير الدستورية وعلى سرية المحكمة مما ترك المتهمين من دون دفاع وعلى الرغم من ذلك واصلت هيئة المحكمة انعقادها بشكل سري وسريع للغاية حتى أصدرت الحكم.
7. انتداب المحكمة لمحامين دفاع من دون موافقة المتهمين وسط رفض المتهمين للمحامين المنتدبين الذين حضروا في بعض الجلسات الأخيرة حوالي 4 جلسات ولم يتمكنوا من مقابلة المتهمين او الإطلاع على ملف القضية وكان وجودهم فقط للقول بتوفير الدفاع الا أنه كان صوريا.
8. هيئة المحكمة أسقطت عمليا عنصر مهم في القضية وهو الإستماع لشهود النفي ولم تكلف نفسها استدعاء أيا منهم على الرغم من أن واجبها ان تستمع لكل ما من شأنه أن يغير في سير القضية حتى يطمأن ضميرها عند اصدار الحكم.
9. اصدار أوامر بمنع النشر في القضية بعد أن أصبحت المحكمة تعقد بدون حضور المتهمين ولا محاميهم في الجلسات الأخيرة.
10. استمرار النيابة العامة في اصدار بيانات اعلامية تدين المتهمين وتشكل ضغوط على هيئة المحكمة وتعطي أحكام مسبقة بحق المتهمين.
11. لم تستطع النيابة العامة ان تقدم أي دليل ملموس مادي على أيا من التهم الموجه للمستأنفين في القضية ولم تبني المحكمة حكمها على أي دليل ملموس.
12. لم تقدم المحكمة أي دليل ضد أيا من المتهمين بالدعوة للعنف أو تأيد العنف أو ممارسته، بل على العكس كل الأدلة كانت تبرهن أن المتهمين يدعون للسلمية وأنهم نشطاء معروفون بآرائهم السياسية المعارضة والمنتقدة للسلطة.
وبناءا على ما سبق من تلخيص لمجمل المنعطفات الهامة في هذه القضية فإن مركز البحرين لحقوق الإنسان يطالب بالآتي:
• إطلاق سراح جميع سجناء الراي في جميع القضايا التي تم فيها الحكم من خلال قضاء لا يتوفر على العدالة والإستقلالية والنزاهة وخصوصا النشطاء الحقوقين وسجناء الرأي في قضية ال 21.
• وضع حد للفساد والتجاوزات الكبيرة في جهاز النيابة العامة ومحاسبة كل العاملين في هذا الجهاز من وكلاء نيابةnورؤساء نيابة تورطوا في الإنتهاكات وتستروا على التعذيب او مارسوا التشهير بالمتهمين والإنتقام منهم.
• إسقاط كل الأحكام الجائرة التي صدرت اثر محاكم غير عادلة ومن دون ضمانات للمتهمين واطلاق سراح مئات المحكومين ظلما في قضايا كيدية مختلفة وظفتها السلطات من اجل مآرب سياسية.
• الإلتزام بما جاء في تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق وخصوصا التوصيات التي تبين ضوروة التحقيق في التعذيب ومحاكمة المسئولين عنه خصوصا في جهاز الأمن الوطني سيئ الصيت.
• محاكمة كل المتورطين في محاكم السلامة الوطنية (عسكرية) على كل الإنتهاكات التي ارتكبوها بحق المتهمين وكشف حقيقة القضايا المفبركة والمسئولين عن تدبيرها.
• اصلاح القضاء المدني والعسكري بشكل عاجل واعادة انشائه بشكل مستقل يضمن لجميع المتقاضين في كل الدرجات ان يحصلوا على محاكم عادلة تتوفر فيها اعلى المعاير الدولية للمحكمة العادلة.