هاني الفردان
قفوا لحظة من فضلكم يا من يعنيهم الأمر، وتأملوا فيما يجري من حولكم، ادرسوا التاريخ جيداً، تعلموا من حاضركم، ولتكن لكم نظرة ثاقبة في مستقبل أبنائكم ووطنكم.
إنها نسبة البحرنة، صمام أمان للبحرينيين، الذين عانوا سنوات طوالاً من البطالة والتعطل، ولم يبقَ أمامهم سوى القطاع الخاص، بعد حرمانهم من القطاع العام لأسباب كثيرة أولها «التمييز»، والإقصاء والتخوين وحب الأجنبي، وآخرها الجشع وتشبع القطاع، وتصفية الحسابات السياسية والطائفية.
في 28 يوليو/ تموز 2012 أكّد وزير العمل جميل حميدان أن «البحرين تتجه لإلغاء اشتراط نسب البحرنة في القطاع الخاص مع نجاح خطة تأهيل العمالة الوطنية». وكشف أن نسب البحرنة في مؤسسات القطاع الخاص ستخضع للتقييم، لأن الوزارة لا تهدف لوضع نظام تعجيزي لأصحاب العمل وإنما هدفها توفير فرص العمل المناسبة للمواطنين في القطاع الخاص». وقد انتقدنا ذلك بقوة وانتقدنا الوزير بشدة.
وقبل أيام (الثلثاء 24 فبراير/ شباط 2015) أكد رئيس مجلس إدارة «تمكين» الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة أن اقتصاد البحرين أكبر من عدد البحرينيين، وأن فكرة البحرنة «كانت فاشلة» ولا تلائم الاقتصاد الوطني لأن عدد البحرينيين الذين يدخلون سوق العمل سنوياً نحو 6 آلاف بحريني، بينما عدد فرص العمل المتاحة سنوياً تقدر بنحو 25 ألف فرصة عمل».
وقال: «طالما معدل البطالة جيد ومستوى دخل المواطن جيد فليست هناك مشكلة، وما تعانيه البحرين ليس أمراً فريداً لأن مخرجات التعليم لا تتناسب مع سوق العمل دائماً في العالم كله، وهناك فجوة بين مخرجات التعليم والوظائف، لكن تمكين تعمل على سد تلك الفجوة بمجموعة من البرامج من بينها إنشاء مرصد لسوق العمل يوفر المعلومة للجميع حول طبيعة الوظائف والاحتياجات المستقبلية، بالإضافة إلى إعادة هيكلة البرامج حتى انخفض عدد الطلبات على دعم تمكين بعد تطبيق المعايير الجديدة وأصبحت جودة الطلبات أعلى».
لحظة من فضلكم! فأين ذهب كلامكم وحديثكم من قبل عن جهود رسمية لرفع نسبة البحرنة في القطاع الخاص، وجعل البحريني أولوية وأفضلية في التوظيف؟ ألا تقرأون أرقامكم وتصريحاتكم، ألا ترون أن نسبة البحرنة في القطاع الخاص تراجعت كثيراً، فبعد أن كانت في 2007 أكثر من 28 في المئة، ها هي تراوح مكانها عند حاجز الـ23 في المئة فقط مع نهاية العام 2014.
لو كنا في بلد مختلف غير البحرين، لقلنا أن «نسبة البحرنة» لا تتلاءم أبداً مع اقتصادنا الوطني، فهل يعقل أن اقتصادنا الذي يخلق أكثر من 25 ألف وظيفة، غير قادر على استيعاب 6 آلاف خريج سنوياً من سوق العمل؟
وهل يعقل أن مؤسساتنا الحكومية التي تلجأ دائماً إلى الخارج من أجل استقدام العمالة لشغل الوظائف التعليمية والصحية والمكتبية وغيرها، غير قادرة هي الأخرى على استيعاب خريجي أبناء هذا الوطن والعاطلين منه؟
وما هو دور صندوق العمل (تمكين)؟ تمكين تقوم بوضع وصياغة الخطط الإستراتيجية وخطط العمل لاستغلال الرسوم التي تقوم بجمعها هيئة تنظيم سوق العمل من أجل تحقيق الرفاهية الشاملة للبحرين عن طريق الاستثمار في تحسين قدرات التوظيف للمواطنين البحرينيين وخلق وتوفير الوظائف وتقديم الدعم الاجتماعي. والأهداف الرئيسية لتمكين هي دعم البحرينيين لكي يصبحوا الاختيار الأمثل عند التوظيف، ودعم القطاع الخاص ليكون المحرّك الأساسي في تنمية الاقتصاد الوطني.
نستغرب كثيراً، وبعد تسع سنوات من صدور القانون رقم (57) لسنة 2006 بإنشاء صندوق العمل (تمكين حالياً)، هي من تتحدّث الآن عن أن «البحرنة» لا تتلاءم والاقتصاد الوطني! فهل مُكّن البحريني وأصبح الخيار الأفضل؟
الأرقام لا تكذب، وبحسب إحصاءات هيئة التامين الاجتماعي فإن القطاع الخاص لوحده (دون القطاع العام) خلق أكثر من 21 ألف وظيفة، منها 590 وظيفة بأجور عالية تفوق 1000 دينار، وأن نصيب البحرينيين من تلك الوظائف ذات الأجور العالية 22 وظيفة فقط، بنسبة 3.7 في المئة، وأن 568 وظيفة ذهبت إلى الأجانب! (مؤشرات سوق العمل للربع الثالث من العام 2014).
قبل الحديث عن «إلغاء نسبة البحرنة» أو عدم «ملائمتها للاقتصاد الوطني»، من حقّنا أيضاً أن نسأل: هل حققت «تمكين» الهدف من إنشائها بعد 9 سنوات؟ وهل جعلت من البحريني الخيار الأفضل للقطاع الخاص، وهل حقّقت الرفاهية الشاملة للبحرين عن طريق الاستثمار في تحسين قدرات التوظيف للمواطنين البحرينيين، إذ أن أفضل الوظائف التي يخلقها القطاع الخاص تذهب للأجانب وليس للبحرينيين، في مشهد غريب جداً.
صدمنا أيضاً مجلس الشورى البحريني برفضه يوم (الاثنين 19 يناير 2015) برفضه مشروع تعديلات على قانون العمل، ينصّ على إعطاء أفضلية للمواطن البحريني على الأجنبي في حال التوظيف، ومراعاة تسريح الأجنبي قبل البحريني! وسألنا في ذلك الوقت: هذا المجلس يمثل من؟
أقبلوها منا أيها المسئولون، بعد تجميد رسوم سوق العمل المتكرّر، وسحب نصف موازنة «تمكين» التي من المفترض استخدامها لتطوير وتأهيل الكوادر البحرينية لتكون الأفضل لسوق العمل، وتخصيص ما تبقى لديها لدعم برامج وزارات ومؤسسات رسمية، يأتينا الآن حديثٌ عن عدم إعطاء الأولوية للبحريني. وحديث آخر عن التوجّه لإلغاء نسب البحرنة، فعن أي إصلاح لسوق العمل؟ وعن أي أفضلية للبحريني تتكلمون بعد الآن؟ فلا تخربوها وتقعدوا على تلتها.