مراجعة شاملة للقانون رقم (47) لسنة 2002 بشأن الصحافة والتعديلات الجوهرية المقترحة بشأنه (6)
الانتقادات الموجهة للمرسوم بقانون رقم (47) لسنة 2002
حسين محمد البحارنة
كتوطئة، يجب البيان أن هذا المرسوم بقانون، يتضمن أربعة أبواب وسبعة فصول، ويتكون من 96 مادة. ويمكن إجمال بعض الانتقادات للمرسوم بقانون رقم (47) لسنة 2002 بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر كما يلي:
1- يتضمن الفصل الأول من الباب الثاني المواد 4-16 بشأن تنظيم المطابع: وتنص الفقرة (ج) من المادة 4 على الآتي: «ويجب البت في طلب الترخيص خلال ستين يوماً من تاريخ تقديمه، ويعتبر انقضاء المدة دون البت في الطلب رفضاً ضمنياً. وفي حالة رفض طلب الترخيص أو اعتباره مرفوضاً، يجوز لطالب الترخيص الطعن في قرار الرفض أمام المحكمة الكبرى المدنية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إخطاره بالقرار، أو من تاريخ اعتبار طلبه مرفوضاً».
وتعليقنا على النص الأخير هو أن طالب الترخيص يستطيع أن يطعن في قرار رفض الترخيص أمام المحكمة المذكورة إذا كان قد تسلم قرار الرفض فعلاً، حيث سيتمكن من تقديم هذا القرار المطعون فيه ضمن لائحة دعواه. أما في حالة انقضاء المدة المحدّدة بستين يوماً للنظر في طلب الترخيص، دون البت فيه من قبل وزارة الإعلام، وبالتالي اعتبار طلب الترخيص مرفوضاً ضمنياً، فان هذا النص الغامض لا يؤكد لنا صدور قرار مكتوب وموجّه لطالب الترخيص ليتمكن بذلك من التقدم للمحكمة بدعوى طعن في هذا القرار الضمني وغير المكتوب. إن النص المذكور يشير إلى إمكانية «الطعن في قرار الرفض من تاريخ إخطاره بالقرار أو من تاريخ اعتبار طلبه مرفوضاً» ضمنياً.
إن هذا الإشكال في تفسير هذا النص وارد. ولتفادي هذا الأمر، يجب حذف تعبير «الرفض الضمني» لطلب الترخيص بحيث تكون وزارة الإعلام ملزمةً بإصدار قرارها خلال ستين يوماً، سواءً بالموافقة على إصدار طلب الترخيص أو عدم الموافقة، مع إلزام الوزارة بذكر أسباب رفض طلب الترخيص. وهذا يعني أن هذا القرار بالرفض يجب أن يكون مسبباً.
2- وعموماً، فإن المواد 4 – 16 تتضمن شروطاً مسبقة قاسية على الطابع والمطبعة بشأن طباعة أي مطبوع دوري أو أي مطبوع لهيئة أو جهة أجنبية، وذلك لأن هذه الشروط تؤخر إجراءات طباعة الكتب والمنشورات الدورية في البحرين، ما يدعو المؤلف إلى طباعة مؤلفاته في الخارج. ذلك أن أحكام هذه المواد تتضمن طلب الترخيص المسبق قبل طباعة المواد المراد طباعتها في إحدى مطابع البحرين. بينما يجب إخلاء مسئولية صاحب المطبعة الافتراضية عن محتوى المواد المطبوعة. لذلك يجب تخفيف هذه الشروط عليه، ويكون المؤلف والناشر هو المسئول مباشرةً عن محتوى هذه المواد المطبوعة، وبالتالي يخضع للعقوبات المقررة في القانون، ولكن بشرط أن يكون القضاء هو الحكم في فرض هذه العقوبات عليه. هذا ما يجري عليه العمل في الدول التي تأخذ بنظام الحكم الديمقراطي. ولكن يجب استثناء المادة 14 مما نقوله لتعلقها بالمطبوعات التي صدر قرار سابق بمنع تداولها، ولكن بشرط علم الطابع بذلك المنع، ويشمل هذا المنع حظر طباعة المطبوع غير المرخص. ولكن جملة «أو تقرّر إلغاء ترخيصه أو تعديله أو وقفه عن الصدور» في هذه المادة تثير الاستغراب والتحفظ عليها.
كذلك، لدينا تحفظ على الجملة الثانية من المادة 13 التي تنص على أن الإدارة المختصة بوزارة الإعلام تصدر قرارها في طلب الإذن بشأن الترخيص خلال سبعة أيام من تاريخ تقديمه «وإلاّ اعتبر الطلب مرفوضاً» ضمنياً. والسبب في هذا التحفظ هو أولاً، أن مدة سبعة أيام للنظر في طلب الإذن مدةٌ قصيرة، وفي الغالب لا تلتزم الإدارة المختصة بهذه المدة. ذلك أن التجارب السابقة أثبتت أن مؤلف المطبوع ينتظر أشهراً طويلة قبل إصدار الترخيص لطباعة وصدور هذا المطبوع، ما يضطره إلى طباعته خارج البلاد. وتجد الإدارة فرصةً لرفض طلب الترخيص ضمنياً، ودون صدور قرار بذلك في العبارة الأخيرة من هذا النص، وهي عبارة «وإلاّ اعتبر الطلب مرفوضاً» ضمنياً، وهذا قيدٌ على المادتين 24،23 من الدستور. ولحل هذا الإشكال، يجب حذف العبارة الأخيرة من المادة 13، وتحدّد مدة أطول (نقترح مدة 30 يوماً) لرفض طباعة المطبوع بحيث يجب على الإدارة المختصة أن تصدر خلال هذه المدة قراراً يوجه إلى الطابع سواءً بالموافقة على المطبوع أو عدم الموافقة. ولو أننا نرجح إعطاء الحرية للطابع بأن يطبع أي مطبوع بدون صدور إذن مسبق بالترخيص، على أن يتحمل المؤلف وحده مسئوليته الشخصية عن محتوى هذا المطبوع، وفقاً لكل من قانون الصحافة والطباعة والنشر، وقانون العقوبات. وفي حالة الأخذ بهذه المقترحات المتعلقة بهذه المواد، يجب تخفيف العقوبات الشديدة في المادة 16 من القانون.
3- يتضمن الفصل الثاني من الباب الثاني المواد 17 – 22 بشأن موضوع تداول المطبوعات: ومن هذه المواد، نجد أن المادة 17 شديدة في حكمها وشروطها فيما يتعلق بمنع تداول أي مطبوع إلا بعد الحصول على إذن كتابي مسبق بذلك من الإدارة. والسؤال هو إذا كانت المواد 11 – 16 تنظّم الشروط التي يجب أن يلتزم بها الطابع والمطبعة، فإن هذا يعني أن كل المطبوعات الصادرة من مطابع البحرين قد صدر بشأنها إذن أو ترخيص يجيز تداول هذه المطبوعات. لذلك ما شأن المادة 17 في هذا الموضوع حين تمنع تداول أي مطبوع «إلا بعد الحصول على إذن كتابي بذلك من الإدارة». وهل هذا يعني أنه إذا وقع في يد أحد الساكنين في البحرين كتاب ليقرأه، فان عليه أن يطلب ترخيصاً من الإدارة المختصة، الأمر الذي يعتبر مرفوضاً لأنه يتدخل في حرية الأشخاص في الحصول على المعلومات وقراءتها من أية جهة تصل إليه. أم أن هذا النص يتعلق بمكتبات بيع الكتب التي يجب عليها أن تتحرى قبل بيع هذه الكتب التي لديها للجمهور بأن كل كتاب أو مطبوع معروض لديها للبيع قد صدر «بإذن كتابي مسبق من الإدارة».
إن هذا الأمر مرفوض أيضاً لأنه يتضمن فرض مسئولية افتراضية أيضاً على مكتبات بيع الكتب، لا مبرر لها قانوناً. ثم إن الفقرة الثانية من هذه المادة تشير إلى ضرورة صدور قرار من الوزير بتنظيم شروط وإجراءات ومواعيد الحصول على هذا الإذن. ونحن لازلنا بصدد الحصول على هذا القرار إذا كان قد صدر فعلاً وما هو محتواه. وفي غياب صدور هذا القرار، سيظل تداول المطبوع ممنوعاً إلى أمد طويل لا تعرف نهايته، ما يشكّل حظراً على حرية قراءة هذا المطبوع والاستفادة من المعلومات التي يتضمنها، كما يشكّل هذا الحظر من تداول المطبوع حجراً على حرية القراء في الاستفادة من هذا المطبوع أو نقده أو تقييمه. إلاّ أن القرار الإداري بمنع المطبوع من التداول لا يجب أن يكتسب صفة الشرعية إلا بعد تأييده بحكم قضائي نهائي.
ونرى أن هذه المادة تقيد حرية الفكر وحرية الحصول على المعلومات بطريقة سهلة وميسرة التي تنظمها اتفاقيات دولية. لذلك لا نرى ضرورة لهذه المادة التعسفية، ويجب حذفها لينعم الجمهور بحرية الحصول على المعلومات والإحصاءات دون وضع قيود غير دستورية على حريته في الحصول على ذلك.
أما المادتان 19- 20 فتجيزان لوزير الإعلام أن يصدر قرارات بمنع تداول المطبوعات لعدة أسباب نوجزها فيما يلي: فيما يتعلق بالمادة 19، فهي تجيز لوزير الإعلام أن يصدر قراراً بمنع تداول المطبوعات التي تتضمن المساس بنظام الحكم في الدولة أو دينها الرسمي أو الإخلال بالآداب أو التعرض للأديان تعرضاً من شأنه تكدير السلم العام، أو التي تتضمن الأمور المحظور نشرها طبقاً لأحكام هذا القانون.
إن هذه العبارات العامة والفضفاضة، تعطي لوزير الإعلام سلطة تعسفية عامة لمنع تداول ما يراه من مطبوعات، حسب اجتهاده الخاص. ثم أن هذه العبارات يمكن أن تفسر على أساس إمكانية منع التعرض بالانتقاد أو التقييم لبعض أحكام الدستور أو لنظام الحكم الدستوري المتمثل في «الأحكام المشتركة للمجلسين» في الدستور التي كانت – قبل التعديلات الدستورية الصادرة في 3 مايو 2012 – ترجح قرارات مجلس الشورى المعين على قرارات مجلس النواب المنتخب. هذا مع العلم أن سياق هذه العبارات العامة لا يؤدي إلى هذا المفهوم الخاطئ. إلا أن هذه العبارات العامة قد تؤدي إلى تقييد آخر لحرية الرأي والتعبير وحرية النقد والبحث العلمي المقررتين بموجب المادتين 24،23 من الدستور. ناهيك أن هذه العبارات الفضفاضة كالمساس بدين الدولة أو التعرض للأديان تعرضاً يؤدي إلى «تكدير السلم العام»، تنطوي على اتهاماتٍ بارتكاب جرائم تخضع للعقاب بموجب قانون العقوبات. لذلك، لا يجوز لوزير الإعلام أن تكون له سلطة إدارية مطلقة في تفسير هذه العبارات الفضفاضة التي قد لا تنطبق على ما تتضمنه هذه المطبوعات المعترض عليها، الأمر الذي سيؤدي إلى منع هذه المطبوعات من التداول بأوامر وزارية تعسفية قد يطول أمر مراجعتها قضائياً. ولمعالجة هذا الأمر، يجب أن تكون أوامر منع هذه المطبوعات من التداول صادرة من المحكمة المختصة بدايةً، إلى حين الفصل فيها بأحكام قضائية لاحقة.
أمَّا الفقرة الثانية من المادة 19، فإنها تجيز «لذوي الشأن الطعن في قرار منع التداول أمام المحكمة الكبرى المدنية خلال 15 يوماً من تاريخ صدوره أو العلم به، وتفصل المحكمة الكبرى في الدعوى على وجه الاستعجال». وفي هذه الحالة أيضاً – كما علمتنا التجارب – قد يتأخر صدور قرار وزير الإعلام بمنع تداول المطبوع، وخصوصاً لأنه لم يلزم هذا النص وزير الإعلام بإصدار هذا القرار خلال مدة محددة. وبذلك قد يظل هذا المطبوع الممنوع تداوله مدة طويلة لدى الوزارة وبدون وجه حق قانوني لاستمرار منعه من التداول، بينما يظل اختصاص المحكمة في النظر في هذا الأمر معطلاً لمدة عدة أشهر دون مبرر قانوني لهذا المنع الذي يظل خارج اختصاص المحاكم للنظر فيه.
أما عبارة «أو العلم به» في هذا النص، أي العلم بقرار المنع، فهي أيضا عبارة تزيد من الإشكالات الدستورية التي يتضمنها حكم المادة 19. وذلك لأن العلم الظني بصدور قرار المنع لا يفيد المتظلم في تقديم طعنه المقدم للمحكمة المختصة ضد قرار منع المطبوع من التداول، ما لم يكن هذا القرار قد تسلمه فعلاً المتظلم أو «ذو الشأن»، وحينذاك فقط، يمكن الطعن في هذا القرار أمام المحكمة المختصة خلال المدة المقررة في هذه المادة. (يتبع).