حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله
ملك مملكة البحرين
تحية محبة وتقدير،،،
قبل عامين وفي ظل انعقاد مؤتمر القمة العربية في مارس عام 2004م كان لنا في التجمع القومي الديمقراطي شرف اللقاء بجلالتكم لنقل تصورات التجمع القومي حول العديد من القضايا الوطنية والقومية، وكان ذلك اللقاء بالنسبة لنا هاماً ومفيداً من حيث الوقوف والتعرف عن كثب على رؤية جلالتكم الثاقبة تجاه الأحداث والتطورات التي كانت تشغل الساحة الوطنية والإقليمية والدولية.
وكان لتجاوب جلالتكم وسعة صدركم اللتين عودتمونا عليهما بالغ الأثر في قرار التجمع في صياغة مواقفه ورؤيته من تلك الأحداث في مذكرة شاملة قد تشرفنا برفعها إلى جلالتكم قبل انعقاد مؤتمر القمة العربية في ذلك العام، وتضمنت تلك المذكرة العديد من التحليلات والمواقف لجمعية التجمع القومي بالنسبة إلى النظام الإقليمي العربي ومقترحات إصلاح الجامعة العربية ودور المؤسسات الشعبية في دعم العمل القومي إضافة إلى رؤيتنا حول القضية الفلسطينية والقضية العراقية وغيرها من القضايا العربية الساخنة.
واليوم مع بدء العد التنازلي لعقد مؤتمر القمة العربية لدورته في عام 2006م لازلنا نرى أن أقطار الوطن العربي تعيش نفس التحديات والمخاطر التي تحيط بها من كل اتجاه وتستهدف الوحدات الوطنية والأقطار العربية عبر إشعال الفتن الطائفية والنزعات العرقية والمذهبية، وبات واقع الأمة مستهدفاً بقوة من قبل الدول الكبرى وبعض الدول الإقليمية ذات الأطماع التاريخية في المنطقة.
ومما يؤسف له أنه وسط كل هذه التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه الأقطار العربية لا زلنا نرى بقاء وتفاقم حالة الوهن التي تطبق على النظام العربي وهو ما يقود إلى استمرار أزمة هذا النظام واستمرار حالة عدم الثقة بين أنظمة الحكم العربية وبين شعوبها في الكثير من الأقطار العربية، وهو ما يعني بقاء الدول العربية مشغولة بمشاكلها وأزماتها الخاصة في الوقت الذي تأخذ فيه المشاريع المعادية لها بالتمدد والتوسع على حساب الدول العربية ومصالح شعوبها.
وهذا الواقع يا جلالة الملك المفدى هو الذي أملئ علينا أن نعيد قراءة محتويات المذكرة السابقة التي قدمت إلى جلالتكم قبل عامين وقد قادتنا هذه القراءة مرة أخرى إلى استخلاص حقيقة هامة وهي أن ما تضمنته من مواقف حول أبرز قضايا الأمة خاصة العراق وفلسطين، لا زالت تؤكد صحة ما ذهبنا إليه من تحليلات وما أقترحناه من سبل لمواجهة الأخطار المحدقة بالأمة سياسياً واقتصادياً وهو ما يبرز الحاجة الملحة والواجب الضروري للقيام بمراجعة شاملة للكثير من السياسات والمواقف العربية.
وانطلاقا من ذلك يشرفنا أن نرفع لجلالتكم هذه المذكرة الجديدة والعاجلة راجين من جلالتكم نقل خلاصتها إلى مؤتمر القمة العربي القادم لأنها في تصورنا تعبر عن رؤية وضمير شعبنا تجاه تلك القضايا.
وتفضلوا بقبول خالص محبتنا وتقديرنا لجلالتكم،،،
رسول الجشي
رئيس التجمع القومي الديمقراطي
بسم الله الرحمن الرحيم
أن الظروف الراهنة التي تمر بها الأمة العربية تستدعي منا وقفة عربية مسؤولة على الصعيدين الرسمي والشعبي، ومن هذا المنطلق فأننا هنا نضع رؤيتنا هذه بالنسبة إلى أهم القضايا التي باتت اليوم تشكل محور المأزق العربي الراهن خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والقضية العراقية دون التقليل من شأن أو أهمية القضايا الأخرى المتعلقة بإصلاح النظام الإقليمي العربي وتعزيز دور المؤسسات المجتمعية والأهلية والقوى الوطنية والسياسية في عموم الأقطار العربية، خاصة مع توالي المؤشرات والمعطيات الكثيرة – يوماً بعد آخر – على الساحة السياسية العربية سواء في فلسطين أو العراق أو سوريا أو لبنان وكذلك في السودان وغيرها – والتي باتت تؤكد انه لا يمكن بعد اليوم – وبعد كل التطورات التي تشهدها هذه الساحات الركون إلى أي مصداقية لدى الإدارة الأمريكية في طريقة تعاملها مع هذه الأحداث أو إيجاد الحلول لها بالشكل الذي يؤمن مصالح الدول العربية المعنية أو يلبي طموحات شعوبها، بل على العكس أن تلك المعطيات تكشف بوضوح أن الإدارة الأمريكية ليست معنية ولا تقيم وزنا للإرادة أو المشاعر العربية، وأن هذه الإدارة تعمل بصورة مستمرة وواضحة بالضد من مصالح أقطارنا العربية وداعمة لمصالح أعداءنا من الصهاينة والدول والقوى الشعوبية والطائفية التي تسعى إلى نشر الخراب والفوضى في دولنا، كما هو حاصل في العراق الشقيق.
فعلى الصعيد الفلسطيني نحن نواجه عملياً سياسات ومخططات وقرارات تصب في مجرى تكريس الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين والأراضي العربية الأخرى المحتلة – كواقع لا مفر منه، كما أننا لا نرى أو نلمس سوى الأملاءات والضغوط السياسية والعسكرية والاقتصادية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وهي تمارسها على أقرب الدول العربية ممن ينظر لها على أنها قريبة أو حليفة لها، وقد تجلت وتعاظمت تلك الضغوط في الفترة القصيرة الماضية خاصة بعد فوز حركة حماس الفلسطينية في الانتخابات التشريعية الفلسطينية وتحقيقها فوزاً ساحقاً استطاعت من خلاله الحصول على الأغلبية التي تؤهلها لتشكيل الحكومة الفلسطينية وتنفيذ برنامجها السياسي التي وصلت بموجبه إلى هذه الأغلبية وحازت على ثقة المواطن الفلسطيني، وقد عكست تلك الانتخابات وجسدت رغبة وإرادة الشعب الفلسطيني واستعداده لمواصلة عطائه وتضحياته من أجل قضيته العادلة، كما أكدت إصراره على نيل حقوقه وتقرير مصيره في الخلاص من نير الاحتلال الصهيوني، وعوض أن تتصرف الولايات المتحدة الأمريكية بمسؤولية الدول الكبرى والديمقراطية التي تحترم إرادة وخيارات الشعوب، وبدل من أن تحترم إرادة الشعب الفلسطيني في هذا المجال الذي مارس حقه الانتخابي والديمقراطي في اختيار الحكومة أو السلطة التي تمثله، بدل من كل ذلك فقد رأينا كيف سعت إدارة البيت الأبيض وبشكل محموم لممارسة أقصى درجات الضغط والابتزاز والتهديد بفرض الحصار السياسي والاقتصادي والتلويح بتجويع الشعب الفلسطيني، وهو ما يكشف زيف وادعاءات الولايات المتحدة الأمريكية حول الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان وغيرها من الشعارات التي تتعامل بها ومعها بازدواجية وانتقائية مقيتة. لذلك فأننا من منطلق المسؤولية الوطنية والقومية ندعو القادة العرب في القمة القادمة إلى أهمية إعادة قراءة الواقع الفلسطيني والعربي قراءة جديدة وواعية، في ضوء المصالح القومية العليا للأمة العربية ولمصالح أقطارها وشعوبها، كما ندعو القادة والمسئولين العرب بضرورة التخلي عن عقلية الخوف والتنازل أو الاستسلام أمام الضغوطات الأمريكية، كما نطالب بضرورة تفعيل واستخدام كل الأوراق والخيارات العربية المتاحة – وهي كثيرة – خاصة في هذا الظرف الذي تعاني منه الإدارة الأمريكية من مأزق خطير في العراق، وتخبط في سياساتها وتأكد فشل وإخفاق مشروعاتها في العراق والمنطقة، وهي جميعها معطيات تقدم للدول العربية ولقادتها الفرصة والقدرة على الثبات في المواقف القومية والمبدئية التي لا تفرط بالحقوق الفلسطينية والعربية، كما تهيئ أمامها إمكانية إعلان المواقف الواضحةوالصريحة الداعمة للقضية الفلسطينية على كل المستويات السياسية والمادية والإعلامية، والتأكيد على الحق المشروع للمقاومة الفلسطينية في مواجهة جرائم وعدوان العدو الصهيوني المتواصلة كما تقرر كل الشرائع والأعراف والقوانين الدولية، وأخيراً تقول أنه أمام الدول العربية فرصة تاريخية لقطع دابر الابتزاز الأمريكي الصهيوني – وإلى الأبد – ووضع الحد للمساومات والاتفاقات التي تضر بالموقف الفلسطيني وتضعف الموقف العربي، وهذا يتطلب وقف أو رفض إي عملية تطبيع كلية أو جزئية مع المحتل الصهيوني قبل الحصول على حق الشعب الفلسطيني والتوصل إلى سلام عادل وشامل يضمن انسحاب العدو في كل الأراضي العربية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين الفلسطينيين الراغبين في العودة إلى وطنهم وأرضهم التي طردوا منها.
أما القضية الأخرى التي تشكل في رأينا اليوم بؤرة الصراع مع أعداء الأمة والتي من خلالها سوف تحسم كل القضايا النازفة في جسد هذه الأمة المثخن بالجراح، ونعني بها القضية العراقية خاصة مع دخول الاحتلال والعدوان الأمريكي البريطاني للعراق الشقيق عامة الرابع، والذي أصبح العالم يقر اليوم ويعترف بأنه عدوان واحتلال مخالف لكل الشرايع والقوانين الدولية والإنسانية والأخلاقية بسبب ما ارتكبه من جرائم وفظايع فاقت كل الحدود.
وقد صرنا نرى اليوم حجم مخاطر وتداعيات هذا الغزو والاحتلال على العراق الشقيق وعلى دول المنطقة عموماً ومنها بلدنا العزيز البحرين.
كما أن الإحداث التي تتوالي من العراق تكشف حجم تورط الولايات المتحدة الأمريكية في هذا البلد، كما تكشف حجم الأخطاء التي ارتكبتها فيه، مما جعلها في الوقت الراهن تبحث عن سبيل للخروج من هذه الورطة ومطالبة الدول العربية والعالم مشاركتها في تحمل كلفة الاحتلال وخطاياه، وكذلك تحمل عبء مواجهة المقاومة العراقية وأكلافها البشرية والمادية، وهي تحاول اليوم – كما حاولت في السابق واستطاعت عبر الترهيب والترغيب في انتزاع اعتراف الكثير من دول العالم ومنها للأسف الدول العربية والجامعة العربية بالاحتلال وبمشاريعه وخططه التي قادت في نهاية المطاف إلى هذا الوضع المأساوي الذي يعيشه العراق اليوم.
ومما يؤسف له أن الدول العربية في قضية العراق قد أصبحت جزءا من المأزق العربي بدل من أن تكون جزءا في حل مشاكله التي خلقها الاحتلال وأعوانه، وصارت طرفاً في إضفاء الشرعية على ذلك الاحتلال وعلى نتائجه الكارثية وما أفرزه من دستور وقوانين وحكومات ومؤسسات جميعها قد وضعت بالضد من مصلحة العراق وشعبه وتعمل على أبعاد العراق عن محيطه العربي ومحو هويته الوطنية والقومية، وهذا ما يجعل الدول العربية في الواقع شريك في نتائج الاحتلال وارتكابها خطيئة تاريخية بحق العراق باعترافها بشرعية الاحتلال وبقراراته المتعارضة مع المصلحة القومية، وهي القرارات التي جعلت من هذا البلد العربي ومستقبله محفوف بالكثير من المخاطر التي تنعكس سلباً ودماراً على الدول العربية نفسها، وصار البلد اليوم مهدد بشبح التقسيم والحرب الأهلية اللذان يهددان العراق بالزوال من الخريطة الجغرافية السياسية للوطن العربي، مما يعني تهديد أمن واستقرار كل الدول العربية ووجودها القومي، خاصة ونحن نرى كيف تتنامى نزعات التطرف والتعصب الطائفي والمذهبي في دولنا، وضلوع أطراف إقليمية غر عربية بقوة في مشاريع تأجيج نار الفتن الطائفية والمشاركة في رسم السياسات وصياغة المخططات التي تكرس حالات الانقسام في العراق وفي الدول العربية لتعزيز مصالحها ونفوذها خاصة الدولة الصهيونية التي بات لها وجود قوى ومؤثر في العراق والتغلغل في مناطقه الشمالية إضافة إلى ايران من خلال امتداداتها السياسية والدينية والطائفية واعتمادها على بعض القوى والميليشيات الطائفية وفرق الموت التي تستهدف القوى العربية وصارت تمارس القتل على الهوية خاصة الكفاءات والقدرات والعلماء وغيرها من الفئات والعناصر التي تعارض الاحتلال وتتمسك بهويتها الوطنية والقومية.
في ظل تفاقم هذه الأوضاع السيئة في العراق فأنه أمام القادة العرب مسؤولية وطنية وقومية وأخلاقية لمساعدة العراق على الخروج من النفق المظلم الذي يعيش فيه، خاصة وأن بقاء واستمرار الأوضاع في هذا البلد بهذا الشكل من الانحدار والسقوط يهدد زعزعة كيان الأمة العربية برمته، وأن موجات الإرهاب والعنف والتطرف الديني والطائفي التي أوجدها المحتل سوف تجتاح جميع الدول العربية، وما نخشاه حقاً أن تخرج القمة العربية القادمة كسابقاتها دون أن نتمكن من فعل شئ ينقذ ما تبقي من العراق ويمد طوق النجاة إلى شعبه الصابر والمغلوب على أمره، خاصة ونحن نرى فعلاً كيف صارت القضية العراقية أكبر من حجم وإمكانات الدول العربية، بفعل سياساتها غير المدروسة ودورها الذي لا يتناسب مع حجم الكارثة التي أوجدها الغزو الأمريكي البريطاني وعدم اتفاق الحكومات العربية حول أية قضية من القضايا المطروحة أمام القمة، إضافة إلى إصدار الولايات المتحدة الأمريكية على تجاهل الدور العربي رغم كل ما قدمته هذه الدول في دعم لسياساتها في العراق وأسهمت بها في إضفاء المشروعية على الاحتلال، فالولايات المتحدة الأمريكية لم تحفظ للدول العربية هذا الصنيع، لذلك لجأت اليوم إلى إيران لمساعدتها والتفاهم معها حول مستقبل العراق والدخول معها في صفقات سياسية وأمنية واقتصادية على حساب عذابات وشقاء العراق والعراقيين وعلى حساب المصالح السياسية والأمنية للدول العربية وهذا يؤكد الدور الذي لعبته إيران ولا زالت تلعبه في العراق لتعزيز نفوذها وتكريس وجودها السياسي والأمني بمواقفه ورعاية الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يفضح مزاعم هذه الأخيرة وادعاءاتها حول صداقتها أو تحالفها المزعوم مع بعض الدول العربية، وليس من المستغرب أن نرى أو نسمع وضع الملف النووي الإيراني وكذلك الملف السوري واللبناني على طاولة المفاوضات والمساومات ما يعني سحب البساط من تحت أقدام الدول العربية والاستفراد بسورية وتهديد نظامها السياسي وإعادة ترتيب الوضع السياسي في لبنان وصياغة التحالفات فيه وفق المنظور الأمريكي والإيراني والمصلحة الصهيونية قبل كل شي.
لذلك نحن نرى ضرورة تعبئة الإرادة العربية والرسمية والشعبية من أجل مواجهة وإفشال مخططات الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني وإيران في المنطقة ولم يعد من شك أن خيار دعم المقاومة في العراق وفلسطين والاعتراف بهما هو خيار بات أكثر من ضروري وملح لإعادة التوازن المفقود في الوضع العربي وضرورة المطالبة بالجلاء الفوري لقوات الاحتلال في العراق وتمكين الشعب العراقي من تقرير مصيره بحرية والعمل على إنجاز هدف المصالحة العراقية بعيداً عن التداخلات الخارجية من أجل مستقبل العراق السياسي والاجتماعي والاقتصادي والمحافظة على وحدته وعروبته. أن هذه المواقف التي يجب أن يتخذها العرب في قمتهم القادمة هي الكفيلة بتعزيز المشروع العربي لمواجهة كل التحديات والمخاطر المفروضة عليها وأصبحت تهدد أمنها واستقرارها ووجودها، وذلك وحده الذي يمكنها من التعامل مع إستراتيجية ومخططات الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها – القدامى والجدد – بما يصون مصالح الأمة العربية وأقطارها حاضراً ومستقبلاً.