بدأت بوادر أزمة شديدة التعقيد بالظهور بين الائتلاف الشيعي وحكومته الانتقالية الجديدة برئاسة ابراهيم الجعفري من جهة، وجهاز المخابرات العراقية الذي شكله الحاكم الامريكي السابق السفير بول برايمر في آيار (مايو) من العام المنصرم من جهة أخري، يتوقع ان تتطور وتتسع خلال الفترة القليلة المقبلة، وتنذر بحدوث مواجهات وصدامات مسلحة بين الطرفين تقود الي مزيد من التدهور في الاوضاع الأمنية المتردية أصلاً.
ورغم ان الخلافات بين التنظيمات والاحزاب والجماعات التي شكلت الائتلاف الشيعي، وبين جهاز المخابرات ليست جديدة، ولكنها تصاعدت بين الجانبين خلال اليومين الماضيين اللذين اعقبا تشكيل الحكومة الانتقالية بعد ان رفض رئيس الجهاز اللواء محمد عبدالله الشهواني ان يكون بأمرة رئيس الوزراء الذي يتولي في الوقت نفسه منصب وزير الدفاع، ورفض ايضاً ان يتبع جهازه وزارة الداخلية التي تولاها باقر صولاغ (بيان جبر سابقاً) مؤكداً ان جهاز المخابرات الجديد، هيئة امنية شبة مستقلة، تستمر بصيغتها الحالية حتي نهاية المرحلة الانتقالية الراهنة، حيث يكتب الدستور الدائم، وتحدد فيه مرجعية هذا الجهاز في حينه.
ووفق معلومات راجت في بغداد علي نطاق واسع يوم الجمعة الماضي، وهو اليوم الذي بدأ وزراء حكومة الجعفري تسلم مهامهم مفادها ان اللواء الشهواني امتنع عن حضور اجتماع وصف بانه تنسيقي عقد في مقر وزارة الداخلية عصر ذلك اليوم رأسه الوزير باقر صولاغ وحضره قادة القوات العسكرية والاجهزة الاستخبارية والامنية في وزارتي الدفاع والداخلية، ويقال ان رئيس المخابرات ابلغ احد مساعدي صولاغ في وزارة الداخلية الذي اتصل به هاتفياً يدعوه الي الاجتماع المذكور، انا لست جزءاً من الحكومة ولا أرأس دائرة تتبع وزارتي الداخلية والدفاع، وبالتالي لست معنياً بحضور مثل هذه الاجتماعات حتي نهاية العام الحالي، ويبدو ان جماعة الائتلاف الشيعي بالغوا في جواب اللواء الشهواني واضافوا اليه كلاماً جاء فيه: ان رئيس المخابرات قال ايضاً انه لا يعترف بحكومة الجعفري ولا يقبل ان يحضر اجتماعات تعقد برئاسة وزرائه (العجم).
وسواء صحت هذه المعلومات ام انها جزء من التصعيد الذي باشرته حكومة الجعفري ضد وزارتي الداخلية والدفاع في حكومة علاوي السابقة، الا ان قادة الائتلاف الشيعي لا يخفون كراهيتهم للواء الشهواني الذي يتهمونه بانه من اتباع النظام السابق، رغم انه ضحي بثلاثة من اولاده اعدموا عام 1996 نتيجة معارضته لذلك النظام، ويتهمونه ايضاً بانه اعاد الي العمل والخدمة بجهاز المخابرات الجديد اكثر من 600 ضابط مخابرات سابق وخصوصاً ممن امضوا سنوات عديدة يعملون في القسم الايراني بدائرة المخابرات السابقة، وامتلكوا خبرات واسعة عن ايران والاحزاب الشيعية التي نشـأت فيها والجماعات التي ترتبط بها.
ويجادل اللواء الشهواني بانه فعلاً استعان بضباط مخابرات سابقين واعادهم الي الخدمة في جهازه، ولكن الرقم الذي تذكره التنظيمات الشيعية مضخم جداً، وليس جميع الذين اعادهم الي العمل من المشتغلين في القسم الايراني فقط، وانما خبراء في الشؤون الايرانية والسورية والخليجية والدولية وملفاتهم تثبت انهم من العناصر المحترفة والكفوءة ولم تسجل عليهم خلال سنوات عملهم في المخابرات سابقاً اي انتهاكات او مخالفات.
وكان الشهواني أول مسؤول في عهد الاحتلال يحذر من التدخل الايراني في العراق، وأول من كشف تدفق اسلحة وأموال ايرانية الي الاحزاب والتنظيمات والشخصيات الشيعية في العراق، ويحتفظ في مكتبه الكائن بقصر رئاسي في حي الجهاد بمحاضر اجتماعات واشرطة اتصالات هاتفية جمعت بين مسؤولين ايرانيين ونظرائهم الذين عادوا الي العراق، والغريب ان بعض هذه الاجتماعات والاتصالات جرت في عواصم عربية واجنبية، مما يؤكد بان الشهواني قد نسق مع اجهزة أمنية ومخابراتية في هذه الدول.
ويتهم قادة المجلس الاعلي الشيعي برئاسة عبدالعزيز الحكيم اللواء الشهواني بأنه استدعي خلال الشهور الستة المنصرمة، اكثر من ستة الاف ضابط وجندي عراقي امضوا في الاسر بايران سنوات طويلة، وسجل افاداتهم وشهاداتهم عن العناصر (العراقية) التي كانت تحقق معهم وتعذبهم في اقفاص الاسر والسجون والمعتقلات الايرانية التي حشروا فيها، وقد وردت اسماء العديد من المسؤولين الحاليين بعضهم وزراء ووكلاء وزارات وسفراء ومدراء عامون ورؤساء دوائر حكومية ومحافظون ورؤساء واعضاء مجالس محافظات ونواب في الجمعية الوطنية.
وينفي هادي عامري القائد الميداني لميلشيات بدر وعضو الجمعية الوطنية الذي تردد أسمه ضمن مستجوبي ومعذبي الاسري العراقيين هذه الاتهامات، ويقول انها معلومات كاذبة، فيما ذكرت وكالة فرانس برس، استناداً الي لقاءات اجرتها في العراق مع اسري سابقين ومعنيين بهذا الامر قالوا ان عناصر فيلق بدر مارست التعذيب ضد الجنود العراقيين في معتقلاتهم الايرانية.
ومع ان لقطات كان التلفزيون الايراني قد عرضها خلال سنوات الحرب العراقية ـ الايرانية للاسري العراقيين يبدو ان جهاز المخابرات السابق قد سجلها ووثقها وتحولت عائديتها الي الجهاز الجديد، تظهر العديد من قادة وكوادر المجلس الاعلي وقوات بدر ممن عادوا الي العراق بعد احتلاله وهم يشاركون في استجواب الاسري ويترجمون لهم ويسجلون لقاءات اذاعية وتلفزيونية، غير ان مسؤولي المجلس وميليشيات بدر لا ينفون صورهم ومشاركاتهم في تلك الفعاليات ولكنهم يقولون ان مهماتهم في سنوات الحرب كانت تقتصر علي الخدمات الانسانية والتوجيهية والارشادية واغراض الترجمة.
ويخشي الائتلاف الشيعي من ظاهرة انتشار اشرطة وسيديات غزت الاسواق مؤخراً وتباع في بعض مناطق بغداد ومحافظات الكوت وديالي والحلة والموصل وكركوك وصلاح الدين، تعرض صور اشخاص حققوا مع الاسري العراقيين، يتولي بعضهم مناصب قيادية في حكومة الجعفري والجمعية الوطنية، ومن هؤلاء ستة محافظين يتوزعون علي محافظات في الفرات الاوسط والجنوب.
ويقول الائتلاف ان هذه الظاهرة تقود الي عمليات ثأر وانتقام من قبل الاسري السابقين ضد المسؤولين الحاليين. وكانت بيانات اعلنتها الاجهزة الامنية خلال الشهرين الماضيين قد اوضحت ان عدداً من قادة وكوادر المجلس الاعلي وميليشيات بدر قد تعرضوا الي الاغتيال، منهم مسؤول مكتب المجلس في محافظة ديالي مع ثلاثة من حراسه وخمسة كوادر أخري جري تصفيتها في العمارة والحلة.
ولأن الائتلاف الشيعي مصر علي ان يتولي اتباعه مسؤولية القوات العسكرية والاجهزة الامنية، فان الصدام بات وشيكاً بينه وبين جهاز المخابرات الذي ينشط خارج الاطارات الحكومية ووزارتي الداخلية والدفاع، ولأن الجهاز الذي يمتلك معلومات وفيرة عن قادة الائتلاف الشيعي وعناصر بدر، ويستعين بالجهات الامريكية في توثيق وتعزيز ملفاته، فانه كفته هي الارجح في حسم المعركة لصالحه، خصوصاً وان الائتلاف يفتقر الي معرفة العاملين في الجهاز وضباطه ومنتسبيه، الذين يتحركون بسرية بالغة وتحت أغطية وظيفية مختلفة.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.